الوصف في الشعر العربي

كتابة:
الوصف في الشعر العربي


الوصف في الشعر

الوصف في اللغة هو "الكشف والإظهار"، وعرّفه القدماء بكونه ذكر الشيء بما فيه من الأحوال والهيئات. وقد أولى النقاد والشعراء منذ القدم الوصف اهتمامهم، فقاموا بوصف الإنسان وأخلاقه وطباعه ومحاسنه وخلقته، وكذلك وصفوا الحيوان والنبات والأرض والماء، ونظروا إلى غرض الشعر أنه يكشف ويرسم حالة وهيئة ما تراه العين.[١]


الوصف في العصر الجاهلي

وصف الشاعر العربي منذ الجاهلية ما يراه بواقعية، واختلفت جودة الشعر وتفاوتت بحسب قدرة كل شاعرٍ وآخر، ومدى قوّة قريحته الشعرية، وما طبيعة الموضوع الذي يتناوله شعره، لكنهم جميعًا اتفقوا في صدق وصفهم لحياتهم اليومية، وإننا ليومنا هذا نعود إلى شعر الجاهليين لمعرفة شكل حياتهم لأنهم وحدهم كانوا الأقدر على وصف الناقة والصحراء، والأطلال كونهم عاشروها وقضوا حياتهم فيها على عكس الشعراء المولّدين الذين وصفوا حياة الجاهلية لكنهم لم يحسنوا ولم يوفّقوا في وصفهم.[٢]ومن أهم شعراء الوصف في العصر الجاهلي امرؤ القيس، النابغة الذبياني، طرفة بن العبد


الوصف في العصر العباسي

بعد أن كان الوصف في الأدب الإسلامي والجاهلي يتناول وصف مظاهر الطبيعة غالبًا، وبعض الوقائع والحروب أحيانًا، بدأ الشاعر العباسي يولي اهتمامًا آخرًا في وصف المظاهر الحضارية في الشعر إلى جانب الطبيعة والمعارك مثل: القصور، والحياة داخل البيوت، ومجالس اللهو والتسلية وغيرها، وهذا الاهتمام بالوصف كان نابعًا من التطور الحضاري الذي شهده هذا العصر، واختلاطهم بالأمم الأخرى، وتفننهم بالعمران، وتشجيع الخلفاء الشعراء على قول الشعر ومنحهم الأعطيات،[٣] ومن أهم شعراء الوصف في العصر العباسي: أبو تمام، أبو نواس، البحتري، ابن الرومي، والصنوبري.


الوصف في العصر الأندلسي

عُرفت الأندلس بجمال طبيعتها، وكثرة المناظر الخلابة فيها، وكان هذا من أول وأكبر الأسباب التي دفعت الشعراء الأندلسيون لوصف الطبيعة بصورةٍ واضحة في شعرهم، فنجدهم حتى في رثائهم للأندلس يتغنّون بجمال طبيعتها واصفين إياها بأصغر تفاصيلها، فوصفوا طبيعة الأندلس الطبيعية والصناعية بما تشمله من حقول، وأنهار، وجبال، وقصور، وبرك، وأحواض، ولم يتركوا مشهدًا إلا ووصفوه، معتمدين على خيالهم مبتعدين عن الصورة المجردة للمشهد في غالب الأحيان، واعتمادهم كذلك لتجسيد الطبيعة ومنحها أوصافًا حسية،[٤]ومن أهم شعراء الوصف في العصر الأندلسي ابن خفاجة، وابن زيدون، ولسان الدين بن الخطيب، وابن سهل الإشبيلي


أبيات شعرية تناولت غرض الوصف

كثرت القصائد التي ظهر فيها الوصف جليًا وتنوّعت، ومنها قول "النابغة الذبياني" وهو يصف ليله الطويل[٥] :

كِليني لِهَمٍّ يا أُمَيمَةَ ناصِب

وَلَيلٍ أُقاسيهِ بَطيءِ الكَواكِبِ

تَطاوَلَ حَتّى قُلتُ لَيسَ بِمُنقَضٍ

وَلَيسَ الَّذي يَرعى النُجومَ بِآئِبِ


وفي وصف الخيل يقول امرؤ القيس[٦] :

وَقَدْ أغْتَدِي والطَّيْرُ فِي وُكُنَاتِهَا

بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأَوَابِدِ هَيْكَلِ

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً

كَجُلْمُوْدِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ


ومن شعر الوصف عند البحتري[٧] :

تُرى اللَيلُ يَقضي عُقبَةً مِن هَزيعِهِ

أَوِ الصُبحُ يَجلو غُرَّةً مِن صَديعِهِ

أَوِ المَنزِلُ العافي يَرُدُّ أَنيسَهُ

بُكاءً عَلى أَطلالِهِ وَرُبوعِهِ

إِذا اِرتَفَقَ المُشتاقُ كانَ سُهادُهُ

أَحَقَّ بِجَفنَي عَينِهِ مِن هُجوعِهِ

وَلوعَكَ إِنَّ الصَبَّ إِمّا مُتَمِّمٌ

عَلى وَجدِهِ أَو زائِدٌ في وَلوعِهِ


ويصف ابن سهل الإشبيلي عندما رأى في الطّبيعة امرأة حسناء تتزيّن وتتجمّل، فيقول[٨]:

الأَرضُ قَد لَبِسَت رِداءً أَخضَرا

:::وَالطَلُّ يَنثُرُ في رُباها جَوهَرا

هاجَت فَخِلتُ الزَهرَ كافوراً بِها

:::وَحَسِبتُ فيها التُربَ مِسكاً أَذفَرا

وَكَأَنَّ سَوسَنَها يُصافِحُ وَردَها

:::ثَغرٌ يُقَبِّلُ مِنهُ خَدّاً أَحمَرا

وَالنَهرُ ما بَينَ الرِياضِ تَخالُهُ

:::سَيفاً تَعَلَّقَ في نِجادٍ أَخضَرا






المراجع

  1. محمد التونجي، المعجم المفصل في الأدب، صفحة 883. بتصرّف.
  2. محمد التونجي، المعجم المفصل في الأدب، صفحة 884. بتصرّف.
  3. شوقي ضيف، العصر العباسي الأول، صفحة 138. بتصرّف.
  4. هادي طالب محسن العجيلي (11/4/2011)، "شعر الطبيعة في الأندلس"، كلية التربية والعلوم الإنسانية، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022. بتصرّف.
  5. "النابغة الذبياني، كليني لهم يا أميمة ناصب"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022.
  6. "وقد أغتدي، معلقة امرؤ القيس"، بوابة الشعراء، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022.
  7. "البحتري، ترى الليل يقضي عقبة من هزيعه"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022.
  8. "ابن سهل الأندلسي، الأرض قد لبست رداءً أخضرا"، الديوان.
11276 مشاهدة
للأعلى للسفل
×