محتويات
نظرية الفسخ
استقر العمل في القانون على قاعدة عامة مفادها أن العقد شريعة المتعاقدين، وعليه متى ما اتجهت إرادة شخصين على إبرام عقد ما بينهما، ومن ثم أصبح هذا العقد نافذًا ساري المفعول، لن يستطيع أحد الطرفين فسخ العقد أو نقله أو إنهاءه إلا باتفاق الطرفين، ووفقًا لما نص عليه القانون، ولكن في ذات الوقت أجاز القانون للقاضي بناءً على طلب أحد طرفي العقد فسخه وإنهاؤه، إذا ما أخل الطرف الآخر بالتزاماته، كما وأجاز القانون لطرفي العقد الاتفاق على فسخ العقد إذا ما أخل أحد الطرفين بالتزاماته بموجب العقد المبرم، أو إذا استحال تنفيذ الالتزام لسبب أجنبي خارج عن إرادة الطرف الذي أخل بالتزامه بموجب العقد، وعليه ينشأ ما يُعرف في القانون بالفسخ.[١]
مفهوم الفسخ القضائي
يُعدّ فسخ العقد بمثابة الجزاء القانوني الذي يرتبه القانون على أحد أطراف العقد إذا ما أخل بتنفيذ إلتزاماته التي يفرضها عليه العقد مع بقاء الطرف الآخر في العقد على استعداد تام لتنفيذ التزاماته المنصوص عليها في ذات العقد، وبهذا فإن الفسخ ينهي الرابطة العقدية التي ارتبط بها طرفي العقد القانوني، والفسخ في اللغة هو النقض، في حين أنّه في القانون إنهاء للرابطة العقدية بجميع آثارها السابقة والحالية والمستقبلية، مع ملاحظة أن القانون أعطى الحق للطرف المتضرر من فسخ العقد القدرة على اللجوء للمطالبة بالتعويض المناسب عن الأضرار التي لحقت به جراء هذا التصرف، كما لو امتنع المستأجر عن دفع الأجرة في عقد الإيجار، ففي هذه الحالة يعطي القانون الحق للمؤجر في طلب فسخ العقد لعدم وفاء الطرف الأول بالتزاماته الواردة في العقد.[٢]
ويرى البعض أن فكرة الفسخ تعود بالأصل إلى وجود شرط ضمني بين أطراف العقد، مفاده أن عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عن العقد يؤدي إلى إنتفاء الغاية من إبرامه والبعض الآخر يرى أن فكرة الفسخ تعود إلى السبب إذ يرون أن عدم وفاء أحد المتعاقدين بالتزامه ينهي الغاية أو السبب من العقد.[٢] والقانون بعطي الحق في العقود الملزمة للجانبين في حالة امتناع أحد الأطراف من الوفاء بالتزاماته، فإنّ للطرف الآخر المطالبة بالتنفيذ العيني أو المطالبة بالتنفيذ عن طريق التعويض، أو فسخ العقد، وللمحكمة في هذه الحالة سلطة تقديرية واسعة بالحكم بالفسخ إذا ما اقتنعت بوجود ما يبرره.[٣]
والفسخ كواقعة مادية لا يمكن تصورها إلا في العقود الملزمة لجانبين، إذ لا يتصور أن يكون هنالك فسخ في العقود الملزمة لجانب واحد مثل عقود الوديعة ولكي يحدث الفسخ لا بُدّ أن يمتنع أحد الأطراف عن تنفيذ الالتزامات المترتبة عليه بموجب العقد، ويستوي في ذلك سواء كان عدم الوفاء بتنفيذ التزامه كليًا أو جزئيًا مع بقاء الطرف الآخر على استعداد تام للقيام بالتزاماته التي يفرضها عليه العقد، كما وله القدرة على إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التعاقد والبعض يشترط للفسخ أن يكون عدم التنفيذ ناتجًا عن خطأ المدين ومنهاالقانون المدني المصري والسوري، وعليه إذا كان عدم التنفيذ يعود لسبب أجنبي لا دخل للمدين فيه فلا يجوز للطرف الآخر المطالبة بفسخ العقد، كما ويجب أن يُعذر المدين حيث لا يجوز للدائن في العقود الملزمة للجانبين المطالبة بفسخ العقد بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزاماته إلا بعد أن يقوم بإعذاره.[٤]
مفهوم الفسخ والرضائي
هو اتفاق الأطراف المتعاقدة على فسخ العقد إتفاقيًا حيث يتم برضا المتعاقدين وباتفاقهم، ويتم اللجوء لهذا النوع إذا ما أخل أحد أطراف العقد بتنفيذ التزاماته مباشرة، ودون الحاجة إلى الأعذار أو اللجوء إلى المحكمة لاستصدار حكم قضائي بذلك، كما ويتحقق الفسخ الرضائي بمجرد توافر شروطه التي جرى الاتفاق عليها بين المتعاقدين، وعدم تنفيذ الالتزام المفروض بموجب العقد المبرم يكون لسبب أجنبي خارج عن إرادة ذلك المتعاقد الذي أخل بالتزامه، وعليه فالفسخ هنا يقع بقوة القانون بمجرد عدم الوفاء بما نص عليه العقد من شروط معينة، حيث وبموجب الشرط الفاسخ سوف يكون العقد قابلًا للفسخ بمجرد الإخلال بالتنفيذ، وعليه سوف لن يملك قاضي المحكمة في هذه الدعوى سلطة الحكم بغير ما جاء في الشرط الفاسخ، فيكون حكم المحكمة كاشفًا للفسخ وليس منشئًا له، والبعض يضيف نوعًا أخرًا من الفسخ هو ذلك الفسخ الذي يحدث بحكم القانون وبإرادة الدائن المنفردة، وهو فسخ يقرر بموجب نص القانون ويعد استثناءً من النوعين السابقين، حيث ينص القانون في بعض الأحيان على فسخ بعض العقود القانونية ذات الطبيعة الخاصة مثل عقود بيع العروض والمنقولات، إذ غالبًا ما تتقلب أسعارها وغالبًا ما تكون عرضة للتلف بمرور الزمن، أو فيعقود العمل حيث يجيز القانون لرب العمل فسخ العقد وفصل العامل الذي يرتكب خطأ جسيمًا دون الحاجة إلى اللجوء إلى المحكمة.[٥]
الفرق بين الفسخ القضائي والفسخ والرضائي
تشابه كل من الفسخ القضائي والفسخ الرضائي من حيث أنّ كلاهما سبب من أسباب زوال العقد وانحلال الرابطة العقدية بأثر رجعي وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التعاقد, ولكن هنالك العديد من الاختلافات والفروق بينهما وهي:[٦]
- سبب الوجوب: الفسخ القضائي يكون بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزاماته بخطأ منه وعليه إذا ما ألحق ضرر بالطرف الأخر وجب عليه التعويض لإصلاح ذلك الضرر الحاصل، وهنا يكون التعويض على أساس المسؤولية التقصيرية، في حين أن الفسخ الرضائي يتم فسخ العقد بحكم القانون يكون بسبب عدم تنفيذ المدين لإلتزاماته بسبب أجنبي خارج عن إرادته فلا مجال للحكم بالتعويض في هذه الحالة.
- الإعذار: الفسخ القضائي يكون الإعذار فيه واجبًا، إذ على الدائن إعذار المدين وطلب تنفيذ الالتزام قبل المطالبة بالفسخ في حين أنه في حالة الفسخ الرضائي الذي يكون بحكم القانون فلا جدوى فيه من توجيه الإعذار بسبب أن تنفيذ الالتزام في هذه الحالة أصبح مستحيلًا.
- سلطة القاضي: الفسخ القضائي لإنّ لقاضي المحكمة سلطة تقديرية في حالة الفسخ بالحكم به أو بعدمه، وهو بالتالي حكم منشئ للفسخ وليس كاشفًا، في حين في حالة الفسخ الرضائي ليس للقاضي أية سلطة تقديرية، فإذا ما رفع إليه ليس له إلا الحكم بفسخ العقد لاستحالة التنفيذ وهنا حكم المحكمة كاشفًا وليس منشئًا له.
المراجع
- ↑ عبد الرزاق السنهوري، لوسيط في شرح القانون المدني الجزء الاول مصادر الالتزام، صفحة 569. بتصرّف.
- ^ أ ب مصطفى الزلمي (2004)، نظرية الالتزام برد غير المستحق (الطبعة 1)، صفحة 135. بتصرّف.
- ↑ حسن الذنون، النظرية العامة للالتزامات ، مصادر الالتزام، صفحة 230. بتصرّف.
- ↑ عبد المنعم فرج (1992)، مصادر الالتزام، صفحة 163. بتصرّف.
- ↑ أنور سلطان (2005)، النظرية العامة للالتزام (أحكام الالتزام)، صفحة 415. بتصرّف.
- ↑ .أنور سلطان، النظرية العامة للالتزام (أحكام الالتزام)، صفحة 429. بتصرّف.