القضايا المطروحة في المقامة

كتابة:
القضايا المطروحة في المقامة


القضايا المطروحة في المقامة

المقامة؛ هي فن من فنون الأدب العربي، ظهرت في العصر العباسي، والغرض من ظهورها كان تصوير حالة الأدباء وإظهار البراعة والابتكار، فعُرفت في بلاغتها، فهي شبيهة بالقص الأدبي، وتتكون من راوٍ وبطل، ويُعرف أنّ مبتكر هذا الفن هو بديع الزمان الهمذاني،[١] وأهم القضايا التي طرحتها المقامة فيما يأتي:


الكدية

إنّ الكدية تعني التسول والاستجداء وسؤال الناس، فهي حرفة السائل المُلّح،[٢] وعن ارتباط أدب الكدية بالمقامات في أنّ المقامة كانت مسرحًا يُصوّر تمرد المكدين، إذ أُنشئت أغلب المقامات في وصف ظاهر التسول، يقول الثعالبي: "إنّ المقامات كانت جلّها في الكدية"، فمثلًا جعل بديع الزمان الهمذاني بطلًا لكل مقاماته وعيسى بن هشام الراوي، وقد كان للإسكندري صبغة مختلفة في كل مقامة من المقامات.


لذلك ضرب أبو الفتح الإسكندري على عواطف الناس ومشاعرهم، ففي المقامة القريضية كان رجلًا يستأجر صبيةً يزعم أنّهم أولاده ويُعانون من شدة الجوع، ولهذا جعل الهمذاني أبا الفتح الإسكندري ينشد شعرًا في التسول والكدية طالبًا الإحسان، إذ يقول:[٣]

يا قَوْمُ قَدْ أَثْقَلَ دَيْنِي ظَهْـرِي

وَطَالَبَتْنِي طَلَّتِي بالمَـهْـرِ

أَصْبَحْتُ مِنْ بَعْدُ غِنىً وَوَفْرِ

سَاكِنَ قَفْرٍ وَحَلِيفَ فَـقْـرٍ

يا قَوْمُ هَلْ بَيْنَكُمُ مِـنْ حُـرِّ

يُعِيُننِي على صُرُوفِ الدَّهْرِ

يا قَوْمُ قَدْ عِيلَ لِفَقْري صَبْرِي

وَانْكَشَفَتْ عنِّي ذُيُولُ السِّتْرِ


التعليم

إنّ الهدف من المقامات هو التعليم وتربية الناشئة على صيغ التعبير، إذ يُقال: "أريد بها التعليم من أول الأمر، ولعل من أجل ذلك سماها بديع الزمان مقامة، ولم يُسميها قصة أو حكاية، فهي ليست أكثر من حديث قصير"، وبالتالي وبحسب رأي الدكتور شوقي ضيف، فإنّ كل شيء في المقامات يُمكن تحليله وتفسيره بناءً على طبيعة الغاية التعليمية المزعومة.[٤]


السخرية

إنّ السخرية اتخذت في أدب المقامات أكثر من شكل، إذ كان الهدف منها ما يأتي:[٥]


الفكاهة

إنّ الفكاهة من الأساليب التي وُظفت في المقامات، والهدف منها نقد سلوك معين، وذلك عبر تصوير شخصية تقوم بأدوار محددة في قصص بعض المقامات، ويظهر ذلك عن الهمذاني بوضوح، فهدفه من ذلك هو تقييم السلوك ودعوة أفراد المجتمع للقيام بسلوك مناقض لما هو مطروح، مثل: احتيال عيسى بن هشام على رجل يُسمى أبا عبيد في المقامة البغدادية.[٥]


جاء في المقامة البغداذية: "اشْتَهَيْتُ الأَزَاذَ، وأَنَا بِبَغْدَاذَ، وَلَيِسَ مَعْي عَقْدٌ عَلى نَقْدٍ، فَخَرْجْتُ أَنْتَهِزُ مَحَالَّهُ حَتَّى أَحَلَّنِي الكَرْخَ، فَإِذَا أَنَا بِسَوادِيٍّ يَسُوقُ بِالجَهْدِ حِمِارَهُ، وَيَطَرِّفُ بِالعَقْدِ إِزَارَهُ، فَقُلْتُ: ظَفِرْنَا وَاللهِ بِصَيْدٍ، وَحَيَّاكَ اللهُ أَبَا زَيْدٍ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ وَأَيْنَ نَزَلْتَ؟ وَمَتَى وَافَيْتَ؟ وَهَلُمَّ إِلَى البَيْتِ، فَقَالَ السَّوادِيُّ: لَسْتُ بِأَبِي زَيْدٍ، وَلَكِنِّي أَبْو عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَعَنَ اللهُ الشَّيطَانَ، وَأَبْعَدَ النِّسْيانَ، أَنْسَانِيكَ طُولُ العَهْدِ، وَاتْصَالُ البُعْدِ، فَكَيْفَ حَالُ أَبِيكَ؟....".[٦]


التهكم

لجأ مؤلفو المقامات وعلى رأسهم الهمذاني إلى أسلوب التهكم بهدف السخرية من الأوضاع الاجتماعية التي وصل إليها الناس، وذلك للتعبير عن الواقع بطريقة غير مباشرة بشكل ساخر ولاذع، فمثلًا في المقامة الأزادية صوّر الهمذاني شخصية الإسكندري الذي يُمثل شخصية المكدي حينما يطلب المساعدة متلثمًا من الناس بهدف استعطافهم بناءً على الحالة المزرية التي وصل لها.[٥]

المراجع

  1. الدکتورة مهين حاجي زاده، المقامة في الأدب العربي والآداب العالمية، صفحة 19-20. بتصرّف.
  2. رابح بودية، أدب الكدية في العصر العباسي، صفحة 166-167. بتصرّف.
  3. رابح بودية، أدب الكدية في العصر العباسي، صفحة 181-183. بتصرّف.
  4. نادر كاظم، المقامات والتلقي، صفحة 235. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت راضية لرقم، الأنساق المضمرة للسخرية ودلالاتها في مقامات بديع الزمان الهمذاني، صفحة 484-487. بتصرّف.
  6. بديع الزمان الهمذاني، كتاب مقامات بديع الزمان الهمذاني، صفحة 66.
3841 مشاهدة
للأعلى للسفل
×