أسباب صلاح القلب
في الحديث حول الفرق بين الخوف والخشية، فعند ذلك يحسن إيراد حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "االحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَهُ، ألَا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألَا إنَّ حِمَى اللَّهِ في أرْضِهِ مَحَارِمُهُ، ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ"[١]وهذا الحديث العظيم أحد الأحاديث التي يقوم عليها الدين، كما صرّح بذلك بعض العلماء ، حتى قال بعضهم: إنه ثلث الإسلام:، قال الحافظ العلامة ابن رجب -رحمه الله تعالى-: "فالقلب ملك الجوارح وسلطانها، والجوارح جنوده ورعيّته المطيعة له، المنقادة لأوامره، فإذا صلح الملك صلحت رعاياه"، ولا أفضل سبب لصلاح القلب هو التوحيد الخالص فهو أصل دواءها، فعلى المسلم أن يحرص على تعلّم التوحيد.[٢]
الفرق بين الخوف والخشية
الفرق بين الخوف والخشية، أن يُقال: أنّ الخوف والخشية لفظان متقاربان في المعنى عمومًا لا ترادف بينهما، قال العلّامة ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين: "الخوف: هو اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف، والخشية: خوف مقرون بمعرفة، ولذلك وصف الله تعالى العلماء بالخشية، فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}[٣]، وذلك لأنهم إذا خافوا ربهم سكنوا إليه، فكان الخوف هروبًا من المخوف، والخشية هي السكون بعده"، وقيل أنّ الخشية هي: خوف يشوبه تعظيم بما يصحبه من العلم، قال الله -سبحانه و تعالى-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}[٣]، وهي أيضًا: تألّم القلب بسبب توقع مكروه في المستقبل، وذلك إمّا بكثرة الجناية من العبد وظلمه لنفسه، وتارة بمعرفة جلال الله وعظمته وهيبته، وعلى ذلك كان الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ولفظ الخشية ورد في القرآن الكريم في نحو ثلاث وعشرين موضعًا، جاء أكثرها بصيغة الفعل، كما في قوله تعالى: {فَقولا لَهُ قَولًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَو يَخشى }[٤]،وبعضها جاء بصيغة الإسم كقوله تعالى: { وَلا تَقتُلوا أَولادَكُم خَشيَةَ إِملاقٍ}،[٥] وهي: حالة تحصل للعبد المؤمن عند شعوره بعظمة الخالق -جل جلاله- وهيبته، وخوف البعد و الحجب عنه.
أمَّا لفظ الخوف: توقع مكروه عن علامة معلومة أو مظنونة، كما أنّ الطمع و الرجاء: توقع محبوب عن علامة معلومة أو مظنونة، وضد الخوف الأمن. وهذا اللفظ يستعمل في الأمورالدينية والدنيوية، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {وَيَرجونَ رَحمَتَهُ وَيَخافونَ عَذابَهُ}[٦]، وقد يعرّف الخوف بأنّه: سوط الله يُقَوِّم به الشاردين من بابه، ويسير بهم إلى صراطه المستقيم، حتى يستقيم به أمر من كان مغلوبًا على رشده، ومن علامة الخوف من الله: قصر الأمل في الحياة الدنيا والزهد فيها وطول البكاء والخوف من الله حقيقته: الكفّ عن الذنوب والمعاصي واختيار الطاعات؛ ولذلك قال بعض العلماء: "لا يعد خائفًا من لم يكن للذنوب تاركًا" ولا يراد بالخوف من الله ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الأسد، والتخويف من الله -سبحانه وتعالى-: هو الحثّ على التحرز، كما في قوله تعالى: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّـهُ بِهِ عِبَادَهُ}[٧]ولفظ "الخوف"، وقد جاء لفظ الخوف في القرآن في نحو خمسة وستين موضعًا، بعضها جاء بصيغة الاسم، كقوله -سبحانه وتعالى-: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ}[٨]، وجاء بعضها الآخر بصيغة الفعل، كما في قوله تعالى: {لِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ}.[٩]،[١٠]
الخوف من الله وأثره في استقامة الفرد والمجتمع
بعد الإنتهاء من مبحث الفرق بين الخوف والخشية، سيتم بيان ما للخوف من الله من أثر في إستقامة الفرد والمجتمع، لكن قبل ذلك سيتم بيان الأهمية والفوائد التي يجنيها المؤمن في عبادته لربه خوفًا منه ما يجعل العبد ينكفّ عن الذنوب والمعاصي، فمن هذه الآثار والثمار:[١١]
- أن الخوف من الله -سبحانه وتعالى- شرط لصحة الإيمان بالله، فقد قال الله -سبحانه وتعالى-: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}[١٢]، قال العلّامة ابن القيم - رحمه الله -: والمقصود أن الخوف من لوزام الإيمان وموجباته فلا يختلف عنه.
- من فوائد الخوف من الله وآثاره الحميدة، أنّ الجنة مأوى الخائفين من الله -سبحانه وتعالى- يقول سبحانه:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[١٣]، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "إلى خاف القيام بين يدي الله عز وجل وخاف حكم الله فيه ونهى نفسه عن هواها إلي طاعة مولاه {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} أي: متقلبة ومصيره ومرجعه إلى الجنة الفيحاء".
- أنّ الذي يحقق الخوف من الله، يكون في ظل عرش الرحمن، يكون في ظل عرش الرحمن:قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"[١٤]
- الأمان من عذاب الله عن ابن عباس -رضي الله عنهما- " قال سمعت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَينانِ لا تمسُّهما النَّارُ: عينٌ بَكَت من خشيةِ اللَّهِ، وعَينٌ باتت تحرُسُ في سبيلِ اللَّهِ" [١٥]، قال الطيبي -رحمه الله-: "قوله عين بكت... كناية عن العالم العابد المجاهد مع نفسه لقوله تعالى{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [٣]، حيث حصر الخشية فيهم غير متجاوزة عنهم فحملت النسبة بين العينين عين مجاهدة مع النفس والشيطان وعين مجاهدة مع الكفار والخوف والخشية.
- أنّ الله -سبحانه وتعالى- لا يبقي في النار أحد ممن خافه في يوم من الأيام، وفي الحديث تفصيل عن الفرق بين الخوف والخشية.
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 52، حديث صحيح.
- ↑ "صلاح العبد بصلاح القلب"، www.islamweb.net، 16-4-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت سورة فاطر، آية: 28.
- ↑ سورة طه، آية: 44.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 31.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 57.
- ↑ سورة الزمر، آية: 16.
- ↑ سورة البقرة، آية: 38.
- ↑ سورة المائدة، آية: 94.
- ↑ "ألفاظ (الخوف) في القرآن"، www.islamweb.net، 16-4-2020. بتصرّف.
- ↑ "الخوف من الله وأثره في استقامة الفرد والمجتمع"، www.alukah.net، 16-4-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 44.
- ↑ سورة النازعات، آية: 40،41.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 660، حديث صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1639 ، حديث صحيح.