القياس في أصول الفقه

كتابة:
القياس في أصول الفقه

أدلة الفقه الإسلامي

إنّ الأدلة في اللغة هي جمع كلمة دليل، ومعناه الهادي، أمّا في الاصطلاح الشرعي فإنّ الأدلة هي: "ما يُستدل بالنظر الصحيح فيه على حكم شرعي عملي على سبيل القطع أو الظن"،[١] والأدلة في الفقه الإسلامي على نوعين، وهما الأدلة النقلية والعقلية فالأدلة النقلية هي: القرآن الكريم والسنّة النبوية والإجماع وشرع من قبلنا، فهذه المصادر راجعة إلى النقل وليس للعقل دور في إثباتها، أمّا النوع الثاني فهي الأدلة العقلية، وهي: القياس والمصلحة المرسلة والعرف والاستصحاب، وسميّت عقلية لأنّ جوهر إعمال هذه الأدلة هو النظر والرأي والاجتهاد بالاستناد لقواعد الإسلام الثابتة بالوحي، فالأدلة هي مصادر الأحكام وهي المبينة والكاشفة للأحكام الشرعية، وسيّتحدّث هذا المقال عن القياس في أصول الفقه ويبيّن مفهوم وأركان وأنواع القياس.[٢]

القياس في أصول الفقه

إنّ القياس هو أحد أدلة الفقه الإسلامي العقلية، وهو مصدر من مصادر الأحكام المتفق على الأخذ بها وفقًا لما ذكره الكثير من العلماء، حيث اتفق جمهور العلماء على حجية القياس وإمكانية الأخذ به، إلّا أنّ البعض قد توسّع في الأخذ به والبعض الآخر قد تشدّدوا، أمّا المذهب الصحيح فهو التوسط وهذا ما كان عليه السلف حيث أخذوا بالقياس وفقًا لما لضوابط محدّدة، ومنها أن لا يوجد في المسألة نص شرعي يبيّن حكمها الدقيق لأنّ الرجوع إلى النص والأخذ به أولى من إعمال العقل وإعطاء الحكم بطريق القياس، كما يجب أن يصدر القياس من العلماء المؤهلين الذين استكملوا شروط الاجتهاد المعتبرة، إلى غير ذلك من الضوابط والقواعد التي نصّ عليها الفقهاء والأصوليون في كتبهم وطبقّوها واقعًا عمليًا في أحكامهم وفتاويهم، وفيما يأتي بيانٌ لمفهوم القياس وتعريفه لغةً واصطلاحًا، بالإضافة إلى الحديث عن أركان القياس وأنواعه:[٣]

مفهوم القياس

إنّ مصطلح القياس هو أحد المصطلحات الفقهية التي وقع الخلاف في تعريفها اللغوي والاصطلاحي، فالقياس في اللغة يُطلق على التقدير والمساواة ويُطلق على إرادة معرفة مقدار الشيء، كما أنّه يدلّ على الإصابة نحو قاس الهدف أي أصابه، ويدلّ لفظ القياس في اللغة على الاقتداء والتأسي، وقد اختلف أهل العلم في كون لفظ القياس مشترك لفظي أم معنوي وفي أيٍّ من هذه المعاني يكون القياس حقيقةً وفي أيّها يكون مجازًا، أمّا القياس في الاصطلاح فله الكثير من التعريفات، فقيل القياس هو: "مساواة المسكوت للمنصوص في علة الحكم"، وقيل: "هو بذل المجتهد الجهد في استخراج الحق"، وقيل: "هو تسوية الفرع بالأصل في العلة والحكم"، كما قيل: "هو إثبات حكم معلوم في معلومٍ آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبِت"، إلى غير ذلك من التعريفات والسبب في كثرتها هو اختلافهم في كون القياس هو استدلال المجتهد وفكرة المستنبِط، أم هو المعنى الذي يدلّ عليه الحكم في أصل الشيء وفرعه.[٤]

أمّا التعريف المختار عند الأصوليين فهو تعريف الباقلاني، حيث عرّف القياس اصطلاحًا بأنّه: "حمل معلومٍ على معلوم في إثبات حكمٍ لهما أو نفيه عنهما، بأمرٍ جامعٍ بينهما من حكمٍ أو صفة أو نفيهما عنه"، والسبب في اختيار هذا التعريف عدم ورود اعتراضات عليه بالنسبة للتعريفات الأخرى، كما أنّه قد جمع في كون القياس من عمل المجتهد استنادًا إلى الدليل وهو المساواة في العلة والحكم، فالمجتهد يُعمل فكره وينظر عند ورود مسألة جديدة ليس فيها حكم شرعي ودليل خاص، فإن وجد مسألة أخرى شبيهة بها ومساوية لها في العلة أعطى المسألة الحادثة حكم المسألة الأصلية، فهو لم يأتِ بحكمٍ جديد وإنما اجتهد في استخراجه.[٥]

أركان القياس

إنّ أركان القياس هي ما استنبطه العلماء من تعريفهم له اصطلاحًا، وهي الأشياء التي يجب النظر فيها ولا بدّ من توفرّها لحصول القياس وتطبيقه في الأحكام الشرعية، وأركان القياس أربعة، وهي: الأصل والفرع والعلة والحكم، وفيما يأتي تعريف كل واحدٍ منهم:[٦]

  • الأصل: هو ما ثبت حكمه بنفسه، أي ثبت حكم خاص له تناوله باسمه، كما قيل هو ما ثبت به حكم غيره.
  • الفرع: هو ما ثبت حكمه بغيره، أي أنّ حكم الفرع ناتج عن حكم الأصل.
  • العلة: هي المعنى الجالب للحكم، أي السبب الذي من أجله جاء الحكم فالخمر حُرّم لأنّه مسكر، والعلّة أنواع منها العلة الواقفة وهي التي تخصّ الأصل فقط ولا يمكن تعديتها إلى الفرع، وعلّة متعديّة وهي المطلوبة في القياس.
  • الحكم: هو ما جلبته واقتضته العلة، والحكم أنواع فيكون على سبيل التحريم أو التحليل أو الصحة أو الفساد، وكذلك قد يكون الحكم أن يكون الشيء واجبًا أو غير واجب، وغير ذلك من أنواع الأحكام.

أنواع القياس

إنّ أنواع القياس ليست على صنفٍ واحد، وذلك لاختلاف الاعتبارات الواردة في تحديد نوع القياس، فالقياس من حيث قوته وضعفه ينقسم إلى قياس جلي وقياس خفي، ومن حيث علته ينقسم إلى: قياس علّة وقياس دلالة وقياس في معنى الأصل، أمّا من حيث الحكم فيُقسم إلى: قياس طرد وقياس عكس، وفيما يأتي تعريفٌ بهذه الأنواع مع ذكر لبعض الأمثلة:[٧]

  • القياس الجلي: هو القياس واضح العلة أي أنّ العلة ظهرت في الفرع والأصل ولم يكن هناك فارق بينهما، ومثاله قياس حرمة إحراق مال اليتيم على حرمة أكله.
  • القياس الخفي: هو القياس الذي يحتاج إلى بذل جهد وإعمال نظر لاستخراج العلة، ومثاله قياس القتل بالمثقل على القتل بالمحدد في وجوب القصاص.
  • قياس العلة: وهو ما كان السبب في الحكم منصوصًا عليه كجعل الله -عزّ وجلّ- التكذيب سببًا في هلاك الأمم.
  • قياس الدلالة: وهو القياس الذي لم تُذكر فيه العلة صراحةٍ بل ذُكر شيء من لوازمها، كما جعل الله -سبحانه- قدرته على إحياء الأرض مثالًا لقدرته على إحياء الموتى.
  • قياس معنى الأصل: ويُسمّى أيضًا مفهوم الموافقة، لأنّ العلّة تكون ظاهرة بالفرع كظهورها في الأصل وأشد، ومثاله تحريم ضرب الوالدين على حرمة قول أفٍ لهما.
  • قياس الطرد: هو ما اقتضى إثبات الحكم في الفرع لأنّ علة الأصل ثابتة فيه.
  • قياس العكس: هو ما اقتضى نفي الحكم عن الفرع لانتفاء وجود علة حكم الأصل فيه.

المراجع

  1. "كتاب تيسير علم أصول الفقه"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
  2. "كتاب تيسير علم أصول الفقه"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
  3. "كتاب معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-18. بتصرّف.
  4. "كتاب مجلة البحوث الإسلامية"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  5. "كتاب مجلة البحوث الإسلامية"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  6. "كتاب العدة في أصول الفقه"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
  7. "كتاب معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-19. بتصرّف.
3949 مشاهدة
للأعلى للسفل
×