محتويات
ابن قتيبة
أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري 213 هـ-276هـ، أديب فقيه محدث مؤرّخ عربيّ من العصر العباسي له العديدُ من المؤلفات منها: عيون الأخبار، أدب الكاتب، الشعر والشعراء [١]، وابن قتيبة ناقدٌ ذو أهميّة كبيرة في الدراسات الأدبية، وعالم واسع المعرفة والاطلاع، لم يترك لونًا من ألوان الثقافة العربيّة إلّا تناول منه جانبًا وأحسَنَ فيه، واطلع على الثقافة الأجنبية التي عرفت في عصره المتمثلة بالثقافتين اليونانية والفارسية. [٢]
كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة
منذ كينونة الوجود العربي إلى هذا العصر، فإنّ التراث العربي تراثٌ ممتد إلى فترة طويلة من الزمن، فعند النظر إلى العصور العربية السابقة يُلاحَظ أنّ لكلّ عصر سمته الخاصة به، وأنّ كل التراث العربي الموجود قبل العصر العباسي هو تراث محفوظ ومنقول من جيل إلى جيل دون تدوين، حتى جاء العصر العباسي الذي قام بحفظ هذا التراث العربي الإسلامي على مر العصور، عن طريق التدوين واهتمام العلماء باللغة وبالشعراء، وكل ذلك أسهم إسهامًا كبيرًا في حفظ التراث الذي يعدّ تاريخًا يُعتَزّ به، قبل أن يكون مادة معرفية تُدرَس. [٣]
وسيتم الحديث في هذه المقالة عن الشعر والشعراء لابن قتيبة، وهو من أهم كتب التراث الشعري الذي كتب في العصر العباسي؛ إذ يختص هذا الكتاب بالترجمة عن الشعراء المشهورين في الفترة الممتدّة ما بين العصر الجاهلي إلى العصر العباسي ويضاف إلى ذلك مقدمته النقدية المهمّة التي تحدث فيها ابن قتيبة عن قضايا نقدية متعددة، والناظر في كتاب الشعر والشعراء سيجد أنّه قائم على قسمين[٣]، هما: [٤]
- القسم الأول: مقدمة طويلة في الشعر والشعراء، وهي ذات قيمة أدبية ونقدية كبيرة، ذكر فيها أقسام الشعر، ولغته ومعانيه وألفاظه وعيوبه، موشحًا ذلك بآراء نقدية مهمة، وتحدث في نهاية المقدمة عن أوائل الشعراء.
- القسم الثاني: تراجم الشعراء ، بدأها بترجمة امرئ القيس وختمها بترجمة أشجع السلمي، وعدد الشعراء الذين ترجم لهم مائتَيْن وستّة شعراء، ويمكن ملاحظة أنه لم يقتصر في كتابه على تراجم شعراء عصره فقط، إنّما ضمنه الشعراء الجاهليين والإسلاميين والأمويين أيضًا.
القضايا النقدية في كتاب الشعر والشعراء
ابن قتيبة علَمٌ بارزٌ في التاريخ الأدبيّ النقديّ، وحاله حال كثير من النقاد القدماء، تحدّث حول أبرز القضايا التي شاعت في عصرِهم، ومنها لغة الشعر وقضية اللفظ والمعنى والمتكلّف والمطبوع والقديم والحديث من الشعر والسرقات الشعريّة، وفيما يأتي بيانُ ذلك:
الموضوعية في الأحكام النقدية
بيّن ابن قتيبة أنّ أحكامه النقدية في كتاب الشعر والشعراء إنما تعود إلى الشعر نفسه، بصرف النظر عن مبدعه، وما يتصل به من أحوال وشؤون، ولذلك فإنّه يحدد مقياسًا نقديًّا هو الحُسن والجوْدة في الشعر، وبذلك يكون قد استبعد قضية الزمن الذي عاش فيه الشاعر، والطبقة الاجتماعية للشاعر، وهذا جعل أحكامه موضوعية في النقد، فقد اتخذ موقفًا واضحًا هو الاهتمام بالشعر دون النظر لبعض القضايا المحيطة بالشاعر نفسه، حتى أنّه رفض ما قام به علماء عصره من رفضهم لبعض الشعراء في كتبهم لسبب لا يتعلق بجودة الشعر، وهو الزمن الذي ينتمي إليه الشاعر هل هو في عصر الاحتجاج النحوي أم خارج هذا العصر، بينما كان ابن قتيبة لا يهتم بقضية الزمن، وكان مناصرًا لشعراء عصره من المجيدين في الشعر، فنظر نظرة العدل بين الشعراء، ولم يتأثّر بغيره من الكتّاب. [٥]
اختلاف شعر الشاعر
يربط ابن قتيبة اختلاف شعر الشاعر بعامل الزمان وتبدل الحال، ممّا يؤثّر في قابلية النظم وملكة الإبداع، وذكر ابن قتيبة قول الفرزدق: "أنا أشعر تميم وربما أتت عليّ ساعة ونزع ضرس أسهل عليّ من قول بيت". وبهذا القول وضح ابن قتيبة أن أمر الإبداع الشعري لا يكون في كل الأوقات والظروف بل إنه يأتي الشاعر في أوقات محددة منها: أول الليل، في صدر النهار قبل الغداء أو الخلوة في الحبس، ويعده ابن قتيبة هذه الأمور سببًا في اختلاف شعر الشاعر أو رسائل الكتّاب، ولذلك يجد أنه من الطبيعي أن يتعذر على الشاعر أو الناثر القول، دون معرفة سبب مقنع لذلك. [٦]
قضية الطبع والتكلف
تحدّث ابن قتيبة عن هذه القضية في مقدمة الشعر والشعراء، ووجد التكلف ظاهر في الشعر، يكتشفه أهل العلم والخبرة، حتى وإن كان الشعر جيدًا، فهم قادرون على أن يتبينوا العناء الذي تكبده الشاعر في كتابة أبياته الشعرية، بالإضافة إلى كثرة الضرورات، وزيادة في المعنى، وقد عدّ ابن قتيبة عبيد الشعر من هذه الفئة، أما الشعر المطبوع فالشاعر فيه مقتدر على القوافي، ويشعر السامع له أنه شعر فيه رونق الطبع، ولم ينسَ ابن قتيبة الإشارة إلى أن الشعراء يختلفون في الطبع فمنهم من يسهل عليه المديح ويعسر عليه الهجاء، ومنهم من يسهل عليه نظم الشعر في المراثي ولا يستطيع نظم الشعر في الغزل. [٧]
قضية أقسام القصيدة عند أهل الأدب
لاحظ ابن قتيبة أنّ ثمّة نهجًا واحدًا اتبعه معظم الشعراء القدامى في تسلسل موضوعات القصيدة، وأشار إلى أنّه سمع ذلك من أهل الأدب، فالشاعر أو مقصد القصيد -كما قال ابن قتيبة - يبدأ القصيدة بذكر الديار والدمن والآثار، ويقصد بذلك الوقوف على الأطلال؛ ليذكر أهلها الراحلين عنها، ثم يصل ذلك بالنسيب أي الغزل ويشكو الشوق وألم الفراق ليستميل قلب السامع، ثم يذكر الرحلة وصعوباتها من حر الهجير، وتعب الرحلة، ثم ينهي قصيدته بالمديح للسامع حتى يحثه على مكافأته، ونيل العطايا منه. [٨]
قضية اللفظ والمعنى
وهي من القضايا المهمّة التي تتطرق إليها ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء، وهو يعبر عن رأي نقدي في موضوع يتعلق بجودة الشعر أو رداءته، وقد قسمه إلى أربعة أضرب، والناظر في أمثلة ابن قتيبة وتعليقه عليها سيجد أنّه يعطي خصائص للفظة الجيدة مثل: جودة المخرج وسهولته، تجنب تكرار اللفظة، الفصاحة وقوة الإبانة عن المعاني، أمّا المعنى فقد اهتم بالإصابة والجدَّة فيه، بحيث يكون الشاعر قادرًا على التصوير بدقة لوصول القصد للمتلقي، والجدّة في ابتكار المعنى الذي لم يُسبق إليه، فيبتدع الشاعر معنى جديدًا، ويجب أن يكون المعنى مفيدًا[٩]، وفيما يأتي ذكر لهذه الأضرب مع ذكر مثال من أمثلة ابن قتيبة عليها:
يغْضِى حَيَاءً ويُغْضَى مِنْ مَهَابَته
- فَما يُكلَّمُ إلَّا حِينَ يَبْتَسِمُ
- ضرب ما حسن لفظه دون معناه، مثل: [١١]
ولمّا قضينا من منى كلَّ حاجة
- ومسّح بالأركان من هو ماسحُ
وشدّت على حدب المهارى رحالنا
- ولا ينظر الغادي الذي هو رائحُ
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا
- وسالت بأعناق المطيّ الأباطحُ
- ضرب جاد معناه دون لفظه، مثل قول لبيد بن ربيعة: [١٢]
ما عَاتَبَ المَرْءَ الْكَريمَ كَنَفْسِهِ
- والمَرْءُ يُصْلِحُهُ الجَلِيسُ الصَّالِحُ
- ضرب ساء لفظه ومعناه، كقول الفرزدق: [١٢]
والشَّيْبُ يَنْهَضُ في الشَّبَاب كأَنَّه
- لَيْلٌ يَصِيحُ بجَانِبَيْهِ نَهَارُ
المراجع
- ↑ "عيون الأخبار"، www.al-hakawati.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "ابن قتيبة ونقد الشعر"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-06-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ابن قتيبة (2003)، الشعر والشعراء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 38،61،64، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ ابن قتيبة (2003)، الشعر والشعراء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 1019-1024، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ ابن قتيبة (2003)، الشعر والشعراء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 64، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ ابن قتيبة (2003)، الشعر والشعراء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 81-82 جزء 1.بتصرّف.
- ↑ ابن قتيبة (2003)، الشعر والشعراء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 89،91،94، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ ابن قتيبة (2003)، الشعر والشعراء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 75-76، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ ابن قتيبة (2003)، الشعر والشعراء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 65،67،71-74، جزء 1.بتصرّف
- ↑ ابن قتيبة (2003)، الشعر والشعراء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 65-66، جزء 1.
- ↑ ابن قتيبة (2003)، الشعر والشعراء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 67، جزء 1.
- ^ أ ب ابن قتيبة (2003)، الشعر والشعراء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 69، جزء 1.