النقد في العصر الأموي

كتابة:
النقد في العصر الأموي

بيئة النقد الأدبي في العصر الأموي

كيف كانت طبيعة الحياة النقدية في العصر الأموي؟

كان للنقد الأدبي دوره الرائد في النهضة الفكرية واللغوبة والأدبية في هذا العصر، وقد اتخذ أشكالًا تتوائم مع كل بيئة من بيئاته وطائفة من طوائفه، وكانت هذه الأشكال وتلك الاتجاهات النقدية نتيجة حتمية لأسباب صنعتها كل بيئة من البيئات العربية المختلفة، وقد استطاعت هذه الأسباب أن تلون النظرات النقدية بطريقة واضحة وأن تؤثر في الآراء اللغوية تأثيرًا واضحًا.[١]


عوامل ازدهار النقد الأدبي في العصر الأموي

ما هي أهم الأسباب التي أدّت إلى تطور النقد في العصر الأموي؟

أدت العديد من الأسباب والعوامل إلى دفع عجلة النقد في العصر الأموي وازدهاره، منها ما يأتي:


تشجيع الخلفاء والأمراء

فتح الخلفاء والأمراء والقادة أبوابهم للشعراء فوفدوا من كل مكان، وكانت الجوائز التي يرصدونها للشعراء موقوفة على قدر شعرهم ومقدار براعتهم فيه، فاشتد التنافس بين الشعراء، وحرص كل منهم على أن يتخير معانيه وألفاظه بحيث تصغى لها القلوب والأسماع ويحظى صاحبها بالجوائز القيمة.[٢]


كان من خلفاء بني أمية أنفسهم من نقدوا الشعر وحكموا على الشعراء بالإجادة أو الإساءة مثل: سليمان بن عبد الملك، والحجاج بن يوسف الثقفي، وكان عبد الملك من أشهر خلفاء بني أمية في هذا المجال.[٣]


الصراع السياسي وما خلفه من أحزاب

نشأ في العصر الأموي عدّة أحزاب هي: الحزب الأموي، والحزب الزبيري، وحزب الشيعة المترقب عودة الحكم إليه، وحزب الخوارج، وكان تنوع هذه الأحزاب باعثًا قويًا من بواعث الأدب وقوة الشعر، وعاملاً قويًا من عوامل خصوبته وتعدد ألوانه وتعبيره الصادق عن تلك الحياة السياسية، وتصويره الدقيق لجوانب الحياة العربية وعناصرها النفسية الاجتماعية، ولا سيما ميدان الحديث عن العوامل وتصوير مشاعر النفس.[٤]


مجالس النقد

اتّسعت مجالس النقد في العصر الأموي وشملت الخلفاء والأدباء والشعراء، وكان منهم مَن يروي الشعر وينقده، وكان الشعراء يقدمون إلى هذه المجالس، وكان الخليفة أو الأمير يستمع ويشارك في أحاديث الشعر ونقده ويتعامل مع الشعراء كأنه واحد منهم، والحق أنّ الخلفاء من[١]بني أمية كانوا من أبرز الخلفاء الذين انتشرت في عهودهم المجالس الأدبية.[٥]


تعدد مراكز الشعر وأسواقه

تعدّدت مراكز الشعر وأسواقه في عصر بني أمية، وهذا ما ساعد على تجويد الشعراء لأشعارهم، كما ساعد على ظهور النقد الأدبي بينهم، فأصبح الشعراء يقارنون بين الأغراض الشعرية، ويقدمون شاعرًا ويؤخرون آخر، وكانت الأسواق الأدبية في ذلك الوقت تمثل مجمعًا أدبيًا وملتقى للأدباء والنقاد، ومن أشهر هذه الأسواق سوق المربد في البصرة الذي وازى سوق عكاظ في الجاهلية.[٦]


ظهور فن النقائض

فن جدبد من الشعر في العصر الأموي، وازدهر في الأدب العباسي، استلزمه الجدل السياسي والقبلي والاجتماعي والأدبي، ونبغ فبه كثير من الشعراء كجرير والفرزدق والأخطل، وهو أن يقول أحدهم فصيدة في موضوع وغالبًا ما يكون الفخر أو الهجاء، فيهب الآخر للرد على الشاعر والأخذ بالثار، فينظم قصيجة في الموضوع ذاته وعلى نمط القصيدة الأولى وزنًا وقافية، ينقض فيها معاني الشاعر الأزل وكل مواطن فخره، وقد ظهر أثر النقائض في ازدهارالحركة النقدية واضحًا في أن كل شاعر منهم التف حوله فريق من المعجبين بشعره، يحاولون أن يظهروا للناس محاسنة وأسباب تفوقه، ويظهرون مواطن ضعف معارضيه، ومن اجتماع هذا كله ظهر لدينا التراث النقدي.[٧]


سمات النقد الأدبي في العصر الأموي

ما هي أهم الملامح التي ميزت النقد في العصر الأموي؟

طبع النقد في عصر بني أمية بعدة ملامح وسمات ميزته عن النقد في العصور التي سبقته والعصور التي تلته والتي مثلت مدارس النقد في هذا العصر.[٨]

  • اتساع نطاق النقد: في هذه الفترة كثر الخائضون في النقد حتى شمل الشعراء والأدباء والعامة والملوك والرجال والنساء، مما جعله مصبًّا للأذواق المختلفة، وممّا وسّع آفاقه وعدّد جوانبه.


  • تشعب القول: في هذا النقد تعددت نواحيه بتعدد الأغراض التي برزت في هذا العصر، فهناك نقد انصبّ على الغول في بيئة الحجاز، وآخر انصبّ على المديح في بيئة الشام، وثالث تناول الفخر والهجاء في بيئة العراق.


  • رسم هذا النقد لبعض أغراض الشعر طريقها: وألمّ بجوانب مهمّة من أدبها، فالنقاد الحجازيون وضعوا للغزل رسومًا، فسكينة ابنة الحسن تأخذ على جرير سوء معاملته لطيف المحبوبة، وهناك مَن يستنكر على عمر بن أبي ربيعة أن يفضح الحرائر، وعمر يستنكرعلى كُثَيّر ما لصقه بمحبوبته من مسخ وجرب وطرد.


أشكال النقد الأدبي في العصر الأموي

ما هي أهم الأساليب النقدية في العصر الأموي؟

ومن الأشكال النقدية التي ظهرت في هذا العصر ما يأتي:


  • النقد النحوي واللغوي: فتقرأ الأبيات الشعرية قراءة فاحصة في ظل القواعد النحوية واللغوية، ويبيّنون ما وقع الشاعر من هفوات أو أخطاء لمسوها في الأبيات، على أنّ مَن يحكم على الشعر ينبغي له أولًا أن يكون عالمًا بقواعد العربية وأصولها وخبيرًا بكلام العرب وأحواله.[٩]


  • نقد الأوزان والقوافي: أي من ناحية موسيقاه فأحصوا على الشعراء هفواتهم في هذا العنصر من عناصر الشعر، ومن ذلك ما لاحظه يونس بن حبيب من كثرة الإقواء في شعر جرير.[٩]
  • النقد التذوقي: المتعة والإحساس بألوان الصياغة وأنّ منها ما هو رقيق سهل، ومنها ما هو صعب، وعرفوا أنواع المعاني الصائبة والفاسدة، وهو نقد اقترب من النقد الشعري الذي اتضحت ملامحه في العصور التي تلت العصر الأموي.[٩]


مدارس النقد الأدبي في العصر الأموي

ما هي أهم الطرق النقدية التس شكلت المدارس النقدية في العصر الأموي؟

كان لكل مدينة من مدن الدولة الأموية طابعًا نقديًا شكلت فيما بعد مدرسة نقدية بحد ذاتها وميزتها عن غيرها من المدارس.


مدرسة الحجاز

هي مدرسة اهتمت بالغزل واشتهرت به أكثر من بقيّة الأغراض الشعرية، وكان النقد في هذه المدرسة نقدًا فنيًا رفيقًا فيه من الخفة والظُرف ما يتناسب مع ما شتهرت به هذه المدرسة من أشعار وأساليب القول، والنقد في هذه المدرسة غالبًا ما اتّجه إلى المعاني، والتي كان الناقد يعرضها على ذوقه الحضري، فيقبل منها ما يراه موائمًا لهذا الذوق، وما هو أليق لعاطفة الحب وأنسب لفن الغزل.[١٠]


مدرسة الشام

هي مدرسة المدح، وحولها قامت حركة نقدية في قصور الخلفاء وأنديتهم، كتلك التي قامت في الحجاز حول الغزل، والنقد هنا كما في الحجاز يعتمد على الذوق الفطري المصقول بطول النظر في الشعر واستيعاب نماذجه، وتمثل طرائق العرب في التعبير والتصوير، والنقد في هذه المدرسة غالبًا ما اتّجه إلى تقييم الحركة الشعرية على ضوء اقترابها وابتعادها عن القيم الفنية الموروثة وخاصة شعر المدح.[١١]


مدرسة العراق

الشعر في هذه المدرسة أشبه ما يكون بالشعر الجاهلي فاشتهر بالفخر والعصبية القبلية، وما نتج عنها من صراعات ونزاعات بين الشعراء عرفت باسم النقائض- وهذا ما أفضى إلى بزوغ نجم النقد في هذه المدرسة، وهو نقد يقوم على المفاضلة بين الشعراء بناء على ما يقدم كل منهم في أشعاره، وما يستخدم من أساليب وطرق يُعبّر بها عن مضمون الفكرة أو الغرض الذي أراده الشاعر، وتميز شعراء هذه المدرسة بتعففهم عن استجداء أعطيات الخلفاء والأمراء وظهورالعزة والأنفة فيهم.[١٢]


شواهد نقدية تطبيقية من العصر الأموي

ما هي أشهر المواقف النقدية التي شهدها العصر الأموي؟

أمّا عن الشواهد التي برزت بشكلٍ واضح في هذا العصر ما يأتي:


  • تعليق عبد الملك بن مروان على بيت عبد الله بن قيس بن الرقيات من قصيدة يمدحه فيها بقوله:[١٣]

يأتلق التاج فوق مفرقه

على جبين كأنه الذهب   

فقال له عبد الملك: يا ابن قيس تمدحني بالتاج كأني من ملوك العجم، وتقول في مصعب:[١٣]

ملكه ملك عوة ليس فيه

جبروت ولا له كبرياء   
واعتراض عبد الملك كان لأن الشاعر لم يمدح ما تتمتاز به النفس من المكارم و هي العقل والعفة والعدل والشجاعة وما شابه ذلك، وتحدث عن أوصاف الجسم في البهاء والزينة وذلك غلط وعيب.[١٤]


  • دخل جرير على عبد الملك بن مروان فأنشده قوله:[١٥]

أتصحو أم فؤادُك غيرُ صاحٍ

عشيةَ همَّ صحبُكَ بالرَّواحِ

فقال عبد الملك: بل فؤادك فلما انتهى جرير إلى قوله:[١٥]

ألستم خيرَ من ركِبَ المطايا

وأندى العالمين بطونُ راحِ

قال عبد الملك: نحن كذلك، أعدها علي، فأخذ جرير يرددها، والخليفة يفرح لذلك ويقول: من يريد أن يمدحنا منكم فليمدحنا بمثل هذا أو ليسكت، وأعطى جرير مئة من الإبل.[١٦]


نستنتج من هذا أنّ البيت الذي استحسنه الخليفة وطلب إعادته وجعله نموذجًا للمديح، وفرح لمعناه لا للفظه ولا لنظمه، لأن القصيدة كلها على نمط واحد من اللفظ والنظم، ولكن هذا البيت بالتحديد تحدّث عن مواطن الفخر والعزة فيه فأخذته نشوة الفرح والسرور، إذ يسمع مديحًا بالجود والندى والذي يفوق جود العالمين ونداهم، ومديحًا بالقدرة التي ليس فوقها قدرة بشر على ركوب الخيول.[١٧]


  • قال الأصمعي: اجتمع جرير والفرودق عند الحجاج، فقال مَن مدحني منكما بشعر يُوجز فيه ويُحسن صفتي فهذه الهدية له، فقال الفرزدق:[١٨]

فمن يأمن الحجاج والطير تتقي

عقوبته إلا ضعيف العزائم

فقال جرير:[١٨]

فمن يأمنُ الحجَّاجَ أما عقابُه

فمرٌّ وأما عقدُه فوثيقُ

يسُرُّ لك الغضاءَ كلُّ منافقٍ

كما كلُّ ذي دينٍ عليكَ شفيقُ


فقال الحجاج للفرزدق: لم تأتِ بشيءٍ جديد، فإنّ الطير تخاف من الصبي ومن الخشبة، وأعطى الهدية إلى جرير، وإذا كان شرط الحجاج لإعطاء الهدية على قسمين هما: الإيجاز والدقة في الوصف، فإنّ الفرزدق حقّق الشرط الأول فقال بيتًا وقال جرير بيتين، وحقق الشرط الثاني لما وصف الحجاج بالعقاب الصارم الذي لا ينجو منه من يستحقه وهذه الصفة هي أبرز صفات الحجاج، لهذا كانت الجائزة كانت من حق الفرزدق، ولكن الحجاج كان متعصبًا لجرير لأنه شاعره، ولأنه هو الذي قدمه لعبد الملك بن مروان ليكون من مادحيه.[١٩]

المراجع

  1. سامي يوسف أبو زيد، الأدب الإسلامي والأموي، صفحة 129. بتصرّف.
  2. شوقي ضيف، التطور والتجديد في الشعر الاموي، صفحة 76. بتصرّف.
  3. مصطفى إبراهيم، في النقد الأدبي القديم، صفحة 97. بتصرّف.
  4. مصطفى إبراهيم ، النقد الأدبي القديم، صفحة 98. بتصرّف.
  5. محمد زغلول ، تاريخ النقد الأدبي والبلاغة، صفحة 81. بتصرّف.
  6. محروس منشاوي، النقد الأدبي، صفحة 161. بتصرّف.
  7. فوزي السيد، المقاييس النقدية عند الجاحظ، صفحة 94. بتصرّف.
  8. مصطفى إبراهيم ، في النقد الأدبي القديم، صفحة 127-126. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت مصطفى خليل، في النقد الأدبي القديم، صفحة 120-123. بتصرّف.
  10. أحمد أمين، النقد الأدبي، صفحة 421. بتصرّف.
  11. محمد أحمد، عن اللغة والأدب والنقد، صفحة 282. بتصرّف.
  12. حسن جاد ، دراسات في النقد الأدبي، صفحة 45. بتصرّف.
  13. ^ أ ب ابن سلام الجمحي ، طبقات فحول الشعرا ء، صفحة 649، جزء 2. بتصرّف.
  14. المرزباني ، الموشح، صفحة 346. بتصرّف.
  15. ^ أ ب "أتصحو أم فؤداك غير صاح"، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 26/3/2021. بتصرّف.
  16. أبو علي القالي ، ذيل الأمالي، صفحة 44. بتصرّف.
  17. محمد السعدي.، اتجاهات النقد الأدبي العربي، صفحة 90. بتصرّف.
  18. ^ أ ب أبو هلال العسكري ، الصناعتين، صفحة 107. بتصرّف.
  19. مصطفى إبراهيم ، في النقد الأدبي القديم، صفحة 97. بتصرّف.
8012 مشاهدة
للأعلى للسفل
×