المجون والزندقة في العصر العباسي الثاني

كتابة:
المجون والزندقة في العصر العباسي الثاني


نبذة عن المجون والزندقة في العصر العباسي الثاني

تتشابه حدة موجة المجون والزندقة في العصر العباسي الأول مع العصر العباسي الثاني، بل إنها تكون زادت، وفي ما يأتي بعض الملامح العامة عن تلك الفترة:[١]

  • رغم تحريم القرآن الكريم للخمر؛ إلا أن الناس في هذا العهد أسرفوا في شربه، حتى أن بعضهم أدمنوا عليه إدماناً شديداً، فكانوا يعقدون مجالس الشرب في المساء والليل والصباح.
  • اجتهد بعض فقهاء العراق إلى تحليل بعض الأنواع من النبيذ غير المسكر، كنبيذ التمر والعسل والتين والزبيب المطبوخ أدنى طبخ، فشربها الناس وأيضاً الخلفاء، وفي ذلك قال ابن الرومي:

أباحَ العراقيُّ النبيذَ وشُربَه

وقال الحرامانِ المُدامةُ والسكُرُ

وقال الحجازيُّ الشرابانِ واحدٌ

:::فحلَّ لنا بينَ اختلافِهما الخَمرُ 

سآخذُ من قولَيهما طَرفَيَهما

وأشربُها لا فارقَ الوازرَ الوِزرُ[٢]
  • كانت قصور الخلفاء والأمراء والوزراء وكبار الدولة وعليَّة القوم، مجالس للمنادمة والشراب واللهو والغناء، حتى أن كثيراً من الخلفاء (كالمتوكل) كانوا يحبون الشرب ويشربون بين ندمائهم والمغنون يغنون بين يديهم، كما تورط في ذلك بعض القضاة عن طريق النبيذ المحلل، بالإضافة إلى تورط كثير من علماء اللغة وغيرهم مثل (ابن دريد).
  • كانت البساتين حول بغداد تمتلئ بالحانات، فيقصدها الشعراء والناس ويختلون إليها للشرب ومغازلة الجواري، وكان بعضهم يختلون بأنفسهم إلى زاوية في بستان متَّخِذِينها حانة لهم، يشربون فيها على أزهار الرياض، وأبصارهم تمتلئ بجمال الجواري، وآذانهم تتمتع بسماع الغناء، فصوَّر كثير من الشعراء هذا المتاع الممزوج بجمال الطبيعة وجمال المرأة ونشوة الخمر في شعرهم، كقول البحتري:

فَاِشرَب عَلى زَهرِ الرِياضِ يَشوبُهُ

زَهرُ الخُدودِ وَزَهرَةُ الصَهباءِ

مِن قَهوَةٍ تُنسي الهُمومَ وَتَبعَثُ الـ

شَوقَ الَّذي قَد ضَلَّ في الأَحشاءِ[٣]
  • كانت الأعياد (أعياد الإسلام، وأعياد الفُرس، وأعياد النصارى) تشبه الكرنفالات؛ فيخرج أهل بغداد وغيرها من مدن العراق إلى اللهو ومشاهدة القصَّاصين والحكَّائين وأصحاب المساخر الهزْليين، وكما هو الحال من مواكبة الشعراء لأحداث عصرهم، فهذا البحتري يهنئ الخليفة المعتمد بعيد النيروز (وهو أول السنة الفارسية) فقال:

لا تَخلُ مِن عَيشٍ يَكُرُّ سُرورُهُ

:::أَبَداً وَنَيروزٍ عَلَيكَ مُعادِ[٤]


أسباب المجون والزندقة في العصر العباسي الثاني

لقد أدت بعض العوامل والأسباب إلى انتشار موجة المجون والزندقة في العصر العباسي الثاني بشكل كبير، ومن أبرز هذه العوامل ما يأتي:[٥]

  • تطور الدولة العباسية وتوفر الموارد الطبيعة وغيرها.
  • اتساع نفوذ الفرس وتأثيرهم في الحكم، وقد عُرِفوا بحبهم لحياة البذخ واللهو.
  • تأثر العرب بحياة الفرس وأعيادهم، مما أدى إلى تقليدهم في لبسهم ومظهرهم وأسلوب حياتهم.
  • ميل بعض الحكام العباسيين إلى حياة اللهو والبذخ.
  • اقتناء العرب للجواري، مما ساهم في انتشار المجون واللهو بسبب إتقانِهن الغناء، وإقامة الحفلات في الحانات.
  • الانفتاح على الشعوب الأخرى، مما أدى إلى تطور وسائل الأدب ومعانيه، وفتح مجالات جديدة فيه كالأشعار الرقيقة، بسبب انتشار الجواري.


أبرز شعراء المجون والزندقة في العصر العباسي الثاني

انغمس كثير من الشعراء في حياة اللهو والمجون، فبعضهم يرجع انغماسه إلى تحلل في الأخلاق، والبعض الآخر هروب من الحياة والتخفف من أعبائها الثقيلة، مما شاع الاختلال في موازين القيم، وفساد في حياة الدولة وحياة الناس،[٦] ومن أبرز هؤلاء الشعراء ما يأتي:

الحسين بن الضحاك

يعد من كبار الخلعاء، وكان يعرف باسم الخليع؛ لكثرة مجونه وعكوفه على الخمر، حتى أصبح اسمه مقروناً باسم أبي نواس أكبر ماجن في العصر العباسي الأول، اتخذه الأمين نديماً له، فقد كان ظريفاً، كما نادَمَ بعض الخلفاء، كالمعتصم والواثق والمتوكل، ومن أشعاره الماجنة:

أخوَّي حي على الصبوح صباحا

هُبَّا ولا تعدا الصباح رواحا
هذا الشميط كأنه متحيرٌ 
في الأفقِ سد طريقه فألاحا
ما تأمران بقهوةٍ قرويةٍ 
قرنت إلى دركِ النجاح نجاحا
مهما أقام على الصبوحِ مُساعدٌ 
وعلى الغبوقِ فلن أريدَ براحا
هل تعذران بديرِ سرجس صاحباً 
بالصحو أو تريان ذاك جُناحا
إني أعيذكما بألفةِ بيننا 
أن تشربا بقرى الفراتِ قراحا
عجت قواقزنا وقدس قسنا 
هزجاً وأصخبنا الدجاج صياحا[٧]


عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع

هو حفيد الفضل بن الربيع وزير الرشيد والأمين، نشأ في الترف والنعيم، اعتنى والده بتعليمه وتثقيفه حتى أحسن الشعر، فكان يقوله مسترسلاً على السجية دون تكلُّف، تعلَّق بجارية لعمته كانت تتقن الغناء، فيلازمها بحجة تعلم الغناء، فقد أخذ عنها وعن رفيقاتها أحسن الأصوات.[٨]


كما لازم بعض المغنين، أمثال: إسحاق الموصلي، مما أتاح له التثقف بالغناء، وأصبح ماهراً فيه، فذاعت شهرته، وطلبه الخلفاء لسماع أغانيه، فيضرب على العود مغنياً أبيات قالها،[٨] منها: 

أسلم وعمّرك الإله لأمة

بك أصبحت قهرت ذوي الإلحاد

لو تستطيع وقتك كلّ أذيّةٍ

بالنفس والأموال والأولاد


المراجع

  1. شوقي ضيف ، العصر العباسي الثاني، صفحة 91-100. بتصرّف.
  2. "أباح العراقي النبيذ وشربه"، الديوان .
  3. "زعم الغراب منبئ الأنباء "، الديوان.
  4. "حقاً أقول لقد تبلت فؤادي"، الديوان.
  5. "أهم العوامل التي ساهمت في ظهور المجون في العصر العباسي "، فيرال. بتصرّف.
  6. شوقي ضيف ، العصر العباسي الثاني، صفحة 458-459. بتصرّف.
  7. "اخوي حي على الصبوح صباحا "، الديوان.
  8. ^ أ ب شوقي ضيف ، العصر العباسي الثاني، صفحة 469-470. بتصرّف.
6375 مشاهدة
للأعلى للسفل
×