محتويات
المنهج السيميائي
إن المنهج السيميائي من أهم المناهج النقدية في العصر الحديث، وقد كان له حضور بارز وواضح جدًّا في الدراسات المعاصرة في الغرب أو حتى في العالم العربي،[١]وسوف نسير في خط سير منهجي لعرض هذا المنهج وأثره في الدراسات النقدية العربية والغربية (العالمية) وفق ما يلي:
السيمياء في النقد العربي المعاصر
ظهر التطور الواضح في العالم العربي في مجال القراءات النقدية حديثًا من خلال زيادة الارتباط بين وعي القارئ الحداثي والنص الأدبي بذاته دون النظر إلى محيطه وجعل هذا المحيط يؤثر في عملية القراءة؛ فانحسرت بذلك المناهج التقليدية، كالتاريخي والاجتماعي والنفسي، وظهرت لنا المناهج المنسلة من اللسانيات الحديثة، والتي تهدف لدراسة النص لذاته وجعل لغته المصدر الأول للقوة في عملية النقد.[٢]
فظهرت المناهج الحداثية، كالأسلوبية، والبنيوية، والتفكيكية، والسيميائي، الذي هو عماد حديثنا في هذه المقالة، وكان له أثر عظيم في الدرس النقدي العربي الحديث، فبدؤوا أولا بالترجمة والتأصيل لهذا المنهج نظريًّا بالإضافة إلى ترجمة الأعمال النقدية السيميائية التطبيقية للعلماء الغرب لالتقاط المفاتيح الإجرائية لهذا المنهج وإعادة بلورتها على أدبنا العربي.[٣]
ساعدت دراسة العرب في الجامعات الغربية عملية الانتقال كثيرًا، فقد ظهر لدينا العديد من العلماء الذين درسوا السيمياء على يد السيميائيين الغربيين ونقلوها بعد ذلك لنا، وأول ما ظهر المنهج السيميائي عند العرب في المغرب العربي؛ لقربه الجغرافي من موقع إحدى المدارس الهامة (أقصد فرنسا) وامتلاكهم للغة الفرنسية بشكل ممتاز.[٣]
إن الحديث يطول في مجال علم العلامات وماهيتها في النقد المعاصر، ولعل العالم العربي لم يخلُ من أثر السيميائيات في نقده المعاصر على يد العديد من العلماء العرب الذين عرفوا الدراسات السيميائية منذ منتصف السبعينات أمثال:[٣]
- محمد مفتاح.
- مبارك حنون.
- محمد السرغيني.
- صلاح فضل.
- جميل حمداوي.
- فريال جبوري غزول.
- عبدالحميد بورايو.
- سعيد بنكراد.
- عبدالملك مرتاض.
- السعيد بوطاجين.
- يوسف وغليسي.
- رشيد بن مالك.
وغيرهم الكثيرون من العلماء العرب الذين كتبوا ودرسوا السيمياء، أما في مجال الترجمة فالحديث عظيم أيضًا بين يدي مترجمين عظام أمثال:
- محمد البكري.
- سعيد بن كراد.
- عبد الرحمن بوعلي.
وعلى غرار ذلك أُنشئت مجلات متخصصة في النقد السيميائي على غرار مجلة "الدراسات السيميائية الأدبية المغربية" وخصصت لها قواميس متخصصة كما فعل "رشيد بن مالك"، وأقيمت لها الندوات والملتقيات، وأسست لها الجمعيات على غرار "رابطة السيميائيين الجزائريين".[٤]
السيمياء واللسانيات
إن اختيار مصطلح السيميائية راجع لاتصال واضع علم اللسانيات الحديثة فرديناند دي سوسير بالإغريقية؛ إذ إن السيمياء كلمة من أصل إغريقي تعني علم العلامات،[٥]وللبحث في العلاقة بين اللسانيات والسيمياء أهمية عظيمة، فتتحدد علاقة المنهج السيميائي باللسانيات وفق سرد تاريخي منذ كتاب دي سوسير الذي أعطى أهمية واضحة للإشارات اللغوية، وللبنى التي كان يسميها أنساقًا.[٦]
أما الأثر الآخر الذي تركته اللسانيات الحديثة في السيميائيات فيتمحور حول ثنائية الدال والمدلول العظيمة التي أرسى دعائمها دي سوسير في تأسيسه للسانيات الحديثة، والتي قام المنهج السيميائي عليها من خلال فكرة توظيف العلامات داخل النصوص على شكل أنظمة تتفاعل مع بعضها على أنها الطرف الأول من هذه الثنائية (الدال) لتحقيق الثنائية الأخرى وهي (المدلول).[٧]
أما الأثر الأكبر الذي تركته اللسانيات على الدرس السيميائي فهو ترك المعاملة اللغوية الفردية والانفتاح الكلي على النص بأنه بنية كلية تحمل داخلها بنى أخرى أصغر تتفاعل فيما بينها لتحقيق التماسك الكلي، فتكون بذلك الإشاريات اللغوية مرتبطة بكلية النظام النصي لا بفردية الإشارة، وبذلك تتحقق رؤية نظام العلامات على أنها مجموعة من العلامات المكونة للنص لا علامة واحدة مفردة.[٨]
العالم | رأيه |
فرديناند دي سوسير | السيميولوجيا أصل واللسانيات فرع منها |
رولان بارت | اللسانيات أصل والسيميولوجيا فرع منها |
النحوية أصل واللسانيات والسيميولوجيا فرع منها |
السيمياء بين المدرسة الأوروبية والمدرسة الأمريكية
لعل الترجمة العربية لمصطلح سيميائي/ سيميوطيقي يأخذنا لمصطلح علم العلامات الذي يُعنى بالبحث في الإشاريات اللغوية داخل النصوص دراسة منظمة منتظمة،[١٠] أما عن التعدد في اللفظ الأصلي (سيميائية- سميوطيقية) فهو راجع لأن المصطلح الغربي عند وضعه كان متعددًا بين semiology وsemiotics وفق الجدول الآتي:[٩]
الاسم الأصلي | semiology | semiotics |
باللغة العربية | سيميائية | سميوطيقية |
واضع المصطلح | فرديناند دي سوسير | تشارلز ساندرز بيرس |
جنسية صاحب المصطلح | سويسري | أمريكي |
يفضل استخدامه | الأوروبيون | الأمريكان |
أما العرب فيفضلون تسميتها بالـ "سيميائية" وذلك لأن أصلها اللغوي مرتبط بحقل دلالي لغوي/ثقافي يحضر معها فيه كلمات مثل: (سمة، وسام، التسمية، الوسم، الميسم، السيماء والسيمياء) كما يقول الدكتور معجب الزهراني.[١١]
بين السيميائية والبنيوية
وتنتمي السيميائية كحقل دراسي إلى البنيوية؛ إذ يصعب التفريق بينها وبين البنيوية تفريقًا جامعًا مانعًا، إذ ذهب الدارسون في المجالين لأولوية إحداها على الأخرى لا للتفريق بينها وذلك لصعوبة الأمر، وقد فرق بينهما جوناثان كولر تفريقًا يبين مدى صعوبة الأمر وفقًا لجغرافية المصطلح؛ فالدراسات التي أجراها الفرنسيون هي دراسات بنيوية فقط، وقد خالفه في ذلك آخرون مثل هوكس.[٩]
أما التفريق بينهما فهو موجود رغم أن الدراسة السيميائية تستخدم الأساليب البنيوية في دراسة العلامة، وذلك بقصر الدراسات السيميائية تركيزها على دراسة أنظمة العلامات اللغوية الموجودة أصلًا في الثقافة، والتي عرفت بأنها أنظمة قارة قائمة في بيئة محدودة، أما البنيوية فتدرس العلامات سواء أكانت جزءا من نظام أقرته الثقافة كنظام أو لم تقره.[١٢]
ولعلنا نجد فرقا آخر بين البنيوية وعلم العلامات (السيميائية) إذا اعترفنا بالفرق بين اللغة (النظام) واللغة (الأداء) فإننا نجد مجال الدراسة للسيمياء في اللغة (النظام) دون اللغة (الأداء)؛ ولهذا فإن السيميائية ستظل ممارسة استقرائية استنتاجية، وهذا ما يجعلها تقوم على أهمية الذات المدركة والمنتجة، ويجعلها تنحى منحى الاتصال، ولعل هذا ما توقعه هوكس بأن السميائية نظرية اتصال ضمن منهج بنيوي.[١٣]
أهم أعلام المنهج السيميائي
ومن أشهر أعلام السيميولوجيا:
- تشارلز ساندرس بيرس.
- رولان بارت.
- ألخيرداس جوليان غريماس.
- رومان ياكبسون.
- أمبيرتو إيكو.
- مايكل ريفاتير.
- جوليا كرستيفا.
- باربرا هيرنستاين سميث.
وجميع من سبق ذكرهم من أعلام مدرسة تشارلز ساندرس بيرس مع استثناء علماء مدرسة فرديناند دي سوسير لعدم إمكانية حصرهم جميعًا في هذا المقام، غير أن العالم الأهم والمؤسس للدراسات السيميائية من بين كل هؤلاء هو الفيلسوف الأمريكي تشارلز ساندرس بيرس؛ فهو الذي وضع نظامًا معقدًا لدراسة العلامات، ولكنه رغم تعقيده يتفق مع دي سوسير في تكوين الإشارات للأنظمة الإشارية.[٩]
ما يتفق به تشارلز ساندرس بيرس وفرديناند دي سوسير
يبحث تشارلز ساندرس بيرس كما فرديناند دي سوسير عن النظام والقانون المنتظم الذي يدير العلاقات بين العلامات في النظام العلاماتي الواحد في النص، أي العلاقات بين الدال والمدلول، فهو بلغة فرديناند دي سوسير يبحث عن اللغة النظام التي تحكم حركة اللغة الأداء.[٧]
وبحسب نظرية بيرس فإن البيئة الدلالية العلاماتية تحتوي 4 عناصر حسب الآتي:[٧]
- العلامة بوصفها ممثلا أو مندوبًا ينوب عن شيء آخر.
- المادة المشار إليها أو الموضوع.
- المحلل: وهو الشخص الذي يعي ويدرك معنى الإشارة.
- الطريقة المحددة التي تكتمل بها العملية النيابية الإشارية (يسميها بيرس الأرضية أو الأساس).
وهذه العناصر الأربعة التي وضعها تشارلز ساندرس بيرس توضح لنا الآلية التي تؤديها العلامة وتحدد طبيعة العملية السيميولوجية.[٧]
المراجع
- ↑ سي فضيل فاطمة الزهراء، رزقي مليكة، الاتجاه السيميائي في النقد الأدبي العربي المعاصر، صفحة 1. بتصرّف.
- ↑ عائشة حمادو، السيميائية في النقد العربي المعاصر، صفحة 1-2. بتصرّف.
- ^ أ ب ت عائشة حمادو، السيميائية في النقد العربي المعاصر، صفحة 9. بتصرّف.
- ↑ عائشة حمادو، السيميائية في النقد العربي المعاصر، صفحة 9. بتصرّف.
- ↑ سي فضيل فاطمة الزهراء، رزقي مليكة، الاتجاه السيميائي في النقد الأدبي العربي المعاصر، صفحة 6. بتصرّف.
- ↑ عائشة حمادو، السيميائية في النقد العربي المعاصر، صفحة 13. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ميجان الرويلي، سعد البازغي، دليل الناقد الأدبي، صفحة 179.
- ↑ ميجان الرويلي، سعد البازغي، دليل الناقد الأدبي، صفحة 177-179. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ميجان الرويلي، سعد البازغي، دليل الناقد الأدبي، صفحة 177. بتصرّف.
- ↑ عائشة حمادو، السيميائية في النقد العربي المعاصر، صفحة 2. بتصرّف.
- ↑ ميجان الرويلي، سعد البازغي، دليل الناقد الأدبي، صفحة 178. بتصرّف.
- ↑ ميجان الرويلي، سعد البازغي، دليل الناقد الأدبي، صفحة 179. بتصرّف.
- ↑ ميجان الرويلي، سعد البازغي، دليل الناقد الأدبي، صفحة 179. بتصرّف.