الغزل الصريح في العصر الأموي

كتابة:
الغزل الصريح في العصر الأموي


التعريف بالغزل الصريح

الغزل الصريح غزلٌ يتغزل بمفاتن المرأة الجسدية، ويؤمن باللهو في الحب، وفيه يعدد الشاعر أسماء محبوباته وينتقل من محبوبةٍ إلى أخرى فلا يكتفي بواحدة، وقد ظهر في العصر الجاهلي، وخفت نجمه في العصر الإسلامي والخلافة الراشدة، ليلمع من جديد في العصر الأموي.


بداية الغزل الصريح في العهد الأموي

أضحت الحواضر الإسلامية في العصر الأموي مراكز حضاريةً وثقافية، كبغداد والكوفة ودمشق ومكة والمدينة، وكل حاضرةٍ تميزت بمنحىً من مناحي الحياة الثقافية والاتجاهات الفكرية، وبالنسبة لمكة والمدينة فقد اجتمعت فيها ثروةٌ هائلة، وأغدق عليها الخلفاء بالمنح والعطايا ليصرفوهم عن التفكير في الخلافة، ومع دخول غير العناصر العربية كالفارسية وغيرها وإدخالهم عناصر اللهو والترف، وانتقال مركز الخلافة من المدينة إلى دمشق.[١]


كل هذا ساهم في ظهور مظاهر الدِعة والترف وانتشار اللهو والطرب فيها، ولا بدُّ من وجود الشباب العاطل الذي توفر له رخاء العيش، وانصرف إلى شؤونه الخاصة وإشباع لذاته، ووفر له الرقيق الأجنبي صنوف المتع والغناء حتى استحدثت لنفسها أوزاناً جديدةً قابلة للغناء الرقيق الذي يناسب ذوق هذا السباب وهنا نحن أمام مجتمع أتاح لأهله المرح البريء، وقد غلب عليه الطابع المادي الصريح أو ما يسمى بالغزل الصريح. [١]


أبرز شعراء الغزل الصريح

برز عددٌ من الشعراء الذين نحوا في شعرهم منحى الغزل الصريح ومن أبرزهم:


عمر بن أبي ربيعة

ولد عمر بن أبي ربيعة في السنة الثالثة والعشرين للهجرة لأبٍ قرشي من بني مخزوم وأمٍ يمنية حضرمية، وكان والده فاحش الثراء، وقد ورث عنه أموالاً كثيرةً، ليعيش متنعماً في حياته، وكان جميل الهيئة وباذخ المظهر، وقد عاش حياته متغزلاً بالنساء غزلاً صريحاً، وكان يصدر غزله عن طبع سجيةٍ دون تكلف وينظم كلامه على الأوزان المستحدثة التي استحدثها المغنون وكان مجيداً في شعره حتى اعترف له القاصي والداني بذلك.[٢]


وهو في غزله يظهر نفسه بصورة المعشوق المطلوب لا بصورة العاشق الطالب، وغزله كان صريحاً يصف مفاتن المرأة وتفاصيل جسدها من رأسها إلى أخمص قدميها، وهذا كان دأبه وديدنه والأصل في شعره، وكان يظهر أحياناً بصورة الشاعر العفيف الذي يطلب جمال المرأة الداخلي وصفاءها الروحي، ويكون بصورة الطالب العاشق. [٢]


نموذج من شعره:[٣]

مَرَّ بي سِربُ ظِباءِ

رائِحاتٍ مِن قُباءِ

زُمَراً نَحوَ المُصَلّى

مُسرِعاتٍ في خَلاءِ

فَتَعَرَّضتُ وَأَلقَي

تُ جَلابيبَ الحَياءِ

وَقَديماً كانَ عَهدي

وَفَتوني بِالنِساءِ


ويقول:[٣]

رَدَعَ الفُؤادَ تَذَكُّرُ الأَطرابِ

وَصَبا إِلَيكِ وَلاتَ حينَ تَصابي

إِن تَبذُلي لي نائِلاً يُشفى بِهِ

سَقَمُ الفُؤادِ فَقَد أَطَلتِ عَذابي

وَعَصَيتُ فيكِ أَقارِبي فَتَقَطَّعَت

بَيني وَبَينَهُمُ عُرى الأَسبابِ

وَتَرَكتِني لا بِالوِصالِ مُمَتَّعاً

مِنهُم وَلا أَسعَفتِني بِثَوابِ

فَقَعَدتُ كَالمُهريقِ فَضلَةَ مائِهِ

في حَرِّ هاجِرَةٍ لِلَمعِ سَرابِ

يُشفي بِهِ مِنهُ الصَدى فَأَماتَهُ

طَلَبُ السَرابِ وَلاتَ حينَ طِلابِ

قالَت سُعَيدَةُ وَالدُموعُ ذَوارِفٌ

مِنها عَلى الخَدَّينِ وَالجِلبابِ

لَيتَ المُغيرِيَّ الَّذي لَم أَجزِهِ

فيما أَطالَ تَصَيُّدي وَطِلابي

كانَت تَرُدُّ لَنا المُنى أَيّامَنا

إِذ لا نُلامُ عَلى هَوىً وَتَصابي

خُبِّرتُ ما قالَت فَبِتُّ كَأَنَّما

رُمِيَ الجَشا بِنَوافِذِ النُشّابِ

أَسُعَيدَ ما ماءُ الفُراتِ وَطيبُهُ

مِنّا عَلى ظَمَإٍ وَفَقدِ شَرابِ

بِأَلَذَّ مِنكِ وَإِن نَأَيتُ وَقَلَّما

تَرعى النِساءُ أَمانَةَ الغُيّابِ


الأحوص

عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم ابن ثابت، جده من الصحابة الذي استشهد في إحدى السرايا، وخال أبيه حنظلة غسيل الملائكة، وكان الأحوص يفتخر بهما، ولقب بالأحوص لحوصٍ في عينيه وهو الضيق فيهما، وسلك سبيل عمر بن أبي ربيعة في الغزل الصريح، ولم يكن ثرياً مثله، فكان يرحل إلى دمشق يمدح الخلفاء لينال العطايا، وكان فاحش الخلق فأعرضت النساء عنه.[٤]


وكان يصرح تصريحاً فاحشاً فانفض الناس من حوله، وكانت أعف قصائده في أم جعفر الأوسية وكانت تدفعه عنها، وكان يتغزل بالجواري عكس ابن أبي ربيعة الذي لم يكن يتغزل إلا بالحرائر القرشيات، وكانت أعطف النساء عليه سلامة القس، فشغف بها حباً، وقد شكاه الناس، فنفاه عمر بن عبد العزيز وعاد في خلافة يزيد، وتوفي سنة ١١٠ للهجرة. [٤]


نموذج من شعره:[٥]


تَعَرَّضُ سَلماكَ لَمّا حَرَمـ

ـتَ ضَلَّ ضَلالُكَ مِن مُحرِمِ

تُريدُ بِهِ البِرَّ يا لَيتَهُ

كَفافاً مِنَ البِرَّ وَالمَأثَمِ


ويقول:[٦]

سَلامُ ذِكرُكِ مُلصَقٌ بِلِساني

وَعَلى هَواكِ تَعُودُني أَحزانِي

مَا لِي رَأَيتُكِ في المَنامِ مُطيعَةً

وَإِذا انتَبَهتُ لَجَجتِ في العِصيانِ

أَبَداً مُحِبُّكِ مُمسِكٌ بِفؤادِهِ

يَخشى اللَجاجَةَ مِنكِ في الهِجرانِ

إِن كُنتِ عاتِبَةً فَإِنّي مُعتِبٌ

بَعدَ الإِساءةِ فَاِقبَلي إِحسانِي

لا تَقتُلي رَجُلاً يَراكِ لِما بِهِ

مِثلَ الشَرابِ لِغُلَّةِ الظَمآنِ

وَلَقَد أَقولُ لِقاطِنينَ مِنَ اهلِنا

كانا عَلى خُلُقي مِنَ الإِخوانِ

يا صَاحِبيَّ عَلى فُؤادِي جَمرَةٌ

وَبَرى الهَوى جِسمي كَما تَرَيانِ

أَمُرَقّيانِ إِلى سَلامَة أَنتُما

ما قَد لَقيتُ بِها وَتَحتَسِبانِ

لا أَستَطيعُ الصَبرَ عَنها إِنَّها

مِن مُهجَتي نَزَلَت بِكُلِّ مَكانِ


العرجي

عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان، من أهل مكة، لقب بالعرجي لأنه كان يملك قريةً قرب الطائف اسمها عرج كان ينزل بها، وقد سلك مسلك عمر بن أبي ربيعة في شعر الغزل الصريح، وخالفه في وجوه حيث كان غزله صريحاً فاحشاً أكثر من عمر، وكان يصرح كثيراً، واختلف عنه أنه كان فارساً شديداً يتغنى بفروسيته وفتوته.[٧]


نموذج من شعره:[٨]

يا دارَ عاتِكَة الَّتي بِالأَزهَرِ

أَو فَوقَهُ بِقَفا الكَثِيبِ الأَحمَرِ

لَم أَلقَ أَهلَكِ بَعدَ عامَ لَقِيتُهُم

يا لَيتَ أَنَّ لِقاءَهُم لَم يَقدُرِ

بِفِناءِ بَيتِكِ وَاِبن مُشعَبَ حاضِرٌ

في سامِرٍ عَطِرٍ وَلَيلٍ مُقمِرِ

مُستَشعِرِينَ مَلاحِفاً هَرَويَّةً

بِالزَعفَرانِ صِباغها وَالعُصفُر

باتا بِأَنعَمِ لَيلَةٍ حَتّى بَدا

صُبحٌ تَلَوَّحَ كَالأَغَرِّ الأَشقَرِ

فَتَلازَما عِندَ الفِراقِ صَبابَةً

أَخذَ الغَرِيمِ بِفَضلِ ثَوبِ المُعسِرِ


المراجع

  1. ^ أ ب شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، صفحة 2- 139- 147. بتصرّف.
  2. ^ أ ب شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، صفحة 2- 349- 351. بتصرّف.
  3. ^ أ ب عمر بن أبي ربيعة، "مر بي سرب ظباء"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 15/1/2022. بتصرّف.
  4. ^ أ ب شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، صفحة 2- 355- 366. بتصرّف.
  5. الأحوص الأنصاري، "تعرض سلماك لما حرمت"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 15/1/2022.
  6. "سلام ذكرك"، الديوان.
  7. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، صفحة 2- 357. بتصرّف.
  8. العرجي، "يا دار عاتكة التي بالأزهر"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 15/1/2022.
6620 مشاهدة
للأعلى للسفل
×