محتويات
لماذا ترفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادًا للحج؟
تُعَدُّ الكعبةُ بناءً ذا أهمَّيةٍ كُبرى لدى المسلمين؛ كيف لا وهي قبلة المسلمين، كما يقصدها المسلمون لأداء العمرة والحجِّ، وأجور الصَّلوات فيها مضاعفةٌ، فلماذا تُرفع كسوة الكعبة المشرَّفة استعداداً للحجِّ ؟ ومتى تستبدل كسوة الكعبة المشرَّفة؟ ومن الجهة المسؤولة عن صناعة كسوتها؟ وماذا يحدث لكسوتها القديمة؟ وهل كانت تستبدل كسوة الكعبة المشرَّفة في السَّابق؟ كلّ هذه الأسئلة ستتمُّ الإجابة عنها في هذا المقال.
إنَّ الحكمة من استبدال كسوة الكعبةِ كلَّ عامٍ هو أنَّ الكعبة من شعائر الله -تعالى-، وقد أمر الله -تعالى- بتعظيم شعائره، فقد قال - عزَّ وجل-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)،[١] وفي ذلك أيضاً إظهار عظمةِ الإسلام وإرهاب أعداء المسلمين، ولا يُسمَّى ذلك إحراماً؛ فالكعبةُ جماد، والجمادُ لا يُحرِم ولكنَّ المسلمين يكسونها في كلِّ عامٍ شكراً لله -تعالى- على أن جعَلها قبلةً للمسلمين وعلى تأليف قلوب المسلمين واجتماعهم فيها من شتَّى البلدان، وأمَّا ما يحصل من رفع كسوة الكعبةِ؛ فيتم ذلك حتى لا يقوم بعض الحجَّاج من قصِّ قطعٍ من الثَّوب طلباً للبركة.[٢]
متى تستبدل كسوة الكعبة المشرفة؟
إنَّ الكعبةَ تُكسى في عصرِنا هذا يوم النَّحر، أمَّا في السَّابق فذكر ابنُ جبير في أخبار رحلته أن تشمير ثوب الكعبة يكون في السَّابع والعشرين من ذي القعدة، وهذا يخالف ما يفعله الحَجَبَة من قبل من تشميرها في الخامس والعشرين من ذي القعدة وقطع جزءٍ منها من الأعلى مع التَّشمير في السَّابع والعشرين من ذي القعدة؛ وذلك لأنَّ بعض الحجَّاج يَصِلُونَ في أوائل ذي الحجَّة إلى مكَّة، كما ويصل الحجَّاج العراقيون في يوم عرفة، فكان الحَجَبَةُ يفعلون ذلك تأخيراً لقطعِ الكسوةِ إلى أيَّام مِنى حتى لا يفوِّتوا على الحجَّاج الشراء منها.[٣]
وذكر ابنُ جُبير أيضاً أنَّ الكعبةَ كانت تُكسى في يوم النَّفر الثَّاني؛ أي يوم الثَّالث عشر من ذي الحجَّة وأنَّها لم تكُن تُكسى يوم النَّحر، فكما قال: "وفي يوم النحر المذكور سيقت كسوة الكعبة المقدسة من عمل الأمير إلى مكة على أربعة جمال، يقدمها القاضي الجديد بكسوة الخليفة، السواد به، والرايات على رأسه، والطبول تهز وراءه، ثم قال: فوضعت الكسوة في السطح المكرم على الكعبة، فلما كان يوم الثلاثاء الثالث عشر من الشهر المبارك، اشتغل الشيبيون بإسبالها خضراء يانعة تفيد الأبصار حُسنا".[٤]
من الجهة المسؤولة عن صناعة كسوة الكعبة المشرفة؟
يُعَدُّ مصنع كسوة الكعبة الجهة المسؤولة عن صناعة كسوة الكعبة المشرَّفة في يومنا هذا، ولكنَّ عملية تبديل كسوة الكعبة لا تتمُّ إلَّا بحضور سادن الكعبة، ويعتبر حاليًا الشَّيخ عبد القادر الشيبي هو كبير السّدَنة بعد وفاة الشيخ عبد العزيز الشيبي.[٥]
وقد أُنشىءَ هذا المصنع في بداية العهد السُّعودي، بأمرٍ من الملكِ عبد العزيز آل سعود، وذلك في مطلعِ شهر محرَّم عام ألف وثلاثمئة وسبع وخمسين للهجرة، ويقعُ المصنع بجوار البيت الحرام، وبذلك يكون أوَّل مصنعٍ يختصُّ بصناعة كسوة الكعبة المشرَّفة.[٦]
ويقوم هذا المصنع بصناعة كسوة الكعبة بعنايةٍ فائقةٍ؛ حيث يستهلك الثَّوب الواحد للكعبة نحو ستمئة وسبعون كيلو جراماً من الحرير الطَّبيعي، ومئةً وخمسون كيلو جراماً من سلك الذَّهب والفضَّة، ويبلغ مسطحه الإجمالي ستمئة وخمسٌ وثمانون متراً مربعاً ويتكوَّن من سبعةٍ وأربعون لفَّةً، طول الواحدة أربعة عشرة متراً، وبعرض خمسٌ وتسعون سنتيمتراً، وتكلفة الثَّوب الواحد نحو سبعة عشر مليون ريالٍ سعوديٍ.[٦]
ماذا يحدث للكسوة القديمة للكعبة المشرفة؟
تُبدَّلُ كسوة الكعبة في كلِّ عامٍ، وجَرَتِ العادةُ أن يأخذ من يتولَّى سدانة الكعبة المشرَّفة الكسوة القديمة، ويتولَّى سدانة الكعبة في يومنا هذا هم آلُ شيبة،[٧] فيتسلَّمون بدورهم الكسوة القديمة ويقومون بتقسيمها إلى قطعٍ صغيرةٍ التي يستعملونها كإهداءات لكبار الضيوف والمسؤولين، وبعض الهيئات والمؤسسات الدينيَّة.[٨]
أمَّا قديماً فقد كان أمراء مكَّة يأخذون من السّدَنةِ ستارة باب الكعبة، وجزءاً كبيراً من كسوتها، فلمَّا ولي الشَّريف عنان بن مغامس بن رميسة بن أبي نُمَي إمارةَ مكَّة في آخر سنة سبعمائةٍ وثمانٍ وثمانين، سمح لهم بذلك، وجرى ذلك فيما بعد بين الأمراء حتى حتى أنَّ بعضهم كان يهدي منها الملوك وغيرهم.[٩]
هل كانت تستبدل كسوة الكعبة المشرفة في السابق؟
تُعدُّ عادة استبدال الكسوة من العادات القديمة التي كان عليها النَّاس في الجاهليَّة واستمرَّ الأمرُ على ذلك في الإسلام،[١٠] ومن الآثار الدَّالة على استبدال كسوة الكعبة في السَّابق ما يأتي:[١٠]
- عن عبد الجبار بن الورد قال: "سمعتُ ابن أبي مليكة يقول: كانت قريش في الجاهلية ترافد في كسوة الكعبة، فيضربون ذلك على القبائل بقدر احتمالها، من عهد قصيّ بن كلاب حتّى نشأ أبو ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وكان يختلف إلى اليمن يتّجر فيها فأثرى في المال، فقال لقريش: أنا أكسو الكعبة وحدي سنة وجميع قريش سنة، فكان يفعل ذلك حتّى مات: يأتي بالحبر الجندية من الجند فيكسو الكعبة، فسمته قريش العدل لأنه عدل فعله بفعل قريش".
- وعن ابن جريج: "أنّ الكعبة فيما مضى إنما كانت تكسى يوم عاشوراء إذا ذهب آخر الحاج، حتّى كان بنو هاشم فكانوا يعلّقون القميص يوم التروية من الديباج لأن يرى الناس ذلك عليها بهاء وجمالا فإذا كان يوم عاشوراء علّقوا عليها الإزار".
- عن ابن عمرَ: "أنَّهُ كانَ يَكسو بدنَهُ القباطيَّ والحبراتِ يومَ يقلِّدُها فإذا كانَ يومُ النَّحرِ نزعَها ثمَّ أرسلَ بِها إلى شيبةَ بنِ عثمانَ فناطَها على الْكعبةِ".[١١]
- وروى الواقديّ عن إسحاق بن عبد الله: "أن الناس كانوا ينذرون كسوة الكعبة ويهدون إليها البدن عليها الحبرات، فيبعث بالحبرات إلى البيت كسوة، فلما كان يزيد بن معاوية كساها الديباج الخسروانيّ، فلما كان ابن الزبير اتبعه على ذلك، فكان يبعث إلى أخيه مصعب بن الزبير يبعث بالكسوة كل سنة وكانت تكسى يوم عاشوراء".
المراجع
- ↑ سورة الحج، آية:32
- ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 50. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 51. بتصرّف.
- ↑ التقي الفاسي (2000)، كتاب شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام (الطبعة 1)، صفحة 171، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ الراية القطرية (9-4-2013)، "سدانة الكعبة .. شرف يتوارثه الشيبيون"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 17-7-2021. بتصرّف.
- ^ أ ب ملتقى أهل الحديث، أرشيف ملتقى أهل الحديث 5، صفحة 287. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 58. بتصرّف.
- ↑ ملتقى أهل الحديث، أرشيف ملتقى أهل الحديث 2، صفحة 287. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 55. بتصرّف.
- ^ أ ب أحمد القلقشندي، كتاب صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 282، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في فتح الباري لابن حجر، عن ابن عمر، الصفحة أو الرقم:536، إسناده صحيح.