محتويات
علوم الشريعة الإسلامية
وردت كلمةُ العلم في القرآن الكريم، والسُنةِ النبويةِ في عدةٍ مواضعٍ، وجاءت مطلقة، بلا تحديدٍ أو تقييدٍ؛ فكانت بإطلاقها تشتملُ على كل العلومِ النافعةِ، والتي هدفها الخيرُ في الدارين، وفيها صلاحٌ للبشريةٍ و يُمكنُ تقسيم العلوم إلى قسمين، ومضمونهما كل العلوم التي يعرفها الإنسان، ويحتاجها في حياتِهِ، الأول هي العلوم الحياتية، والثاني هي العلوم الشرعية، وتُعرفُ العلوم الشرعية بأنها كلُ علمٍ يؤدي إلى معرفةِ الله تعالى، ويؤدي إلى معرفةِ العبادةِ على وجهِها الصحيح، ويُقصد بها كل ما تعلق بالدينِ من علوم، كعلمِ الفقهِ، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث الشريف، وعلمُ العقيدةِ، وأصول الفقه، وعلمُ الأخلاق، ويتعلقُ بالعلوم الدينية كل العلوم التي يمكنُ احتياجُها لتعلُمِ هذا الدين، كعلمِ الأدبِ، واللغةِ، وغيرها، ومن العلومِ الشرعيةِ ما هي فرضُ عين، أي يجبُ على المسلمين تعلَّمه، وتحصِّيلَه، ويأثمُ من لا يتعلمه، فتعلمه حتمي على المُسلمين، وهذا العلم ما قصده رسول الله في حديثه حيثُ قال: "طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ"[١]، [٢]
الفرق بين أصول الفقه وأصول الدين
ظهرَ تقسيم العلوم الشرعية في وقتٍ مبكرٍ عند العلماء، فكان من ضمن تقسيمهم، هو تقسيم العلوم الشرعية، إلى حكمية، ونقلية،وكل هذه العلوم أساسها هو الدليل الذي وضعه الشرع، فلا مجال للاجتهاد فيها، إلا في حالِ إلحاقِ فروع المسائل بأصولها، والأصل بدايةً؛ يُعرف في اللغةِ بأنه ما يُبنى عليه غيره،[٣] وكل ما يُثبت الحكم الشرعي في هذه الأصول هو النقل، ولإلحاق الفروع بالأصول، واستخدام هذا القياس، لا بد من ثبوت الحكم الأصلي، في النقل الصحيح وهو القرآن الكريم والسنة النبوية، فظهرت علوم كثيرة، لاستباط الأحكام وفهمها، ولدراسةِ هذا النقل وتحليله،[٤] ومن أشهر العلوم الشرعية علم الفقه وأصول الدين، فكل علمٍ منهما يبحثُ في جانبٍ معين، من جوانب الشريعةِ الإسلاميةِ، ليُسهل فهمها، ويساعد على استخراجِ الأحكام العمليةِ الميسرةِ، ولبيان المراد من أصول الفقه وأصول الدين، وبيان الفرق بينهما، لا بُد من بيان معناهما تفصيلًا على ما يأتي:[٣]
أصول الفقه
الأصل، هو ما يبنى عليه الشيء، والفقه: هو معرفة الأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية، وأصول الفقه: "هو العلم بأدلة الأحكام الشرعية، ووجوه دلالتها، إجمالا لا تفصيلاً"،وفائدةُ هذا العلم هو القدرة على استنباط واستخراج الحكم الشرعي، المبني على أسس وقواعد سليمة، وأول من جمعَ هذا العلم وتكلم فيهِ كجزءٍ مستقل هو الإمام الشافعي[٥]، فعلم أصول الفقه، هو علمٌ يبحثُ في كيفية استنباط الأحكام الشرعية، من أدلتها التفصيلية، وموضوعه هو الأدلة الشرعية، التي تتضمنُ أحكامًا، من حيث، كيفية استخراج الحكم الشرعي الفرعي من الدليل، ومبادئُ علم أصول الفقه مأخوذةٌ من اللغة العربية، وعلومٍ أُخرى، كعلمِ الكلام، والحديث، وعلم التفسير، وبعض من العلوم العقلية، فلو عُرف أصول الفقه باعتبارهِ اللغوي، فهو ما يبنى عليه غيره، وبالاصطلاح هو معرفة الحكم الشرعي العملي من أدلةِ القرآن الكريم والسنة النبويةِ، أو هو العلم الذي يبحث في أدلة الفقه بشكلٍ مجمل وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد[٦]، والخلاصةُ بأنه علمٌ قائمٌ على دراسةِ الدليل الشرعي، فهو يبحثُ في الآياتِ والأحاديث، لاستخراج الحكم العملي، الذي يحتاج إليه الناس في عباداتهم، وفي حياتِهم، ولا يبحُث في الدليل باعتباراتٍ غير هذه.[٧]
أصول الدين
يُعرفُ الأصل بأنّه ما يبنى عليه غيره، والدين هو امتثالُ أمر الله وطاعته واجتناب ما نهى عنه وتعريف أصول الدين: "هو مجموعة المبادئ العامة، والقواعد الكلية، الكبرى التي بها تتحقق طاعة الله ورسوله، والاستسلام لأمره ونهيه، وهذا المعنى لا يُراد به إلا علم العقيدة والتوحيد"[٨] وسماه أبو حنيفة بالفقه الأكبر، [٩] أطلق العلماء هذا اللفظ على علم التوحيد، وعلم العقيدة الإسلامية؛ لأن الأساس لما يبنى عليه قبول العمل وصحته، هو العقيدة، أي الاعتقاد المترسخ لدى المكلف، ولفظ الأصول يسبق العديد من العلوم، وفي هذه الحالات يُقصد به "القواعد العامة التي يتبعها أصحاب ذلك العلم في دراسته، والتي تحكم طرق البحث والاستدلال في ذلك العلم، وقد تكون هذه الأصول علما قائمًا بذاته"، ومثاله من العلوم علم أصول التفسير، وأصول الحديث، وأصول الدين، ويُطلق عليه أيضًا علم العقائد، والفقه الأكبر، وعلم الكلام، وقال أحد العلماء: "علم يقتدر به على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج عليها، ودفع الشبه عنها. وسمي أصولا، لا من حيث إنه قواعد استنباط ودراسة، بل من حيث إن الدين يبتني عليه، فإن الإيمان بالله تعالى أساس الإسلام بفروعه المختلفة.ثم ذكروا أصول الفقه فقالو: أصول الفقه: وهو علم يتعرف منه على كيفية استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية"، والخلاصة من ذلك أن علم أصول الدين، يتشابه مع علم أصول الفقه لكونِهِ أحد العلوم الشرعية، ويختلف عنه فيما يبحثُ فيه، فعلم أصول الدين يختص بعقيدة المسلم، وبما يترسخُ لديه من معتقدات تتعلق بالدين الإسلامي، وتبحثُ في التوحيد، فهو علمٌ مختصٌ بالأساس الذي يبني عليه المسلم جميع عباداته، وقد يطلق لفظ أصول الدين للدلالةِ على شيء آخر، فيقصدُ به أركان الإسلام، أو أركان الإيمان، و مجالات العقيدة، ويُقصد به أحيانًا، ما لا عذر للمسلم بجهلهِ، مما يتعلقُ بالدينِ من أحكام، كتحريمِ القتلِ مثلًا، ولا ضرر في تعددِ هذه الاصطلاحات فجميها تصبُ في نفسِ الإناء، والمهمُ من ذلك هو الامتثال لأمرِ الله تعالى، واجتناب نواهيه.
مباحث علم أصول الفقه وأصول الدين
وما يبحثُ به علم أصول الفقه الإسلامي، هو معرفة الأدلة الشرعية، ومعرفةُ أحوالها ومراتبها، من مصادرها التي تُبنى عليها القواعد الأساسية لأصول الفقه، وهي استقراء النصوص في القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، وما روي عنالصحابة والتابعين من آثار، وما أجمع عليه المجتهدين من السلف الصالح، وقواعد اللغة العربية، وما نُقل عن العرب من شواهد، والعقل السوي، والفطرة السليمة، واجتهادات العلماء، التي بُنيت على أساسٍ سليم، وضوابط شرعية،[١٠] وأما أصول الدين، فهو جاءَ ليبحث ما تكفل الدين الإسلامي بحفظه، وبيانِهِ، فيبحث في الأصول الاعتقادية، والمبادئ الخلقية، وهي ما يُنظم حياة الإنسان من تشريعاتٍ عمليةٍ، سواءً كانت لتنظيم علاقة الإنسان بنفسهِ، أو علاقةِ الإنسان بربِهِ، وبمجتمعهِ المحيط، من أُسرةٍ وغيرها، ومعرفة الحقوق والواجبات تجاههم، فأصول الدين يبحثُ في المبادئ الخلقية، والأصول العقدية، وموضوعها هو كل ما يتعلق بالعقيدة، من حيث إثباتِها، وإثبات أسماء الله وصفاتِهِ، وأفعاله، وإثباتِ نبوةِ الأنبياء، ويوم البعث واليوم الآخر، وغير ذلك، والغايةُ من هذا هو إثبات العقيدة الدينية بالدليل الصحيح القطعي، الذي لا ريبَ ولا شكَ فيه، وليكون حُجة على الناس، ودليلًا واضحًا لهم، وصون الدين وحمايتِهِ من الشبهات، وهذا هو المبحث الأساسي في علم أصول الدين، والأحكام العملية، ويُقصد بالمبادئ الخلقية، كل ما ينبغي على الإنسان أن يكون عليه من صفاتٍ طيبةٍ، من شأنها أن تنشر الوفق والفضيلة في المجتمع، كالأمانةِ والإحسان، والتسامح والعفو، وغير ذلك الكثير، من الأمورِ تعمل على نشرِ الإنسانيةِ والمثاليةِ في المجتمع، وأما علم الأخلاق، والأحكام العملية، فتبحثُ في كل ما يصدر عن الإنسان من أعمال، كالعبادات، ومنهاالصلاة والجهاد، والمعاملات كالبيوع والجنايات، والغاية من ذلك هو تنظيم شؤون المجتمع الإسلامي، في جميع المناحي التي يدعو إليها، وما تكفل ببيان هذه الأحكام والشرائع ويُفصلها هو علم الفقه.[١١]
الفرق بين قواعد الفقه وأصول الفقه
من المعلوم أن كل ما يصدر من المكلف في الشريعةِ الإسلاميةِ، من قولٍ، أو فعلٍ، سواءً كانَ من المعاملات، أوالعبادات، أو الأحوال الشخصيةِ، أو أي نوع من العقود، أو الأفعال، جميعها لها حكم شرعي، وجميع هذه الأحكام بينَها القرآن الكريم، والسنة النبوية، والأحكام التي لم تأتي فيهما بنصٍ صريحٍ، وضعت الشريعة الإسلامية دلائل وأمارات، لمساعدةِ المجتهد في الوصول إليها، ومن الأحكام الشرعية التي تتعلق بما يصدر عن الإنسان، من قول أو فعل، والمستفادة من النصوص الشرعية، أو المستنبطةِ وفق الأحكام الشرعية، في الأحكام التي لم يرد فيها دليل، نشأ علم الفقه،[١٢] فأصول الفقه، هو العلم الذي يبحث فيه عن إثبات الأدلة للأحكام، وهو ما يدل المجتهد على كيفية استباط الحكم الشرعي، من القرآن الكريم، والسنة النبوية والإجماع، والقياس، وغير ذلك من مصادر التشريع، ومثالُهُ أن يأتي الأمر ويفيد الوجوب، والنهي يفيد التحريم، والأمر يقتضي التكرار، وقال ابن تيمية: "إن أصول الفقه هي الأدلة العامة، والقواعد الفقهية عبارة عن الأحكام العامة" ومثال ذلك، الضرر يزال، وقاعدة درء المفاسد أولى من جلب المصالح، والعادة محكمة. فيمكن تطبيق الحكم العام في القاعدة، على أي جزءٍ آخرَ له علاقة بالفقه، ومثاله قاعدة، "القديم يترك على قدمه"، وطُبقت على جزئيته: "إن طريق دار زيد قديمة، فيستخرج من القاعدة العمومية أنه ما دامت طريق دار زيد قديمة يجب أن تبقى لقدمها"، وبيان الفرق بين قواعد الفقه وأصول الفقه هو ما يأتي:[١٣]
- أصول الفقه تعدُ ضابطًا وقيدًا للاستدلال الصحيح، وقاعدة أصول الفقه، تأتي بين الدليل والحكم، فهي ما يُستخرج منها الحكم من الدليل التفصيلي، وموضوع الأصول الفقهية، هي الدليل، والحُكم، والقواعد الفقهية، هي قضية أكثرية، وكلية، وجزئيات هذه القواعد، هي بعض المسائل الفقهية، وأما موضوعها فهو ما يفعله المُكلف.
- أصول الفقه هو عبارة عن قاعدة كُلية، يمكن تطبيقها على أي جُزئية وموضوع يتعلق بالقاعدة الأصولية، والقواعد الفقهية، تُعدُ أغلبية، أي أن الحكم فيها على أغلب الجزئيات، إلا المستثنيات من ذلك.
- أصول الفقه هو ذريعة للاستدلال على الحكم الشرعي العملي، وأما القواعد الفقهية، فهي مجموعة من الأحكام التي تتشابه فيما بينها، وتشترك بعلة واحدها، أو تكون مُحاطة بقيد فقهي معين، فهدفها هو تسهيل الحكم على المسائل الفقهية، وتقريبها من بعضها.
- القواعد الفقهية، متأخرة من حيث وجودها القاعدي والذهني عن الفروع، وأصول الفقه اقتضى الفرض وجودها، قبل وجود الفروع، وذلك لأنها القيد الذي وضعَ الفقيه به نفسَهُ عندَ الاستدلال، ومثالهُ هو تقديم ما في القرآن الكريم على السُنة النبويةِ، وكما أن المولود يدل على والده، فكذلك الفروع تدلُ على الأصول وتهدي إليها، وليس معنى ذلك أنّ الفروع مقدمة على الأصول، إنما تدلُ عليها.
- القواعد الفقهية وأصول الفقه تتشابهان من حيث أن كلاهما قواعد، تندرج تحتها مجموعةٌ من الجزئيات، وتختلفُ عنها في أن قواعد الأصول مجموعة من المسائل تشتملُ على أكثر من نوعٍ من الأدلةِ التفصيليةِ، ويمكن استخراج أو استنباط الأحكام التشريعية منها، وقواعد الفقه هي عبارة عن مجموعة من المسائل، تندرج تحتها الأحكام الفقية ذاتها، وهي ما يصل إليه المجتهد بناءً على الضوابط التي ذُكرت في أصول الفقه، وإذا قام الفقيه بذكرها، فيوردها بأنها أحكام جزئية وليست قواعد، وإذا ذكرها بأنها قاعدة كلية تندرج تحتها أحكام جزئية، فهي القواعد الفقهية، والقواعد الكلية، والأحكام الجزئية، كلها في مدلول الفقه على وجه الحقيقةِ، وكل منهما يبقى متوقفٌ عند المجتهد، لدراسةِ الأصول التي يبنى عليها هذا كله.
- أغلب مسائل أصول الفقه ليس من شأنها خدمة حكمة الشريعة وما جاءت به من مقاصد، بخلاف القواعد الفقهية؛ فهي ما يُسهل الطريق للوصول إلى أسرار الحكم الشرعي، والوصول للأحكام الشرعية، وتقوم على خدمة المقاصد الشرعية الخاصة والعامة.
- القواعد الفقهية هي مجموعة أحكام تشابهت فيما بينها، وتعود إلى قياسٍ واحدٍ يجمعها، أو مرتبطةٌ بضابطٍ فقهيٍ، فهي تُعدُ الثمرة للحكم الفقهي، الجُزئي، وهذه المسائل هي ما يعمل المجتهد على ربطها ببعضها، لتتشكل القاعدة الفقهية.
- فالفقه هو الحكم الشرعي، وأصول الفقه هي القواعد التي توصل الفقيه للحكم.[١٤]
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3914، حديث صحيح.
- ↑ "أصول الدين وأصول الفقه.. معناهما.. والفرق بينهما"، www.islamweb.net. بتصرّف.
- ^ أ ب "أصول الدين وأصول الفقه.. معناهما.. والفرق بينهما"، www.islamweb.net، 2020-05-25. بتصرّف.
- ↑ "النصيحة في دراسة علوم الشريعة"، www.alukah.net، 2020-05-25. بتصرّف.
- ↑ "تعريف: أصول الفقه، وأصول الحديث"، www.islamweb.net. بتصرّف.
- ↑ "أصول الدين وأصول الفقه.. معناهما.. والفرق بينهما"، www.islamweb.net. بتصرّف.
- ↑ "تعريف: أصول الفقه، وأصول الحديث"، www.islamweb.net، 2020-05-25. بتصرّف.
- ↑ "الفرع الخامس: الفقه الأكبر"، dorar.net. بتصرّف.
- ↑ "الفرع الخامس: الفقه الأكبر"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-31. بتصرّف.
- ↑ "مقدمة في أصول الفقه وتعريفاته"، www.alukah.net، 2020-05-26. بتصرّف.
- ↑ "تعريف علم أصول الدين"، www.uobabylon.edu.iq، 2020-05-26. بتصرّف.
- ↑ "علم أصول الفقه"، www.al-eman.com، 2020-05-26. بتصرّف.
- ↑ "الفرق بين قواعد الفقه وأصول الفقه"، www.alukah.net، 2020-05-26. بتصرّف.
- ↑ "الفرق بين الفقه وأصول الفقه"، www.islamweb.net، 2020-05-26. بتصرّف.