الوقائع والمعارك بين الفايكنج والمسلمين

كتابة:
الوقائع والمعارك بين الفايكنج والمسلمين

الوقائع والمعارك بين الفايكنج والمسلمين

الفايكنج هم مجموعة من الغزاة المغامرين الذين كانوا يعيشون في إسكندينافيا وقد مارسوا أعمال القرصنة والسلب والنهب والقرصنة طوال القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وقد قاموا بترويع المدن الأوروبية كلها، وأغاروا مرات عديدة على المدن الأندلسية الإسلامية، وهم أنفسهم شعب "النورمان".[١]

وقد انتقلوا من الدول الإسكندنافية -وهي ما يعرف حالياً بدول النرويج والسويد والدنمارك وفنلندا- إلى فرنسا واستقروا في نورمندي شمال غرب فرنسا، وقد كانوا مولعين جداً بالغزو والحروب والقرصنة التي يستفيدون منها المال والكنوز، وقد أصبحت نورمندي من أغنى المقاطعات ذلك الحين لكثرة ما نهبوه وسلبوه من الناس، وقد كان لهم يد في الحروب الصليبية ضد المسلمين.

وكذلك فإنهم قد استولوا على إنجلترا وأجزاء كثيرة من أوروبا وإيطاليا وقد أسسوا مدينة أفرسا في فرنسا كمركز محوري لهم، وقد تأثروا كثيراً بالحضارة الفرنسية فأخذوا منها كثيرا من العادات والثقافات،[٢]

وقد كانوا على الشرك وعبادة الأوثان، ولهم عادات عجيبة في غاية العجب، كطقوس الدفن والعقوبات وغيرها من الطقوس التي لا تعرف الرحمة ولا الشفقة، كما بيّن ذلك الرحالة المسلم ابن فضلان -رحمه الله- وليس المقام مقام بسط لها.[٣]


غزو الفايكنج مدينة إشبيلية

حيث قام الفايكنج بتجهيز أربع وخمسين سفينة لغزو هذه المدينة الإسلامية الأندلسية وذلك في سنة 229 هجرية، فقاموا بداية بالهجوم على مدينة أشبونة ومكثوا في مينائها ثلاثة عشر يوماً في معارك ضارية مع المسلمين، وقد تصدى لهم القائد المسلم وهب بن حزم -رحمه الله- ومعه مجاهدون من سكان المدينة،[٤]

وقد تراسل هذا القائد مع الوالي عبد الرحمن الثاني المعروف تاريخياً بعبد الرحمن الأوسط -وهو من ولاة الدولة الأموية- وذلك طلباً للنجدة والمدد العسكري فاستجاب له الوالي وسيتضح ذلك بعد قليل.

وفي سنة 230 من الهجرة، توجهوا إلى مدينة إشبيلية، وقد كان همهم الأعظم هو النهب والسلب والاستيلاء على خيرات هذه المدينة، وقد قاومهم الوالي عبد الرحمن الأوسط مقاومة شديدة استمرت مائة يوم، مكث فيها الفايكنج داخل مدينة إشبيلية اثنين وأربعين يوماً يعيثون فيها الفساد ثم خرجوا بعد هذه المعركة.[٥]

وقد كان الفايكنج يغيرون على مبدأ حروب العصابات الفاتكة، وعندما دخلوا إشبيلية أفسدوا فيها فساداً عظيماً يتقطع القلب منه، فنهبوا خيرات إشبيلية، وهتكوا أعراض النساء الحرائر فيها، وأشاعوا فيها الرعب والذعر، وهكذا فعلوا في بعض المدن كمدينة شذونة ومرسية وألمارية.[٥]


مقاومة عبد الرحمن الثاني

وكما قلنا فإن عبد الرحمن الثاني قام بمقاومتهم مقاومة ضارية شرسة، يصد فيها عن أعراض وبلاد المسلمين، حتى من الله عليه بالنصر فأهلك الله على يد جيشه قرابة نصف سفن الفايكنج، حيث أغرقوا من سفنهم ثلاثًا وعشرين سفينة.[٥]

وقد كان ردة فعل هذا الوالي بعد هذه المعركة الشرسة أن تيقظ إلى عظيم خطر هؤلاء الهمجيين، فقام بإنشاء أسطولين بحريين كان لهما عظيم الفائدة فيما بعد، حيث جعل أحدهما في البحر الأبيض والآخر في البحر الأطلسي وكان هذان الأسطولان يحرسان الأندلس من هجمات هؤلاء.[٥]

وقد كان كذلك لهما دور بارز في فتح بعض المدن والجزر كجزيرة البليار، وقام كذلك عبد الرحمن الثاني ببناء سور ضخم حول إشبيلية، حماية لها وصيانة من هجمات الفايكنج وغيرهم من المعتدين على حياض الدولة الأندلسية الإسلامية.[٥]


الفايكنج ينقضون العهد ويغيرون مرة أخرى على الأندلس

وبعد أن قام عبد الرحمن الأوسط بصد هؤلاء القتلة عن مدينة إشبيلية، قام بالتواصل مع ملك الدنمارك لوضع حل دبلوماسي يؤسس هدنة بين الفريقين، فأرسل إلى ملك الدنمارك وفداً من السياسيين النجباء ليعقدوا الصلح بين الطرفين وقد نجحوا في ذلك، ولكن لم يدم هذا العهد بينهم طويلاً.[٦]


حيث قام الفايكنج بنقض العهد ومعاودة الهجوم سنة 254 للهجرة على بعض المدن الأندلسية ولكنها كانت هجمات فاشلة لم يحققوا فيها أي مكاسب بسبب تصدي المسلمين لهم تصدياً بطولياً شرساً قوياً عبر أساطيلهم البحرية التي أنشؤوها سابقاً.[٦]


أسباب المعارك بين الفايكنج والمسلمين

لم تكن هجمات الفايكنج على المسلمين هجمات دينية بحتة سببها فرض الدين، بل كان هدفها الاقتصاد والمادية البحتة، وقد نشأت علاقات تجارية بعد تلك المعارك بين المسلمين والفايكنج حيث كان المسلمون يأخذون شيئاً من بضائعهم الجيدة، مقابل الذهب والفضة.[٤]


المراجع

  1. بسام العسلي، سلسلة جهاد شعب الجزائر، صفحة 73. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي، صفحة 1. بتصرّف.
  3. جهاد الترباني، مئة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ، صفحة 405. بتصرّف.
  4. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، تاريخ العرب وحضارتهم في الندلس، صفحة 131. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث ج راغب السرجاني، الأندلس من الفتح إلى السقوط، صفحة 6. بتصرّف.
  6. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس، صفحة 132. بتصرّف.
2430 مشاهدة
للأعلى للسفل
×