المدح في العصر الإسلامي

كتابة:
المدح في العصر الإسلامي


المدح في العصر الإسلامي

أخذ المدح في عصر صدر الإسلام منحًى جديدًا غير الذي كان عليه في الجاهلية، فلم يكن هدف المادح مالًا أو جاهًا، بل هو رفع راية الإسلام والإشادة به وبالنبي عليه الصلاة والسلام، إذ يتضح أن الشعراء كانوا من خلال أشعارهم يهدفون إلى نشر رسالة الإسلام ويعدّونه طريقة لدعوة الناس للدخول فيه، ومن الجدير بالذكر أنّ المدائح النَّبويَّة لك تكن تشبه تلك التي في الجاهليَّة، إذ لم يكن المدح للرَّسول بالكرم والشَّجاعة كما كان شائعًا من قبل، بل بما جاء به هدايةٍ للنَّاس ونور الحق،[١][٢]ومن أمثلة ذلك ما يأتي:


قصيدة البردة لكعب بن زهير

قال كعب بن زهير بن أبي سلمى مادحًا النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحبه ضمن أبيات قصيدته المعروفة بالبردة:[٣]


مِن ضَيغَمٍ مِن ضِراءَ الأُسدِ مُخدِرَةً

بِبَطنِ عَثَّرَ غيلٌ دونَهُ غيلُ

يَغدو فَيَلحَمُ ضِرغامَين عَيشُهُما

لَحمٌ مِنَ القَومِ مَعفورٌ خَراذيلُ

إذا يُساوِرُ قِرناً لا يَحِلُّ لَهُ

أَن يَترُكَ القِرنَ إِلّا وَهُوَ مَفلولُ

مِنهُ تَظَلُّ حَميرُ الوَحشِ ضامِرَةً

وَلا تُمَشّي بِواديهِ الأَراجيلُ

وَلا يَزالُ بِواديِهِ أخَو ثِقَةٍ

مُطَرَّحُ البَزِّ وَالدَرسانِ مَأكولُ

إِنَّ الرَسولَ لَسَيفٌ يُستَضاءُ بِهِ

مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ

في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم

بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا

زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ

عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ

شُمُّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ

مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ

بيضٌ سَوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ

كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ

يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم

ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ

لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ

قَوماً وَلَيسوا مَجازيعاً إِذا نيلوا

لا يَقَعُ الطَعنُ إِلّا في نُحورِهِمُ

ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ


قصيدة حسان الهمزية

قال حسان بن ثابت يهجو مشركي مكّة وينصر النبي عليه الصلاة والسلام:[٤]

عَدِمنا خَيلَنا إِن لَم تَرَوها

تُثيرُ النَقعَ مَوعِدُها كَداءُ

يُبارينَ الأَسِنَّةِ مُصغِياتٍ

عَلى أَكتافِها الأَسَلُ الظِماءُ

تَظَلُّ جِيادُنا مُتَمَطِّراتٍ

تُلَطِّمُهُنَّ بِالخُمُرِ النِساءُ

فَإِمّا تُعرِضوا عَنّا اِعتَمَرنا

وَكانَ الفَتحُ وَاِنكَشَفَ الغِطاءُ

وَإِلّا فَاِصبِروا لِجَلادِ يَومٍ

يُعينُ اللَهُ فيهِ مَن يَشاءُ

وَقالَ اللَهُ قَد يَسَّرتُ جُنداً

هُمُ الأَنصارُ عُرضَتُها اللِقاءُ

لَنا في كُلِّ يَومٍ مِن مَعَدٍّ

قِتالٌ أَو سِبابٌ أَو هِجاءُ
فَنُحكِمُ بِالقَوافي مَن هَجانا 
وَنَضرِبُ حينَ تَختَلِطُ الدِماءُ

وَقالَ اللَهُ قَد أَرسَلتُ عَبداً

يَقولُ الحَقَّ إِن نَفَعَ البَلاءُ

شَهِدتُ بِهِ وَقَومي صَدَّقوهُ

فَقُلتُم ما نُجيبُ وَما نَشاءُ

وَجِبريلٌ أَمينُ اللَهِ فينا

وَروحُ القُدسِ لَيسَ لَهُ كِفاءُ

أَلا أَبلِغ أَبا سُفيانَ عَنّي

فَأَنتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَواءُ

هَجَوتَ مُحَمَّداً فَأَجَبتُ عَنهُ

وَعِندَ اللَهِ في ذاكَ الجَزاءُ

أَتَهجوهُ وَلَستَ لَهُ بِكُفءٍ

فَشَرُّكُما لِخَيرِكُما الفِداءُ

هَجَوتَ مُبارَكاً بَرّاً حَنيفاً

أَمينَ اللَهِ شيمَتُهُ الوَفاءُ
فَمَن يَهجو رَسولَ اللَهِ مِنكُم 
وَيَمدَحُهُ وَيَنصُرُهُ سَواءُ

فَإِنَّ أَبي وَوالِدَهُ وَعِرضي

لِعِرضِ مُحَمَّدٍ مِنكُم وِقاءُ


قصيدة ثوى بمكة

قال حسان بن ثابت يمدح النبي عليه الصلاة والسلام:[٥]

ثَوى بِمَكَّةَ بِضعَ عَشرَةَ حِجَّةً

يُذَكِّرُ لَو يَلقى خَليلاً مُؤاتِيا

وَيَعرِضُ في أَهلِ المَواسِمِ نَفسَهُ

فَلَم يَرَ مَن يُؤوِي وَلَم يَرَ داعِيا

فَلَمّا أَتانا وَاِطمَأَنَّت بِهِ النَوى

فَأَصبَحَ مَسروراً بِطَيبَةَ راضِيا

وَأَصبَحَ لا يَخشى عَداوَةَ ظالِمٍ

قَريبٍ وَلا يَخشى مِنَ الناسِ باغِيا

بَذَلنا لَهُ الأَموالَ مِن جُلِّ مالِنا

وَأَنفُسَنا عِندَ الوَغى وَالتَآسِيا

نُحارِبُ مَن عادى مِنَ الناسِ كُلَّهِم

جَمعاً وَإِن كانَ الحَبيبُ المُصافِيا

وَنَعلَمُ أَنَّ اللَهَ لا رَبَّ غَيرُهُ

وَأَنَّ كِتابَ اللَهِ أَصبَحَ هادِيا


قصيدة قضينا من تهامة

يقول كعب بن مالك الأنصاري مادحًا المسلمين ونبيّهم عليه الصلاة والسلام:[٦][٧]

قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ رَيْبٍ

وخيبَر ثمَّ أَجْمَمْنَا السّيُوفا

نُخَيّرُهَا وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ

قواطِعُهُنَّ دوساً أو ثَقيفَا

فَلَسْتُ لِحَاضنٍ أنْ لَمْ تَرُوهَا

بِسَاحَةِ دارِكُمْ منّا أُلُوفَا

وَنَنْتَزِعُ العُروشَ بِبَطْنِ وجٍّ

وتصبحُ دُورُكم منكمُ خَلُوفَا

ويَأتِيكُمْ لَنَا سَرعَانُ خَيْلٍ

يُغَادِرُ خَلْفَهُ جمعاً كَثيفَا

إذا نزلُوا بسَاحَتِكُم سَمِعْتُمْ

لَهَا مِمّا أناخَ بها رَجِيفَا

بأيدِيهمْ قَوَاضِبُ مُرهَفَاتٌ

يُزِرْنَ المُصْطَلينَ بِهَا الحُتوفَا

كأمْثالِ العَقَائقِ أَخْلَصَتْهَا

قُيُونُ الهندِ لم تُضْرَبْ كَتِيفَا

تخالُ جَديَّةَ الأَبْطَالِ فيها

غَدَاةَ الزّحْفِ جَادِيّاً مَدوفَا

أَجِدَّهُمُ أَليسَ لَهُمْ نَصِيحٌ

منَ الأَقْوامِ كانَ بِنَا عَرِيفَا

يخبّرهُمْ بِأَنّا قَدْ جَمَعْنَا

عِتَاقَ الخَيْلِ والنُّجُبَ الطُّروفَا

وأنّا قَدْ أَتَيْنَاهُمْ بِزَحْفٍ

يُحِيطُ بِسُورِ حُصْنِهُمُ صُفُوفَا

رئيسُهُم النّبيُّ وكانَ صُلْباً

نقيَّ القَلْبِ مُصْطَبِراً عَزُوفَا

رَشِيدُ الأَمْرِ ذُو حُكْمٍ وَعِلْمٍ

وَحِلْمٍ لَمْ يكنْ نَزقاً خَفِيفَا

نُطِيعُ نَبيَّنَا وَنُطِيعُ ربّاً

هُوَ الرّحمن كانَ بِنَا رَؤُوفَا

فإن تُلقُوا إلينا السِّلْمَ نَقْبَلْ

وَنَجْعَلْكُمْ لَنَا عَضُداً وَرِيفَا

وإنْ تَأْبَوا نُجَاهِدْكُمْ ونَصْبُرْ

وَلاَ يكُ أمرُنَا رَعِشاً ضَعِيفَا

نُجَالِدُ مَا بَقِينَا أَو تُنِيبُوا

إلى الإسْلاَمِ إذْعَاناً مُضيفَا

نُجَاهِدُ لا نُبَالي مَنْ لَقِينَا

أَأَهْلَكْنَا التِّلادَ أمِ الطَّريفَا


قصيدة إنّي تفرست فيك الخير

يقول عبد الله بن رواحة مادحًا النبي عليه الصلاة والسلام:[٨]


إِنّي تَفَرَّستُ فيكَ الخَيرَ أَعرِفُهُ

وَاللَهُ يَعلَمُ أَن ما خانَني البَصَرُ

أَنتَ النَبِيُّ وَمَن يُحرَم شَفاعَتَهُ

يَومَ الحِسابِ فَقَد أَزرى بِهِ القَدَرُ

فَثَبَّتَ اللَهُ ما آتاكَ مِن حَسَنٍ

تَثبيتَ موسى وَنصراً كَالَّذي نُصِروا

يا آلَ هاشِمَ إِنَّ اللَهَ فَضَّلَكُم

عَلى البَرِيَّةِ فَضلاً ما لَهُ غِيَرُ

وَلَو سَأَلتَ أَوِ اِستَنصَرتَ بَعَضَهُمُ

في جُلِّ أَمرِكَ ما آوَوا وَلا نَصَروا

فَخَبِّروني أَثمانَ العَباءِ مَتى

كُنتُم بَطاريقَ أَو دانَت لَكُم مُضَرُ

نُجالِدُ الناسَ عَن عُرضٍ فَنَأسِرُهُم

فينا النَبِيُّ وَفينا تَنزِلُ السُوَرُ

وَقَد عَلِمتُم بِأَنّا لَيسَ يَغلِبُنا

حَيٌّ مِنَ الناسِ إِن عَزّوا وَإِن كَثُروا

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، الأدب العربي وتاريخه، صفحة 81. بتصرّف.
  2. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، ج2، صفحة 46. بتصرّف.
  3. "بانت سعاد فقلبي اليوم متبول"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022.
  4. "عفت ذات الأصابع فالجواء"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022.
  5. "ثوى بمكة بضع عشرة حجة"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022.
  6. "قضينا من تهامة كل ريب"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022.
  7. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج18، صفحة 315. بتصرّف.
  8. "إني تفرست فيك الخير أعرفه"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022.
8288 مشاهدة
للأعلى للسفل
×