الإعجاز العلمي
عرَّف العلماء الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على أنَّه إخبار القرآن والسنة بحقائق كونية أو علمية لم تكن معروفة في الفترة الزمنية التي جاء بها الإسلام، وإنَّما اكتُشفت هذه الحقائق في العصر الحديث مع التطور الملحوظ الذي وصل إليه العلم، ولا شكَّ أنَّ هذه الحقائق التي أخبر بها رسول الله في القرآن والسنة إنَّما هي دليل لا تشوبه شائبة على صدق رسالة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وعظمة ما بلَّغ من الحق، ولا شكَّ في أنَّها حاجز في وجه كلِّ الحاقدين الذين يحاولون النَّيلَ من هذا الدين بحججٍ واهية ساقطة، وفيما يأتي بحث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.[١]
بحث عن الإعجاز العلمي في القرآن
إنَّ مما لا شكَّ فيه هو أنَّ القرآن الكريم ليس كتاب طب أو علوم أو فلك أو فيزياء أو غير ذلك، إنَّما هو كتاب تشريعي وضعه الله -سبحانه وتعالى- هداية للناس وقانونًا يستمدون منه طُرَق التعامل فيما بينهم، وعلى الرغم من أنَّ القرآن الكريم تناول مئات المسائل والقضايا العلمية إلَّا أنَّه ليس كتابًا علميًا بالمطلق، ولكنَّ احتواءه لعدد من القضايا العلمية إنَّما هو حكمة من الله تعالى ليكون دليلًا مستقبليًا في وجه كلِّ مشكك حاقد، قال تعالى في محكم التنزيل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[٢]، يمكن الاستنتاج من هذه الآية إنَّ الآيات التي سيريها الله تعالى للناس في الآفاق لا ترتبط بفترة زمنية واحدة بل هي لكلِّ زمان ومكان ومن هنا وبعد تطور العلم الحديث بدأت ملامح الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بالتشكل والظهور.[٣]
تتضح ملامح الإعجاز العلمي في القرآن الكريم من خلال ما سرد كتاب الله من الحقائق العلمية التي اكتُشفت مؤخرًا، وقد تنوعت موضوعات هذه الحقائق، فكان للقرآن إعجاز في علم الفلك وعلم الوراثة والجيولوجيا وغير ذلك، ففي علم الفلك مثلًا تناول القرآن الكريم موضوع نشأة الأرض في إحدى الآيات القرآنية، قال تعالى في سورة الأنبياء: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}[٤]، في هذه الآية المباركة إعجاز علمي اكتشف حديثًا، حيث تشير الآية السابقة إلى أنَّ السماء والأرض كانتا من قبل كتلة واحدة وانفصلتا عن بعضهما لاحقًا، وهذا ما أثبتته إحدى نظريات العلم الحديث التي تقول إنَّ السماوات والأرض كانتا مع بعضهما ثمَّ حدث الانفصال بالانفجار العظيم، وفي علم الجيولوجيا أو علم الأرض، أثبت العلم الحديث أنَّ وظيفة الجبال في الأرض كوظيفة الوتد للخيمة، حيث إنَّ هذه الجبال تقوم بتثبيت الأرض ومنعها من أن تميد وتميل وتهتز، وهذه الحقيقة اكتشفها علماء الأرض في ستينيات القرن الماضي، بينما تناولها كتاب الله -سبحانه وتعالى- قبل ما يزيد عن ألف وأربعمئة عام، قال جلَّ من قائل: {وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[٥]، وهذا دليل على صدق رسالة رسول الله وتنزيه لكتاب الله من النقص والضعف.[٦]
وجدير بالذكر أيضًا إنَّ من أبرز صور الإعجاز العلمي في القرآن الكريم المتعلقة بالعلوم الطبيعية، هي ما اكتشف العلم الحديث في طريقة تشكل اللبن في بطون الأنعام، حيث اكتشف العلماء أنَّ الغدد المسؤولة عن الهضم في جسم الحيوان تقوم بتحويل الطعام إلى فرث ليمشي هذا الطعام في الأمعاء الدقيقة ثمَّ تقوم العروق والأوعية الدموية بامتصاصه ليسري الغذاء داخل الدم ويصل إلى الغدد المسؤولة عن تحويل الغذاء إلى لبن، فيكون هذا اللبن قد تشكل من بين فرث ودم، وهذه الحقيقة التي لم يصل إليها الإنسان إلَّا مؤخرًا مع تطور علم التشريح والبحث في الأحياء الطبيعية، بينما اكتشفها القرآن الكريم منذ قرون، قال تعالى في سورة النحل: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ}[٧]، وليست هذه الآية المباركة وهذه الحقيقة العلمية الأولى التي تناولها القرآن الكريم ولن تكون الأخيرة أيضًا، فالعلم لا سقف له ولا نهاية، وكتاب الله كتاب معجز واسع عظيم، قال تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}[٨][٩]
وفي الختام في بحث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم يمكن القول إنَّ أهمية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم كبيرة جدًا، تظهر هذه الأهمية عند الناس أصحاب الإيمان الضعيف الذين يحتاجون تقريبًا إلى دليل عقلانيٍّ واضح حتَّى يترسخ الإيمان في قلوبهم، وحتَّى تطمئن أنفسهم لهذا الدين، فتقدُّم العلم ووصول الإنسان الحديث إلى مراتب عظيمة علميًا جعل حاجة الناس إلى دليل علمي دامغ يوطد مبادئ الإيمان في قلوبهم كبيرة وضرورية، لذلك كان لا بدَّ من ظهور علم الإعجاز العلمي في القرآن الكريم الذي ساعد على سدِّ هذه الكوة وإشباع النقص العلمي عند بعض الناس، ولا عتب ولا لوم فالإنسان الحديث بحاجة إلى دليل مرئي حتَّى يترسخ مبدأ الإيمان الديني في قلبه، هذا الإيمان الذي يثبت نفسية الإنسان ويجعله أكثر ثقة بنفسه، وهذ الثبات الديني المنشود يكون بالبحث والتحليل في ما جاء من صور الإعجاز العلمي في القرآن الكريم؛ لأنَّ الإيمان يقوم على مبدأين أساسيين: أولهما التسليم القلبي وثانيهما الإقناع القائم على العلم وموافقة العقل والمنطق، فالعلم التجريبي وسيلة لإرساء مبادئ العلم النظري، والإعجاز العلمي في القرآن الكريم سبب من أسباب توطيد مبادئ الإيمان ودحض كلّ الشبهات الملفقة على هذا الدين العظيم، والله أعلم.[٣]
المراجع
- ↑ "الإعجاز العلمي للقرآن الكريم"، www.shamela.ws، اطّلع عليه بتاريخ 10-05-2019.
- ↑ سورة فصلت، آية: 53.
- ^ أ ب "الإعجاز العلمي في القرآن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-05-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 30.
- ↑ سورة النحل، آية: 15.
- ↑ "الإعجاز العلمي في القرآن"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-05-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية: 66.
- ↑ سورة الكهف، آية: 109.
- ↑ "إعجاز القرآن"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 10-05-2019. بتصرّف.