المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية

كتابة:
المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية


مفهوم المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية

بدايةً ينبغي الإشارة إلى أنّ فقهاء الشريعة الإسلامية القدامى لم يستخدموا مصطلح المسؤولية الجنائية في كتبهم، على الرغم من تحدثهم وشرحهم لأحكام المسؤولية الجنائية بكل تفاصيلها، ويُقصد بمصطلح المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية: التبعة التي يتحملها الشخص الجاني لأي تصرف مُحرّم يقوم به، ويضرّ به أو بالمجتمع، ممّا يتعلق بالاعتداء على النفس والجسد.[١]

شروط المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية

لقيام أحكام المسؤولية الجنائية على الشخص وفقاً للشريعة الإسلامية ينبغي توفر ثلاثة شروط أساسية، وفي حالة انعدام أيٍّ منها فلا يمكن الاحتجاج بها في مواجهة الشخص الذي صدر عنه الفعل، وهذه الشروط هي:[٢]
  • ارتكاب الشخص لفعلٍ محرَّمٍ بموجب أحكام الشريعة الإسلامية.
  • ارتكاب الفعل المحرّم ينبغي أن يكون باختيار الشخص وألا يكون مُكرهاً عليه.
  • أن يكون الشخص عاقلاً مدركاً لعواقب فعله المحرم شرعاً.

مبادئ المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية

من أهم المبادئ التي نصت عليها الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية ما يلي:

  • أنّ هذه المسؤولية شخصيَّةٌ، وبالتالي لا يُسأل عن الفعل المحرَّم إلّا من صدر عنه، وبالتالي لا يمكن أن يتمّ إيقاع المسؤولية على غيره مهما كانت درجة القرابة أو الصلة، لقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[٣].[٤]
  • أنّ المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية لا تقوم إلا على الشخص المُكلف؛ أي البالغ العاقل، فالطفل والمجنون لا تقع عليهما مسؤوليةٌ جنائيةٌ في الشريعة الإسلامية، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: [رُفِع القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يشِبَّ، وعن المعتوهِ حتَّى يعقِلَ][٥].[٤]
  • أنّ الشخص المُكره على الفعل لا يؤاخذ ولا يعاقب، لقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}[٦]، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: [وُضِعَ عن أُمَّتِي الخطأُ والنسيانُ وما استُكرهوا عليهِ][٧].[٤]
  • لا تقوم المسؤولية الجنائية في الإسلام إلا على الإنسان الطبيعي، فلا تقوم أحكام المسؤولية على الجماد أو الحيوان؛ لانعدام الاختيار والإدراك لديهما.[٨]
  • من شروط قيام المسؤولية على الشخص أن يكون الإنسان الجاني على قيد الحياة عند الاحتجاج بالمسؤولية الجنائية في مواجهته، وبالتالي لا مسؤولية جنائية على من فارق الحياة، إذ تقضي القاعدة الفقهية العامة بأنّ الموت يُسقط التكاليف إسقاط المسؤولية الجنائية عليه.[٨]
  • لم تعترف الشريعة الإسلامية للأشخاص المعنويين بالمسؤولية الجنائية؛ لأنها ترى أن أحكام هذه المسؤولية تُبنى في الأساس على الإدراك والاختيار، وكلا هذين الأمرين لا يتوافران في الشخص المعنوي، ولكن إذا صدر الفعل المحرّم ممّن يتولى مصالحها؛ فإنّ أحكام المسؤولية الجنائية تقوم في مواجهته، ويصبح مسؤولاً عن فعله، أمّا الشخص المعنوي، فقد عرّفه فقهاء الشريعة بأنّه عبارةٌ عن شخصٍ قادرٍ على تحمّل الالتزامات واكتساب الحقوق شأنه شأن الإنسان الطبيعي، وأوردوا أمثلةً عليه مثل؛ بيت المال، أو المدارس، أو المستشفيات، أو الملاجئ وغيرها من الأشخاص المعنوية.[٨]


المراجع

  1. مأمون وجيه الرفاعي، نظرية المسؤولية الجنائية في الفقه الإسلامي، صفحة 78-79. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، صفحة 190. بتصرّف.
  3. سورة فاطر، آية:18
  4. ^ أ ب ت عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي، صفحة 382. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في العلل الكبير، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:226، حديث حسن.
  6. سورة النحل، آية:106
  7. رواه ابن الملقن، في تحفة المحتاج، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:400، حديث صحيح أو حسن.
  8. ^ أ ب ت عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي، صفحة 393. بتصرّف.
2941 مشاهدة
للأعلى للسفل
×