حتى لو لم يتم التعرف بعد على المعادلة الدقيقة لصيغة التمارين الرياضية التي بإمكانها وقايتنا من النوبات القلبية، فإن هذا لا يمنع حقيقة أن التدريب الرياضي هو عامل وقاية فعال جدا
ما زالت النوبة القلبية تتصدر قائمة الأمراض في العالم الغربي، كما أنها تعتبر المسبب الأول للوفاة فيه. وعلى الرغم من اكتشاف واستخدام العديد من الأدوية التي تتيح لنا الوقاية من مخاطر الإصابة بأمراض القلب، خلال العقد الأخير، إلا أن الطب ما زال عاجزاً عن القضاء على هذا المرض. يبدو جلياً أن أحد عوامل الخطر للإصابة بأمراض القلب، والذي زاد تأثيره خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، هو قلة ممارسة النشاط البدني.
النوبة القلبية (Heart Attack)، أو ما يعرف بإسمه العلمي بـ-"احتشاء عضلة القلب" (Myocardial Infarction-MI) تسبب الضرر لأنسجة عضلة القلب، إذ لا يتم تزويدها بالدم كما يجب، الأمر الذي يؤدي الى النخر أي موت الأنسجة. كذلك، تبين أن الأشخاص الذين كانوا يمارسون النشاطات البدنية قبل أن يُصابوا بالنوبات القلبية، كانوا أقل تعرضا لمخاطر الإصابة بالأضرار في مرحلة ما بعد النوبة، وذلك لأن مساحة المنطقة المصابة بالنخر كانت أصغر، كما أن معدل الوفيات بين أفراد هذه الفئة، في أعقاب النوبات القلبية، كان منخفضاً جداً.
يستطيع النشاط البدني، أن يقلل الضرر الذي قد يلحق بعضلة القلب عند الإصابة بنوبة قلبية ناجمة عن انسداد الشرايين التاجية في القلب. تنصح جمعية القلب الأمريكية بالقيام بالتمارين الرياضية الهوائية (الإيروبيكا) متوسطة الشدة بشكل يومي لمدة نصف ساعة. وتظهر الدراسات أنه كلما زادت مدة النشاط البدني، تكون النتيجة أفضل، وتزداد قدرة القلب على المقاومة، مما يقلل احتمالات الوفاة عند الإصابة بنوبة قلبية.
تساهم ممارسة الرياضة البدنية بالحماية من الإصابة بأمراض القلب، وذلك لأن القلب الذي يتم تدريبه، يكون غنياً بالأوعية الدموية، وبالتالي فإنه يستطيع تزويد الأنسجة التي تصاب بالاحتشاء بكمية من الدم كفيلة بمنع موت هذه الأنسجة. إضافةً إلى ذلك، قد تكون هناك بروتينات ينتجها الجسم على مستوى الحمض النووي للخلية (DNA) في خلايا القلب، قادرة على حماية القلب من الأضرار التي قد تنجم عن نقص الأوكسجين. تساهم ممارسة الرياضة الهوائية في زيادة إنتاج هذه البروتينات التي تعمل كعلاج جيني للقلب.
كذلك، هنالك اكتشاف آخر في هذا السياق، وقد تم استنتاجه من الدراسات التي أجريت على الإنسان والحيوانات المختبرية، وهو أن ممارسة الرياضة الهوائية قادرة على تقليل تأثير الجهاز العصبي الوُدِّي (Sympathetic Nervous System) في الجسم. وهو الجهاز الذي يعمل عندما يقع الجسم تحت تأثير ضائقة ما. هذا الجهاز مسؤول عن ارتفاع ضغط الدم، زيادة معدل نبضات القلب كما أنه يقوم بإنتاج الهرمونات الخاصة بحالات الضائقة في الجسم. يؤثر الجهاز العصبي الودي على القلب والأوعية الدموية بشكل سلبي، ويعتبر فرط نشاطه أحد عوامل الخطر الهامة التي تؤدي للإصابة بنوبة قلبية. تساهم ممارسة الرياضة الهوائية في زيادة إفراز الأدرينالين (وهو من هورمونات الجهاز العصبي الوُدِّي) على المدى القريب، ولكنها تقلل من إفرازه على المدى البعيد. هكذا يساهم التدريب البدني بخفض ضغط الدم، إبطاء سرعة نبض القلب، وتقليل مستوى الالتهاب في الجسم، بالإضافة للحد من قابلية الأوعية الدموية للانسداد. الأمر الذي يمكنه منع حدوث النوبات القلبية واضطرابات نظم القلب القاتلة.
تعتبر ممارسة الرياضة عاملا مفيداً في تقليل احتمالات الإصابة بأمراض القلب، حتى في الحالات التي سبق للمريض فيها أن عانى من نوبة قلبية، وهو معرض للإصابة بنوبة قلبية أخرى. في أحد الأبحاث التي تم نشر نتائجها في مجلة جمعية الطب الأمريكية (American Journal of Medicine- JAMA)، والذي أجري على نحو 9,000 من المرضى الذين أصيبوا في السابق بنوبة قلبية، تبيّن أن ممارسة الرياضة البدنية في إطار برامج التأهيل القلبية، نجحت في منع معظم حالات الوفاة نتيجة الإصابة بنوبة قلبية أخرى، كما أن ممارسة الرياضة حسّنت جودة حياة مرضى القلب وأدائهم في خلال القيام بالمهام اليومية.
من المعروف أن التدريب البدني يساعد في تحسين الأمور التالية أيضاً:
- يخفض مستوى السمنة بشكل عام، ومستوى السمنة البطنية بشكل خاص.
- يساهم في تحسين توازن السكر والوقاية من الإصابة بمرض السُّكري.
- يقلل مستوى الكوليسترول السيء (البروتين الشحمي الخفيض الكثافة -LDL) ويزيد مستوى الكوليستيرول الجيد (ذات البروتين المرتفع الكثافة -HDL) .
- يقي من الإصابة بالتصلبات العصيدية- تصلب الشرايين (Atherosclerosis).
- يزيد من قدرة عضلة القلب على الإنقباض.
- يخفض ضغط الدم، من خلال تحسين تدفق الدم المحيطي الى العضلات الهيكلية.
- يقلل التوتر النفسي، ويزيد من الرفاهية.
تم مؤخرا إجراء بحث، في أحد مراكز الأبحاث المتقدمة في العالم، على الفئران، فجاءت نتائجه داعمة للفرضية التي تقول إن ممارسة الرياضة الهوائية تقلل من احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية. لقد تم إجراء هذا البحث على ثلاث مجموعات من الفئران: تم تدريب المجموعة الأولى وفق نظام تدريب مكثف، أما المجموعة الثانية فقد اتبع معها نظام تدريبي معتدل، بينما لم يتم تدريب فئران المجموعة الثالثة إطلاقا.
في المرحلة التالية من التجربة، تم فحص مدى مقاومة القلب لحدوث نوبة قلبية جرى إحداثها بشكل صناعي بواسطة تيار كهربائي. فأظهرت النتائج أنه كلما كان نظام التدريب مكثفاً أكثر، كان إحداث نوبة قلبية لدى الفئران وجعل القلب يتوقف عن النبض أكثر صعوبة.
ويبين بحث آخر، أنه حتى في الحالات التي تعرضت فيها الفئران لنوبة قلبية سابقة، وحتى لو عانوا من موت جزء من الأنسجة القلبية، نجحت الرياضة الهوائية في تقوية القلب ومنع حدوث إضطرابات في نظم القلب أو توقف القلب. وخلُص البحث للاستنتاج أن ممارسة الرياضة الهوائية بمثابة تحصين للقلب من اضطرابات النظم المُميتة التي تشوش النشاط الكهربائي الذاتي للقلب وتسبب الرجفان البطيني (Ventricular Fibrillation) وتوقف القلب عن العمل.
يجدر التنويه في النهاية إلى أنه، وعلى الرغم من إزدياد وتنامي الوعي لأهمية النشاط البدني لدى جمهور الأطباء ولدى الجمهور عامة، إلا أنه لم يتم التعرف بعد على المعادلة الصحيحة للنشاط البدني القادر على حماية القلب. فما زالت هنالك الكثير من التساؤلات حول مواصفات البرنامج التدريبي الأنجع. هل يتوجب أن يشمل برنامج التدريب أنواعا أخرى من التدريبات، كتمارين القوى مثلاً؟ ما هي درجة نبض القلب التي يتوجب الوصول إليها من أجل الحصول على حماية وحصانة قصوى للقلب؟ كم مرة يجدر القيام ببرنامج التدريب في الأسبوع وما مدة التمرين المثالية؟ أيُّهما أفضل، برامج التمارين المتواصلة، أم التدريب وفق برنامج الفواصل الزمنية (Interval Training - بمعنى الحفاظ على فواصل زمنية محددة بين التمارين المختلفة)، وغيرها الكثير من الأسئلة.