الفرق بين التدقيق اللغوي والتحرير

كتابة:
الفرق بين التدقيق اللغوي والتحرير

مفهوم التدقيق اللغوي

بالنّظر إلى مفهوم التدقيق في معجم المعاني للغة العربية فإنَّ التدقيق هو الضبط والإحكام، والتدقيق مصدر مِن الفعل دقّقَ، وفلان ٌدقَّقَ في الشيء أي أنعم النظرَ فيه ومحَّص، وفلانٌ دقَّق في كذا، أيْ درَسَه بعنايةٍ وانتباه، أمَّا التدقيق العامُّ فهو المراجعة العامة واسم الفاعل من دقَّقَ مُدقِّق[١]، أمَّا التدقيق اللغوي فهو الذي يُعني بتصحيح الأخطاء الإملائيَّة والنحويَّة والصَّرفيَّة وضبط علامات التَّرقيم في أماكنها الصَّحيحة سواء كان ذلك فيما يخصُّ النصوص المكتوبة أم المنطوقة، ولا بدَّ للمدقِّق من أن يكون مُحيطًا بقواعد اللغة العربية وأصولها، على أنَّ التدقيق اللغوي لا يُدرَّس في الجامعات كاختصاصٍ بحدِّ ذاته وإنَّما هو مهارةٌ يستطيع الطَّالب الحصول عليها سواء من خلال الممارسة أو القراءة أو اتِّباع دورات تختصُّ بهذا المجال، وبعد توضيح مفهوم التدقيق اللغوي لا بدَّ من أن يأتي المقال على مفهوم التحرير، وفيما يأتي سيكون ذلك.[٢]

مفهوم التحرير

إنَّ مفهوم التحرير بحسب علماء اللغة العربية هو الإنشاء، فيُقال فلانٌ حرَّرَ هذه الرسالة أي كتبها، وكلمة التَّحرير في أصلها مصدرٌ من الفعل حرَّر، وهذا الرَجل يُحرِّرُ كتابًا أي يُحسِّنه ويجوِّده ويقوم على إصلاحه، أمَّا مَهمة التَّحرير التي يتولَّاها شخصٌ ما في الصحيفة أو المجلة فهي التي تُعنى بالإشراف على المجلة كاملةً والإسهام في إعدادها، ويُقال امتحانٌ تحريريٌّ أي كتابيّ[٣]، أمَّا التَّحرير بمعناه الاصطلاحيِّ فهو عملية تحويل الأفكار والوقائع والأخبار والآراء وكل ما يخطر على البال من مجرّد فكرة إلى نص مكتوب واضحٍ مفهومٍ من قبل شريحة القُرَّاء العاديين، ويُعدُّ التَّحرير واحدًا من الفنون التي تُعنى بتوضيح المكتوب بأبسط الطُّرق وأسهلها،[٤] وهو واحدٌ من المراحل التي تحتاج إلى توقُّدٍ كبيرٍ في الذهن والبديهة، ودائمًا ما يهتمُّ التَّحرير بعملية تنظيم المعلومات وتصحيحها وتنسيقها بشكلٍ كامل، حيث تتضمن عملية التحرير التنظيم والتصحيح وضبط المعلومة وتتبع دقتها. وبعد أن تمَّ توضيح مفهومَي التدقيق اللغوي والتحرير لا بدَّ أن يقف المقال على الفرق بين التدقيق اللغوي التحرير، وفيما يأتي سيكون ذلك.[٥]

الفرق بين التدقيق اللغوي والتحرير

بعد أن تمَّ تعريف مفهومَيْ التدقيق اللغوي والتحرير لا بدَّ من الوقوف على مفصليَّات الفرق بين التدقيق اللغوي والتحرير، خاصَّةً أنَ هذه الفروق هي من الأمور الحساسة التي قد تُحدث العديد من المشكلات ما بين المُحرِّر والمُدقِّق، فقد يتوهَّم المُدقق أنَّ إحدى مهام التحرير هي من مسؤوليته كإعادة صياغة الجمل والتراكيب مثلًا، وهذا هو عين الخطأ إذ إنَّ ذلك يُعدُّ من مهام المحرر بلا شك؛ ولذلك ستقف هذه الفقرة على الفروقات الأساسية ما بين التدقيق اللغوي والتحرير:[٦]

  • بالعودة إلى تعريف التَّحرير يكون صلب التَّفريق بين مهام المدقق اللغوي والمُحرِّر، إذ إنَّ التحرير يُعنى بإعادة صياغة الجمل والتأكد من مطابقة تلك الجمل للمعاني المطلوبة، فمثلًا لو كان في النصِّ العبارة الآتية: "عند التطرُّق للقراءة، فإنَّ الكتابة أفضل الأمور"، فعند النَّظر إليها من قبل أيِّ شخصٍ سيتبيَّن له على الفور أنَّ هذه الجملة خالية من أي أخطاء إملائيَّة أو نحويَّة، لكنَّها جملة غير مفهومة لا يستطيع القارئ التَّوصل من خلالها إلى أيِّ من المعاني، فتكون في هذه الحالة من مهمة المُحرِّر أن يعيد صياغة تلك الجملة بما يتوافق مع سياق النَّص، وبذلك فإنَّ التحرير يكون أرفع درجةً من التَّدقيق؛ لأنَّ السَّلامة النحوية والإملائيَّة للجمل لا يكفي على الإطلاق، بل لا بدَّ من سلامةٍ لغويَّةٍ ومعنويّة للنَّص يُشرف عليها المحرِّر.
  • إنَّ التَّحرير يحتاج إلى ثقافةٍ واسعةٍ أكبر وأعم من التدقيق؛ لأنَّ التَّدقيق يُعنى بسلامة النَّص من الأخطاء الإملائيَّة والنحوية أي أنَّه ذو صلةٍ بقواعد اللغة العربية وأصولها، أمَّا التَّغيير فيستند إلى ثقافة المُحرر وخبرته التَّراكمية التي يستطيع من خلالها التَّنبؤ بالجملة الصَّحيحة، وكيفية دمجها بما لا يُخلُّ بطبيعة ومسيرة النَّص الموجود بين يديه، وبذلك فهناك قاعدة ثابت لا تتتغيَّر أنَّ كلّ محررٍ لغويٍّ هو بطبيعته مدقِّقًا لغويًّا، وليس كلِّ مدقِّقٍ لغويٍ يستطيع أن يكون محرِّرًا.
  • أمَّا الفكرة الثالثة التي تُشكِّل فرقًا أساسيًّا ما بين عملية التَّحرير والتَّدقيق اللغوي فهي الأجر المادي لكلٍّ منهما، إذ إنَّ المُدقِّق الذي تكون مهامه مناطةً بالأخطاء النحوية والإملائية وعلامات التَّرقيم لا يحتاج في تدقيق الصَّفحة الواحدة لأكثر من خمس دقائق فاكتشافه للخطأ سيكون من القراءة الأولى، أمَّا المُحرِّرُ فإنَّه سيحتاج في نفس الصَّفحة إلى ما يُقارب الخمسة عشر دقيقةً على وجه التَّقريب؛ لأنَّ دقة الفهم للنص تحتاج إلى وقتٍ أطول من تدقيقه، خاصَّة عند احتياج النَّص إلى بعض التَّعديلات في الجمل والتَّراكيب.
  • إنَّ مهمَّة التَّدقيق اللغوي لا تحتاج إلى ذلك التَّركيز الذي يتطلَّبه التَّحرير، إذ إنَّ المدقق لا يعنيه إن كان ذلك الكلام صحيحًا أم خاطئًا -من ناحية المعنى- ولا يُطلب منه ف الأصل النَّظر إلى أسلوب الكاتب ومواطن الضَّعف والقوَّة فيه، على أنَّ ذلك كلَّه يكون مطلوبًا من المحرر بكل تأكيد.
  • إنَّ صلاحيَّات المُدقِّق اللغوي أقل من صلاحيات المُحرِّر، إذ إنَّ من صلاحيَّات المُحرِّر أن يعمل على تغيير النَّص بما يتوافق مع المحتوى المطلوب، أمَّا هذه الصَّلاحيَّة فإنَّها غير متاحة للمدقق اللغوي على الإطلاق.

مهارات التدقيق اللغوي والتحرير

إنَّ اللغة هي النَّاطق عن الأفكار التي يستطيع من خلالها المرء التَّعبير عمَّا يجول في مكنوناته بطريقةٍ صحيحةٍ وبها يتقارب النَّاس بين بعضهم إذ تُعد الوسيلة الأقوى لحلِّ الخلافات وإيجاد النقاط المشتركة بين الأمم[٧]، ولا بدَّ أن تكون وسيلة الالتقاء بين الأمم سليمةً؛ وذلك من أجل الوصول إلى نتائج سليمة، ويكون ذلك عبر الانتباه إلى السلامة اللغوية واللفظية للنص، وهنا تبرز أهمية التدقيق اللغوي والتحرير وما المهارات التي يجب على المدقق والمحرر امتلاكها خاصَّةً أنَّ التحرير أعمُّ من التدقيق وبذلك فإنَّ مهارات المدقق لا بدَّ من أن يمتلكها المحرّر بشكلٍ أو بآخر، وفيما يأتي سيكون تفصيلٌ لذلك:[٨]

  • لا بدَّ من امتلاك ملكةٍ لغويَّةٍ عاليةٍ عند كلٍّ من المدقِّق والمُحرِّر؛ وذلك من أجل اقتناص الخطأ بدقةٍ وسهولةٍ بدلاً من التَّفكير فيه مدةً من الزَّمن، وبذلك قد لا يهتدي المدقق والمحرر إلى الخطأ إن كان فاقدًا لتلك الملكة.
  • لا بدَّ من امتلاك التَّركيز البصري والذهنيِّ في أثناء معالجةِ أيِّ نصٍّ، وذلك لا يعدُّ أمرًا سهلًا على الإطلاق فقد يُقدم القارئ العادي على قراءة النَّص دون الانتباه إلى وجود الأخطاء فيه كتبديل الحروف بين بعضها في الكلمة الواحدة مثلًا، فالكثيرون مثلًا ما زالوا يقرؤون كتاب "زاد المستقنع" بلفظ "زاد المستنقع" دون الانتباه إلى ذلك الخطأ الخطير.
  • لا بدَّ من بديهةٍ عاليةٍ يتمتَّع بها كلٌّ من المدقِّق والمحرر، وذلك من أجل القدرة على استبدال الصحيح المناسب بالخطأ، سواء كان ذلك في الأخطاء النحوية والإملائيَّة، أو أخطاء استعمال المفردات في غير مواضعها.
  • لا بدَّ من حيازة كلٍّ منهما على ثقافةٍ عامَّةٍ تُمكنهم من فهم ما يتمُّ قراءاته سواء كان ذلك من أسماء المشاهير أو التواريخ المعروفة أو التفريق بين الأحاديث النبوية والآيات القرآنية.
  • إنَّ الاستمرار بالقراءة من شأنه تقوية ملكة التقاط الخطأ، ويجعل المدقق والمحرر على اطلاعٍ تامٍّ بكلِّ ما هو جديد.
  • إنَّ الثقة هي المفاح الأساسي الذي يجب على كلٍّ منهما امتلاكه، فالخطأ أمرٌ واردٌ لا ريب فيه، وكلُّ عملٍ معرَّضٌ للأخطاء شأنه شأن القائم بالعمل، وهذا ما يجب تقبُّله دون أن يجعل المدقق أو المحرر من نفسه رهينةً للوساوس والمخاوف.

أهمية التدقيق اللغوي والتحرير

بعد الوقوف على مراحل التدقيق اللغوي والتَّحرير وتَبيان مهارات كلٍّ منهما، لا بدَّ لهذا المقال أن يقف على الفائدة الحقيقيّة من التدقيق اللغوي والتحرير، وما الذي يطرأ على النَّص في حال تعرَّض للمعالجة من قبل المُختصِّين بالتَّدقيق والتَّحرير، و فيما يأتي سيكون ذلك:[٩]

  • إنَّ الفائدة الحقيقية تعود على صاحب العمل الذي يضمن بالتدقيق والتحرير نصًّا جاهزًا خاليًا بنسبةٍ كبيرةٍ من الأخطاء النَّحوية والإملائيَّة أو الأسلوبيَّة أو اللفظيَّة.
  • إنَّ الخطأ النَّحوي او الإملائيَّ بشكلٍ خاصٍّ يُعرِّض الكاتب لحرجٍ كبيرٍ في حال اكتشاف النَّاس لذلك الخطأ وتقديمه له؛ لذلك فإنَّ عمليتا التحرير والتَّدقيق يُجنِّبان الكاتب تلك المواقف.
  • إنَّ التدقيق اللغوي والتَّحرير باتا من أهمِّ المهن في هذا العصر، وبذلك فقد توفَّر العديد من فرص العمل الجيدة لجيل الشباب الناشئ.
  • عند اطَّلاع الكاتب على أخطائه في المرَّة الأولى فإنَّ ذلك يعني بالضرورة تجنُّبه لتلك الأخطاء في المرَّات القادمة.
  • إنَّ تجنُّب الأخطاء من قبل الكاتب يُؤدي إلى إخراج نصٍّ أكثر متانةً في المرّات القادمة، مما يعني نهوضًا عامًّا باللغة العربية بين النَّاس.
  • إنَّ خلوَّ النَّص من الأخطاء وتنسيقه بشكلٍ جيِّدٍ يُؤدِّي إلى ظهور العمل بأفضل صورةٍ ممكنة، وهذا مما يترك أثرًا إيجابيًّا في الفئة المتلقية لذلك العمل.

المراجع

  1. "تدقيق"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
  2. "تدقيق لغوي"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
  3. "تحرير"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
  4. "فن التحرير الصحفي (مفهومه وأهدافه)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
  5. "تحرير"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
  6. عماد نبيل كتوت، المرتقى للمدقق اللغوي (الطبعة 1)، صفحة 51، جزء 1. بتصرّف.
  7. "اللغة العربية ومكانتها بين اللغات"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
  8. محمد الأمين محمد المختار، [http:// التدقيق اللغوي ودوره في الحفاظ على اللغة العربية] (الطبعة 1)، صفحة 15، جزء 1. بتصرّف.
  9. "ما هو التدقيق اللغوي وما هي صفات المدقق الناجح وما هي فوائد التدقيق اللغوي"، www.mobt3ath.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
22488 مشاهدة
للأعلى للسفل
×