المدرسة الواقعية في الأدب العربي

كتابة:
المدرسة الواقعية في الأدب العربي

مفهوم المدرسة الواقعية في الأدب العربي 

ما هو تعريف المدرسة الواقعية من وجهة نظر الأدباء الواقعيين؟

بُني الأدب العربي على مدارس عدة، ولكل مدرسة فكر خاص، وتوجهات معينة تسير وفقها، ويلتزم أدباء هذه المدرسة بمبادئها وتوجهاتها، ومن المدارس الأدبية التي انتشرت في العصر الحديث ولا سيما في الأعمال الأدب العالمي كانت المدرسة الواقعية في الأدب، ومع أن الواقعية تتجلى كمدرسة لها مبادؤها وأسسها، إلا أن الوقوف عند تحديد مفهومها بدقة لم يُضبط ضبطًا دقيقًا إلى الآن، إذ تكثر الآراء ووجهات النظر حول تعريف المدرسة الواقعية في الأدب، ولا سيما في الأدب العربي.[١]


ممّا يُقال في تحديد مفهوم المدرسة الواقعية إنّ الواقعية هي المعرفة العقلانية للحياة، ويمكن القول إنّها تطلع العقل الإنساني لمستقبل أفضل، وحياة مثالية، ومحاولة اكتشاف حقيقة الحياة وأسرار العالم، وفهم قوانين تطور المجتمع، ومحاولة تحديد الطريقة التي يعيش وفقها المجتمع الإنساني، وأهم ما يمكن ذكره في مفهوم الواقعية أنّها تسلط الضوء على معرفة طبيعة الإنسان، وتحديد علاقته بالمحيط الخارجي، ومع أن الواقعية لم يتم الاتفاق على مفهوم دقيق لها، إلا أنّها أسهمت في وضع قوانين تهم النقد الأدبي الحديث واتجاهاته.[١]


المدرسة الواقعية في الأدب تجعل العالم كله مادة للتصوير، وهذا يُساعد الأديب في النظر بشمولية أكبر وموسوعية أعمق، ويكون متمعًا بمساحة كبيرة من الحرية في التعبير والتصوير، ولكن لا بد من الانتباه إلى أنّ التصوير في هذا الصدد لا يُقصد به علم البيان ومافيه من تشبيه وصور مجازية واستعارات، إنما المقصود تصوير الواقع تصويرًا موضوعيًا دقيقًا بعيدًا كل البعد عن الانطباعات الذاتية، والأفكار الشخصية والآراء التعسفية الفردية.[١]

نشأة المدرسة الواقعية في الأدب العربي

متى بدأت ملامح الواقعية تظهر في الأدب العربي؟

بدأت أصداء المدرسة الواقعية تلوح في الأفق العربي في ساحتي النقد والأدب في القرن العشرين، ولا سيما في عقدي الخمسينات والستينات، إذ كانت نظرة النقاد العرب والأدباء العرب للواقعية أنها هي المنهج الصحيح المثالي لدراسة الأدب والكتابة وفق مبادئها، وإن نشأة المدرسة الواقعية في الأدب العربي تعود إلى النقد الماركسي الذي ظهر في الأدب الروسي وحمل أسماء متعددة، وانتقل إلى الأوساط العربية، وصار منهجًا نقديًا، ومدرسة أدبية يُعتمد عليها في إنتاج الأعمال الأدبية ونقدها ودراستها.[٢]


المهم في نشأة المدرسة الواقعية في الأدب العربي أنها جاءت في ظل ظروف عاشتها المجتمعات وكان فيها الأدباء بحاجة إلى أداة تساعدهم في تصوير واقعهم، ونقل الحقائق والتعبير عنها بأدبهم وأعمالهم التي يقدمونها، ومن أسماء النقاد العرب االذين اهتموا بالمدرسة الواقعية وجعلوها منهجًا لهم في أعمالهم الناقد رئيف خوري، وقد تبنى فكرة النقد العقائدي الفلسفي، ومنهم محمد مندور الذي اهتم بالاشتراكية والوجودية معًا في آن واحد، وهي كلها تتصل بالنقد اواقعي ومبادئه.[٢]


مبادئ المدرسة الواقعية في الأدب العربي

ما هي الأُطر التي حُددت وفقها مبادئ المدرسة الواقعية؟

مهما يكن من أمر المدرسة الواقعية من حيث عدم وضوح خصائصها ومفهومها، إلا أن المهتمين بها لا بد أنهم حددوا مجموعة من المبادئ التي تتبناها، ومن هذه المبادئ:[١]

  • المجتمع هو الأساس: تسلط المدرسة الواقعية الضوء على كل ما يهم المجتمع والحياة البشرية، مهما كانت هذه القضايا بسيطة أو صغيرة فهي تعالجها، وتبتعد عن كل الأمور التي لا تهم المجتمع مثل السريالية والخيال والخرافات التي تختلف كليًا عن الواقع المحيط.


  • جمع الواقعي بالمبتَذَل: إن مبادئ المدرسة الواقعية في الأدب العربي تميل إلى الدقة في التصوير، ووضح الفكرة والبعد عن الغموض، ولكن هذا لا يعني غياب عنصر التشويق، والذي يتجلى في المدرسة الواقعية من خلال الجمع بين الأحداث الواقعية وأخرى فيها مبالغة وابتذال يجذب القارئ ويلفت انتباهه.
  • سهولة اللغة: تهدف المدرسة الواقعية إلى الاتصال المباشر مع المجتمع من خلال الأعمال التي يقدمها الأدباء، ولكي يكون هذا التواصل متينًا وقويًا لا بد من اعتماد بساطة اللغة ووضوحها، كي تكون الأعمال مناسبة لكل فئات المجتمع وطبقاته.


  • التهكم والسخرية: عندما تحول القيود السياسية والاجتماعية دون قدرة الأدب على نقل الواقع وانتقاده، يلجأ الأدب الواقعي إلى السخرية والتهكم في سبيل عرض مشاكل المجتمع، فيقدم المشكلة والألم بأسلوب ساخر في طياته غضب واستنكار.
  • الدقة في التصوير: تهتم المدرسة الواقعية بأن يكون الأدب الذي ينتجه الأديب الواقعي قادرًا على تمثيل الواقع المحيط بأبعاده وملامحه الدقيقة، ويهتم بكل مكوناته، فتكون الصورة واضحة ودقيقة، وهذا يجعل الأدب الواقعي بعيدًا عن الغموض والإشارات، بل على العكس يتسم بالدقة في التصوير والأسلوب المباشر.


خصائص المدرسة الواقعية في الأدب العربي

ما هي أبرز المميزات التي اتسمت بها المدرسة الواقعية في الأدب العربي؟

احتلت المدرسة الواقعية في الأدب مكانة مهمة، وكان لها حيز كبير في مناقشات النقاد والأدباء، ومن أبرز خصائص المدرسة الواقعية في الأدب العربي:[٣]


  • الشمولية: مع أن نشأة الواقعية كانت في حدود إقليمية صغيرة، إلا أن الظروف البيئية والمجتمعية التي كانت تحيط بها في المجتمعات وبلدان العالم ساعدت في انتشارها، ووصولها إلى كل أنحاء العالم، حتى اتسمت بالعالمية والشمولية لكل العالم.
  • وضوح الرؤية: تهتم المدرسة الواقعية بالنظرة الواضحة للمستقبل، وتبتعد عن الغموض في الحياة، وتدعو في مبادئها إلى النظر للمستقبل نظرة واضحة وعميقة، ولا بد لهذه النظرة أن تكون واعية وخبيرة بظروف الحياة، بعيدة عن العبثية والتكهن.


  • القدرة على التجدد: اتسمت المدرسة الواقعية بمواكبتها لمدارس أدبية أخرى سبقتها، وغيرها جاءت بعدها، ومع ذلك استطاعت المدرسة الواقعية أن تكون ثابتة في وجه كل التغيرات، واستفادت في كثير من خصائصها وسماتها من مدارس أدبية أخرى، وحافظت على كيانها.
  • التحرر من قيود المذهب: لم تعد الواقعية في نظر الأدباء والنقاد مذهبًا له قيود وحدود، إنما عالميتها ودقتها ساعدت في جعلها منهجًا متكاملًا خالٍ من القيود والحدود التي تضيق على الأدباء وتحد من حريتهم في التعبيروالتصوير، إضافة إلى أن اتخاذ العالم كله أداة للتصوير ساعد في فك القيود عن الواقعية.


لقراءة المزيد، انظر هنا: خصائص المدرسة الواقعية.


أقسام المدرسة الواقعية في الأدب العربي

ما هي الأسس التي اتبعها الواقعيون في وضع أقسام المدرسة الواقعية؟

إن المدرسة الواقعية في الأدب العربي كغيرها من المدارس الأدبية لا بد أنها انقسمت لأقسام عدة وذلك حسب اختلاف أعلامها ومنظّريها في نظرتهم للأدب الواقعي، وكيفية تصوير الواقع.


الواقعية الطبيعية

أول أقسام الواقعية وهي التي تهتم بتصوير الواقع كما هو دون زيادة أو نقصان، ولعل هذا القسم هو الذي بدأت به بذور الواقعية في الأدب والنقد، وفيها يُسلط الضوء على كل تفاصيل المجتمع بعيدًا عن أي تدخل من الأديب أو عرض لخياله أوحتى انحراف عن الحقائق.[٤]


الواقعية النقدية

وهي التي يكون الأدب فيها مجرد مصور للعيوب والنقائص دون محاولة اقتراح حلول تساعد في تطور المجتمع، وهذا فيه الكثير من السلبية ولا يُساعد في تطور المجتمع أو تقدمه، إنما على العكس يكون سببًا في إحباط المجتمع وتثبيط همم الأفراد ونشر جو من البؤس والسوداوية في الأرجاء.[٥]


الواقعية الاشتراكية

هي التي ارتبطت بالنقد الماركسي الذي ظهر في روسيا وتبناه كثير من الأدباء والنقاد العرب والغرب، فهي الواقعية التي تُوجّه اهتمامها إلى طبقات العمال الكادحة والمضطهدة، وتُسلّط الضوء على عذاباتهم وشقائهم وتعبهم، وهي في أغلبها تسعى لإيجاد حلول لهذه الطبقة من خلال شخصيات الأعمال الأدبية التي تقدمها، ولها أسماء عدة مثل الواقعية الأيديولوجية والاشتراكية.[٤]


أعلام المدرسة الواقعية في الأدب العربي 

ما هي أبرز الأسماء العربية التي تبنت الفكر الواقعي في أعمالها الأدبية؟

أدباء كثر تبنوا مبادئ المدرسة الواقعية في الأدب، وفي مختلف أنحاء العالم، ولعل أبرز أعلام المدرسة الواقعية في الأدب العربي:[٦]


  • عمر الفاخوري: اهتم الفاخوري في أعماله الأدبية بتصوير موضوع يهم كل المجتمعات، وهو الكفاح ضد العدوان، وكان ذلك بأسلوب يتوافق مع مبادئ الواقعية في الأدب، وفيه من التجديد ما يميزه عن غيره من أدباء الواقعية.
  • مصطفى الحلاج: تميزت واقعية الحلاج بابتعادها عن النمطية أو الروتين الذي درج عليه كثير من أدباء العرب، فكان يعالج في أعماله الأدبية مواضيع بسيطة من حيث الفكرة، إلا أنها تشكل قضايا مجتمعية مهمة لكل المجتمعات، مثل تنظيم الأسرة ورعاية الأولاد.


  • حنا مينا: اقتبس حنا مينا في أعماله الكثير من أسلوب الواقعية الماركسية، حتى كادت أعماله كلها تتشابه في الفكرة الرئيسة، فجل أعماله عن طبقة العمال والفلاحين والكادحين الذين يُستغلّون من قبل الإقطاعيين والتجار.
  • مواهب الكيالي: كاتب سوري، اعتنق الواقعية الماركسية أو ما تُعرف بالاشتراكية في أعماله الأدبية، فصوّر كثيرًا من معاناة الشعوب، وعذابات المجتمع السوري وشقائه، وكان له أعمال صور فيها مكافحة العدوان الفرنسي في سورية.


نماذج من المدرسة الواقعية في الأدب العربي

ما هي أبرز الأعمال الأدبية التي تُعد نموذجًا للمدرسة الواقعية العربية؟

يزخر الأدب العربي بالنتاجات التي تبنت مبادئ المدرسة الواقعية وخصائصها، وذلك بأقسامها المتعددة، وفي ما يأتي نماذج من المدرسة الواقعية في الأدب العربي:

  • رواية الشراع والعاصفة: رواية كتبها الأديب السوري حنا مينا، يصور فيها حياة العمال في المرفأ وصراعهم مع البرجوازيين أصحاب المصالح، ويدافع بأسلوبه عن العمال الكادحين الذين يهتمون بمصالح وطنهم وتقدمه، وهم بخلاف أولئك البرجوازيين الأنانيين المهتمين بمصالحهم فقط.[٧]


  • أقاصيص حفرة على الجبين: للقاص السوري سعيد حورانية، هي مجموعة قصصية تركت أثرًا بارزًا في تاريخ الأدب الواقعي، وذلك لاتجاهها إلى تصوير العامل الواعي الثوري، وبذلك تبين للقارئ أن طبقة العمال ليست من الجهلة أو الأغبياء أو البلهاء، بل هم على درجة من الوعي والنضج، إلا أن الحياة القاسية منعتهم من أبسط حقوقهم.[٦]


  • أقصوصة حطب: للكاتب عادل أبو شنب، وهي قصة تدور حول أحداث واقعية لها علاقة بموضوع المرأة ومعاناتها في المجتمع، وفيها يصور الأوضاع القاسية التي تعانيها المرأة، وظروف العمل التي لا تُطاق، ولا تتناسب مع طبيعتها الجسدية.[٦]


كتب عن المدرسة الواقعية في الأدب العربي

هل اهتمت كتب الأدب العربي بالمدرسة الواقعية وخصصت لها مساحة كافية في طياتها؟

إن ظهور المدرسة الواقعية في ساحة النقد العربي والأدب العربي جعل الكثير من النقاد والمهتمين بالأدب والمدارس الأدبية يوجهون اهتمامهم إلى الواقعية ومبادئها وخصائصها، فصدرت كثير من المؤلفات التي اهتمت بالمدرسة الواقعية في الأدب العربي، ومنها:


  • منهج الواقعية في الإبداع الأدبي: كتاب نقدي للدكتور صلاح فضل، وهو يهتم في هذا الكتاب بالجانب التنظيري للواقعية ومبادئها، ويحاول أن يوضح الخطوط العريضة للمدرسة الواقعية ومبادئها وخصائصها التي تميزها عن غيرها من المدارس الأدبية، مع التنبيه إلى الواقعية الغربية وجذورها في الدول الغربية.[٣]


  • دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي: كتاب تطبيقي لمبادئ المدرسة الواقعية وخصائصها، كاتبه حسين مروة، وعمد فيه إلى تطبيق أسس المنهج الواقعي من خلال دراسة مجموعة من الأعمال الأدبية الواقعية، ومحاولة الوقوف عند أبرز خصائص المدرسة الواقعية في هذه الأعمال المدروسة.[٨]


  • الواقعية في الأدب: كاتبه عباس خضر، وفيه جمعٌ ما بين تنظير للواقعية وتعريفها، وبعدها ينتقل إلى معالجة مجموعة من القضايا المتعلقة بالنقد الواقعي والأدباء العرب ومنهم إحسان عبد القدوس ومناقشتها وفق أسس ومبادئ تتصل بالواقعية الأدبية ومبادئها.[٩]


  • الواقعية في الأدبين الروسي والعربي: للكاتب ماجد علاء الدين، وهو كتاب نقدي يعرض فيه تاريخ الواقعية النقدية، وأصول نشأتها، ثم يبين كيفية وصولها إلى أدباء العرب، ويعرض أبرز نتاجات الأدب الواقعي عند الغرب والعرب، ويحاول استنباط التشابه بين هذه النماذج وفق نظرة موضوعية شاملة.[٦]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث الرشيد بوشعير، الواقعية وتياراتها في الآداب السردية الأوروبية (الطبعة 1)، دمشق:دار الأهالي، صفحة 6-7-8. بتصرّف.
  2. ^ أ ب سعد البازعي (2004)، استقبال الىخر (الطبعة 1)، المغرب:المركز الثقافي العربي، صفحة 135-136-137. بتصرّف.
  3. ^ أ ب صلاح فضل (1980)، منهج الواقعية في الإبداع الأدبي (الطبعة 2)، صفحة 5-6-7. بتصرّف.
  4. ^ أ ب غسان السيد ووائل بركات (2003)، اتجاهات نقدية حديثة ومعاصرة، صفحة 53-55. بتصرّف.
  5. يوسف نور عوض (1994)، نظرية النقد الأدبي الحديث (الطبعة 1)، القاهرة:دار الأمين، صفحة 33. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث ماجد علاء الدين، الواقعية في الأادبين الروسي والعربي، دمشق:دار أرسلان، صفحة 192-115. بتصرّف.
  7. حنا مينا، الشراع والعاصفة، صفحة 205. بتصرّف.
  8. حسينمروة (1988)، دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي، بيروت:مكتبة المعارف ، صفحة 445. بتصرّف.
  9. عباس خضر، الواقعية في الأدب، صفحة 200. بتصرّف.
7012 مشاهدة
للأعلى للسفل
×