المرأة الشهوانية من وجهة نظر طبية

كتابة:
المرأة الشهوانية من وجهة نظر طبية

المرأة الشهوانية

تتميّز الاستجابة الجنسية البشريّة الطبيعيّة بأنّ لها مكوّناتٍ متعدّدة، بما في ذلك الإثارة والجماع والنشوة الجنسيّة، ويختلف التحفيز الذي يؤدي إلى الإثارة الجنسية من شخص لآخر، ويتم تحديده من خلال مجموعة من العوامل النفسية والجينية والعصبية، وقد تؤدي بعض العوامل الطبيعية أو المرضية إلى فرط النشاط الجنسي لدى كل من الذكور والإناث، وسيتمّ التركيز في هذا المقال على المرأة الشهوانية من وجهة نظر طبية وهرمونية، مع بعض النواحي النفسية. [١]

استخدمت العديد من التسميات المختلفة للإشارة إلى حالة فرط النشاط الجنسي لدى النساء، وتسمّى المرأة التي تسلك سلوكًا مفرطًا في النشاط الجنسي بالمرأة الشهوانية، وتطلق أسماء مختلفة على حالات الشهوانية المفرطة، وذلك اعتمادًا على النظرية التي يفضلها علماء السلوك أو الأعصاب، أو اعتمادًا على السلوك المحدّد الذي كانوا يدرسونه، وتشمل الأسماء العلمية المعاصرة مصطلحات كالسلوك الجنسي القهري، والشبق الجنسي، والدافع الجنسي المفرط أو الفائق، واضطراب فرط الجنس أو المرأة ذات مشكلة فرط الجنسانية، والإدمان الجنسي، والإكراه الجنسي، والتبعية الجنسية، والاندفاع الجنسي، والسلوك الجنسي الخارج عن السيطرة، وهي مصطلحات تصف المرأة الشهوانية من وجهة نظر طبية ونفسية. [٢]

المرأة الشهوانية والهرمونات

تتعرّض الأنثى مثل العديد من أنواع الثدييات، بما في ذلك البشر والقطط والكلاب، إلى الشبق، وهي فترة تُقدَّر بعدّة ساعات أو أيام تنشط فيها الأنثى جنسيًّا، أو تزداد لديها الرغبة في ممارسة الجنس، وفي هذه الفترات تحديدًا ترتبط المستويات الهرمونية في جسم الأنثى بالسلوك الجنسي ارتباطًا وثيقًا، وقد كانت التفسيرات القديمة للسلوك البشري أو سلوك القرود الجنسي تعتمد على دورات الحيض بدلًا من الاعتماد على فترات الشبق لتفسير السلوك الجنسي النَّشِط. [٣]

وتظهر إناث الإنسان دافعًا جنسيًّا نشطًا نسبيًّا طوال فترة الدورة الشهرية، إذ تشير بعض النساء إلى شعورهن بقدر أكبر من الاهتمام بالجنس في وقت قريب من الإباضة، وهو وضع له فوائد واضحة لتكاثر النوع البشري، اذ إنّ هذا الوقت تحديدًا هو الوقت الذي يؤدي فيه السلوك الجنسي إلى الحمل، وتشير بعض الدراسات النفسية التي اجريت عن النساء في فترات الإباضة، بأن النساء قمن بإجراء تقييمات أكثر دقة للتوجه الجنسي للرجال، لكن لا يظهرن أي تغيير مماثل في قدرتهن على تحديد الميل الجنسي للنساء الأخريات. [٤]

إنّ سلوك النساء في فترة الإباضة يعكس نشاط الهرمونات المسؤولة عن الدورة الشهرية، لكن هذه الهرمونات لها تأثير ضئيل على الاهتمام الجنسي، إذ ينتج انقطاع الطمث تغيرات جوهرية في مستويات الهرمون الأنثوي لدى المرأة، لكن ليس له تأثير يذكر على اهتمام الأنثى ونشاطها الجنسي، فغالبًا ما تستجيب النساء لهذا التغيير في الخصوبة عبر زيادة الاهتمام بالنشاط الجنسي، فإذا كانت مستويات الهرمونات الأنثوية لا ترتبط بمستوى الاهتمام الجنسي للمرأة، فهل هناك عوامل بيولوجية أخرى، والإجابة أنه قد يرتبط الاهتمام الجنسي بالنشاط المتعلق بمستويات هرمون الذكورة، التيستوستيرون، فعادة ما تنتج النساء حوالي عُشر كمية التستوستيرون التي ينتجها الذكور، وغالباً ما تؤدي الحالات الطبية التي يقل فيها إنتاج المرأة لهرمون التستوستيرون إلى خلل جنسي، فعندما يتم حقن النساء بجرعات منخفضة من هرمون التستوستيرون أو يتم تنشيط الهرمون من خلال رقعة خاصة بالجلد، فإنهن يبلغن عن ممارسة العلاقة الجنسية بشكل متكرر ويتمتعن بها بشكل أكبر. [٥]

المرأة الشهوانية والسلوك المعرفي والاجتماعي

تتحسن درجة الاستجابة الجنسية عندما يتم التعامل مع النساء وحثّهن على التفكير بأفكار رومانسية، وبالرغم من أنّ الجوانب الجسدية للتحفيز الجنسي قد تكون مهمة، فإنها تتفاعل دائمًا مع التأثيرات الاجتماعية والمعرفية، ففي فترة الإباضة والخصوبة، تقدم النساء إشارات خفية حول خصوبتهن، إذ يمكن للملاحظين تحديد النساء اللواتي كن قريبات من الإباضة استنادًا إلى مدى اهتمامهن بجاذبيتهن خاصّة ما يتعلق منها بالملابس، إذ تُظهر النساء في فترات الإباضة مزيدًا من الاهتمام بالتفاصيل المتعلقة باللباس والشعر والمكياج، وتتحدث النساء أيضًا بأعلى درجات النغمات الأنثوية عند فترة الإباضة مقارنة بأوقات أخرى من الدورة الشهرية، خاصة في المواقف الاجتماعية التي تسمح بذلك. [٦]

وقد أسفرت بعض الأبحاث المختبرية عن معلومات حول الدورة البشرية للاستجابة الجنسية، إذ تحتوي هذه الدورة على أربع مراحل لكل من الرجال والنساء، وهي: الإثارة الأولية، ومرحلة القمة، ومرحلة النشوة الجنسية، ثم مرحلة الكمون، حيث يعود الشخص إلى حالة الاسترخاء، وقد تحصل لدى الإناث بعض المشكلات التي تعيق اكتمال هذه الدائرة، ومن أمثلة هذه المشكلات الجنسية الشائعة، عدم القدرة على الوصول إلى النشوة الجنسية، والتي تسمى أيضًا بأضطرابات الاستثارة، والتي ترتبط أيضًا بعوامل نفسية مثل الوعي الذاتي، وعدم الثقة بالنفس، والاكتئاب، وعدم الرضا عن طبيعة العلاقة الرومانسية نفسها. [٧]

المرأة الشهوانية من وجهة نظر طبية

ناقشت مجموعة من الأبحاث المرأة الشهوانية من وجهة نظر طبية عصبية، وتوصلت الى أنّ فرط النشاط الجنسي قد يكون حالة أو مرضًا بحد ذاته، أو قد يكون أحد أعراض مرض أو حالة طبية أخرى، على سبيل المثال، فإنّ الشهوانية المفرطة كانت إحدى أعراض متلازمة كلوفر بوسي أو الاضطراب ثنائي القطب، وقد يظهر فرط النشاط الجنسي أيضًا كأثر جانبيّ للأدوية، كالأدوية المستخدمة لعلاج مرض الشلل الرعاشي، ولم يُجمِع الأطباء حتى الآن حول ماهية أفضل طريقة لوصف المرأة الشهوانية من وجهة نظر طبية، ولم يتم تحديد مدى ملاءمة وصف مثل هذه السلوكيات أو الإصابات كنوع منفصل من الأمراض. [١]

إن تنظيم الاستجابة الجنسية للإنسان والأساس العصبي للسلوك الجنسي هو مجال من مجالات علم الأعصاب غير المفهومة بشكل جيّد حتى الآن، وإنّ الكثير من البيانات والمعلومات يتم الحصول عليها من دراسة الإصابات العصبية لدى البشر وكذلك الحيوانات، لكن الدراسات الحيوانية لا تنطبق بشكل كامل على البشر، فحتى بالنسبة للرئيسات غير البشرية، فإن لها سلوكيات جنسية تختلف بشكل ملحوظ عن سلوكيات الرجال والنساء، ويعدّ تدنّي الدافعيّة الجنسيّة شائعًا كنتيجة ثانوية لحالات الإصابة في المخ، على الرغم من أن الإصابات التي تظهر بالتزامن مع هذه الحالة هي إصابات متنوعة جدًا، حيث يصعب مع هذا التنوع تحديد المنطقة المخية المسؤولة عن الاهتمام الجنسي المتناقص، أمّا دراسة فرط النشاط الجنسي عند البشر بعد إصابة الدماغ فإنّها تعطي أدلة مهمة حول مناطق الدماغ المشاركة في الاستجابة الجنسية الطبيعية، وتعرض دراسة بروس وزملائه 1986 مجموعة من ثمانِ حالات من الإصابات الدماغية، أظهرَ فيها الأفراد المصابون بعض التغيرات في الدوافع الجنسية، وتمّ تقسيم الحالات الثمانية الموصوفة في هذه الدراسة إلى فئتين متداخلتين، حيث عرضت الحالات من 1 إلى 4 زيادة في النشاط الجنسي، وعرضت الحالات من 5 إلى 8 تغييرًا في التفضيل الجنسي مع أو دون زيادة في الدافع الجنسي. [١]

ان ما أظهرته المجموعة الأولى من المرضى يعبّر عن الشهوانية الجنسية أو زيادة النشاط الجنسي بشكل عام، وارتباط هذه الشهوانية الجنسية في الغالب بتجاهل عام للسلوك الأخلاقي وعدم القدرة على ضبطه، وهذا بالضبط ما يتفق مع تعريف مصطلح المرأة الشهوانية من وجهة نظر طبية، ففي بعض الحالات أظهر المرضى أعراض للهوس الثانوي، وتم وصف التهيّج الجنسي والخيالات العامّة بأنها مرتبطة بخلل وظيفي في الفصّ الجبهي، إذ كان هنالك أدلة للإصابة في هذه المنطقة للشخصين الأول والثاني عن طريق الفحص بالأشعة المقطعية، ففي الحالة الأولى، كانت الإصابة ناجمة عن تمزق الأوعية الدموية في المنطقة، وفي الحالة الثانية كان هناك ورم سحائي تحت غشاء الأم الجافية، وذلك موجزُ ما جاء حول حالة المرأة الشهوانية من وجهة نظر طبية. [١]

دراسة حالة لامرأة شهوانية

أصيبت امرأة في الحادية والثلاثين من العمر بصداع شديد وتم نقلها إلى المستشفى، حيث كشف التصوير المقطعي بقع من الدم في الحوض القاعدي في الدماغ، وأظهر تصوير الأوعية الدموية تمدد الشريان المخيخي الأعلى، وقد تم علاج تمدّد الأوعية الدموية جراحيًّا، لكن بعد خمسة أيام من العملية أصيبت بجلطة دماغية تاركة حركة لا إراديّة في الجانب الأيسر من الجسم، وعجزًا حسيًا، وتغييرًا في السلوك، ففي السابق كانت ذات شخصية خجولة، لكنها بدأت تتحدث باستمرار عن الأمور الجنسية، وتحاول التحرش بأطبائها، كما أنها ابتكرت خيالات جنسية نحو أحد الأطباء وناقشته علانية عن رغباتها، باستعمال لغة جنسية صريحة بالرغم من وجود الآخرين، وكان فرط النشاط الجنسي موجّهًا نحو الاطباء الذكور فقط. [١]

وفي إحدى المرات طلبت ممارسة الجنس مع مريض يبلغ من العمر 70 عامًا كان يعاني من السرطان، وأثناء وجودها في المستشفى، وصفت المريضة نفسها بأنها تشعر بالإثارة الجنسية الشديدة، بتذكُّرِها حوادثَ جنسيّة في الماضي، إذ تذكرت الشعور بالدفء والإثارة تقريبًا طوال الشهر، وبالإضافة إلى الإثارة الجنسية زادت رغبتها في النوم وزاد اضطراب اوقات النوم لديها، وازداد كذلك التشتت الفكري لديها، وكشف فحص الحالة النفسية والعقلية الذي أجري لها أنّ الانتباه والإدراك كانا طبيعيّين، واللغة المنطوقة كانت سليمة، وكذلك قدرات الذاكرة والحساب، وكانت طريقة كتابتها صغيرة جدًا، وواجهت صعوبةً في نسخ الرسومات ثلاثية الأبعاد، إذ كانت تعاني من شلل نصفي خفيف في جانب اليسار، وعجز في نصفي الحواس اليسرى، بما في ذلك تناقص في التحسس للألم ودرجة الحرارة، وأظهر الفحص بالأشعة المقطعية وجود بقع مضاءة في مناطق المهاد وتحت المهاد، ومع التعافي التدريجي اختفى النشاط الجنسيّ المتزايد لديها بعد شهر واحد. كانَ فيما تقدّم توضيحًا حول ما قيل عن حالة المرأة الشهوانية من وجهة نظر طبية. [١]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح , Bruce Miller, Jeffrey Cummings, Hugh Mcintyre,et al., (1986), "Hypersexuality or altered sexual preference following brain injury", Journal of Neurology, Neurosurgery & Psychiatry , Issue 49, Folder 8, Page 868. Edited.
  2. "Hypersexuality", en.wikipedia.org, Retrieved 25-6-2019. Edited
  3. Rushton, Dover, Sainsbury et al., (2001), "Why should women have lower reference limits for haemoglobin and ferritin concentrations than men?", British Medical Journal, Issue 322, Page 1356. Edited.
  4. John Cacioppo, Freberg Laura (2013), Discovering psychology: The science of mind, CA-USA: Wadsworth, Page 309. Edited.
  5. Desiree Kronawitter, Louis Gooren, Hendryk Zollver et al., (2009), "Effects of transdermal testosterone or oral dydrogesterone on hypoactive sexual desire disorder in transsexual women: results of a pilot study", European Journal of Endocrinology, Issue 161, Page 363–364. Edited.
  6. Martie Haselton, Kelly Gildersleeve (2011), "Can Men Detect Ovulation?", Current Directions in Psychological, Issue 20, Folder 2, Page 90. Edited.
  7. Bonnie R. Strickland (2001), The Gale encyclopedia of psychology, Farmington Hills, MI, USA: Gale Group, Page 596. Edited.
5857 مشاهدة
للأعلى للسفل
×