تطور اللغة
يعدّ التطوّر والتبدّل من سمات اللغة الأبرز، بغض النظر عن طبيعته أو نوعه، ودليل التطوّر أن الكثير من اللغات نشأت عن أصل ثابت، أو شبه ثابت، وانتهت إلى فروع مختلفة، كاللغة العربية التي تعود في أصلها إلى اللغة الساميّة التي سادت في القرن الرابع قبل الميلاد. وتطوّر اللغة يقع في مظاهرها أو أحد مستوياتها اللسانيَّة؛ الصوتيَّة والصرفيَّة والتركيبيَّة والمعجميَّة الدلاليَّة، وبالأخص المستويينِ المعجميَّ والصوتيَّ؛ فالألفاظ شائعة الاستعمال، وتتغير باستمرار بحكم الحاجة إلى التعبير عن الحاجات ومتطلَّبات الحياة، أو سهولة التعامل معها، والخفّة في نطقها، وكل هذا مما ولّد ظواهر لغوية متعددة الأشكال في كل اللغات، ومنها الترادف. فما هو وما أسباب وقوعه، فهو ما ستعرضه المقالة في بحث عن الترادف.[١]
بحث عن الترادف
في بحث عن الترادف، يرد معنى الترادف لُغويًّا واصطلاحًا، أما لغويًّا فهو: هــو ركوب أحد خلف آخر أو في ظهره، يقـال رَدِفَ الرجلُ وأردفه أي ركب خلفه، والرِّدْف المرتدف هو الذي يركب خلف الراكب، وكل ما تبع شيئا فهو رِدْفه. وفي الاصطلاح، فإنه: ما اختلف لفظه واتفق معنــاه، أو أن يدل لفظان أو أكثر على معنى واحد، مثل: أسهب وأطنب وأفرط وأسرف وأغرق بمعنى واحد، أو هو مجموعة من الأسماء لشيء واحد، تكون مولّدة ومشتقة من تراكب الأشياء.[٢]
وفكرة الترادف في البحث عن الترادف فكرة قديمة، وكان أول ورودها عند سيبويه 180 هـ، إذ قال: "هذا باب اللفظ للمعاني: اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين واختلاف اللفظين والمعنى واحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين فاختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين هو نحو: جلس وذهب، واختلاف اللفظين والمعنى واحد نحو: وذهب وانطلق، واتفاق اللفظين والمعنـى مختلف قولك: وجدت عليـه، مــن المَوْجِــدة، ووجدت إذا أردت وجـدان الضالة"، وهو بهذا يقصد الترادف. وقيل إن أوّل ظهور لمصطلح الترادف كان عند ابن ثعلب 291 هـ، ومن أمثلته: أسـد، وليث، وضرغام، وعباس، وسبع، وقسورة، وحيدرة. وقد انقسم العلماء إزاء البحث عن الترادف إلى قسمين:[٢]
الأول وقد أيّد حدوث الترادف، وهم أغلب علماء العربية، غير أن البحث عن الترادف يظهر أن بعضهم قد بالغ في هذه الظاهرة فقالوا أن للسيف ألف اسم، وللأسد خمسمائة، وغيرها.[٢]
أما الثاني فقد رفض حدوث الترادف؛ لوجود فروق دقيقة بيـن الألفاظ المترادفة، ومنهم ابن الأعرابي 231هـ، ومن هذه الفروق ما بين قعد وجلس فالقعود من القيام والجلوس من النوم، وقـام ونهض فالقيام مــن القعـود والنهوض من الاستلقاء. ويرى ابن العربي أن: "كل حرفين أوقعتهما العرب على معنى من المعاني فإن في كل واحد منهما ما ليس في صاحبه ربما عرفنا فأخبرنا به، وربما غمض فلم نلزم العرب جهله". وكذلك أبو العباس ثعلب الذي ذكر في كتابه الفصيح : "أن كل ما عدّ مـن المترادفات إنما هو من المتباينات". ومنهم أبو علي الفارسي وهو من أشهر علماء اللغة العربية، والذي يرى في أصل المترادفات اسم والباقي صفات له؛ فالسيف هو الاسم، وما تبقى من المترادفات هي صفات مثل الحسام والصارم وغيرها.[٢]
وفي بحث عن الترادف، قد يقع الترادف فيما يعرف بلغة التضمين الثنائي، أو التكافؤ على مستوى الجملة في علم الدلالة، فمثلا إذا تضمنت جملة أولى جملة ثانية، من الممكن أن يكون العكس، فتتضمن الجملة الثانية الجملة الأولى فتصبح الجملة 1 مساوية للجملة 2، أي جملتين متكافئتين في التركيب نحوي، مع وجود اختلاف أن المقررة المعجمية في إحداهما "س" وفي الأخرى "ص"، فس و ص مترادفتان. وبطريقة أخرى: إذا تضمنت كل الجملة 1 والجملة 2 نفس المجموعة من الجمل فإنهما مكافئتان لبعضهما، وعليه يفترض أيضا أنّ على كلا الجملتين اللتين تتضمن أحداهما الأخرى أن تتضمن أيضا نفس المجموعة من الجمل الأخرى، ما لم يثبت بطلان هذا الافتراض في أمثلة معينة.[٣]
ويعدّ الترادف موضوع من موضوعات فقه اللغة المهمة، وفي بحث عن الترادف كما سلف، بدا الترادف كظاهرة من مظاهر تطور اللغة، والتطور جاء على مراحل، وأثّرت في مراحله عدد من العوامل والمسببات الدافعة لهذا التطور، وفي بحث عن الترادف يظهر أن الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة هي:[٤]
السبب الأول فقدان الوصفية فبعض الألفاظ تدل في الماضي على أوصاف محددة لاعتبارات معينة، ومع مرور الزمن فقدت وصفيتها نتيجة التوسع في استعمالها، وأصبحت أقرب للإسمية، واستخدمت الصفة واستغني بها عن الموصوف، فأصبح الوصف اسما، مثل: السيف الذي له أكثر من خمسين صفة لكل صفة دلالتها المميزة، فالمهند لأنه صنع في الهند، واليماني نسبة لمكان صنعه اليمن، والحسام لحدته وسرعة قطعه.[٤]
أما السبب الثاني فهو اختلاط اللهجات العربية وقد استحدمت اللهجات العربية أسماء مختلفة في التعبير عن بعض الأشياء، فالشيء الواحد يسمى عند قبيلة بخلاف ما يسمى عند القبلية الأخرى، ومع اختلاط العرب في حروبهم ومعاشهم وأسواقهم، طغت بعض الألفاظ على أخرى لكثرة تداولها وسهولة استخدامها، مثل: السكين التي استخدمها أهلُ مكة وبعض الأزد باسم المدية، والحقل سماه أهل العراق بالقَراح، القمح بلغة أهل الشام هو الحنظة بلغة أهل الكوفة والبر بلغة أهل الحجاز.[٤]
والسبب الثالث، الاقترض من اللغات الأعجمية فقد كان لاختلاط العرب بغيرهم من العجم من فرس وروم وأحباش قبل الإسلام وبعده، أثر في دخول عدد من الكلمات الأعجمية في العربية، بعضها كثر استعماله حتى غلب اللفظ العربي، مثل لفظة النرجس وهي أعجمية، اشتهر استخدامها على اللفظة العربية وهي العَبْهر. كذلك بالنسبة للرَّصاص كلمة أعجمية، غلب استخدامها على لفظها العربي الصَّرَفان.[٤]
أما السبب الرابع، المجاز وتعدّ المجازات المنسية من الأسباب المهمّة لحدوث الترادف؛ إذ تصبح مفردات أخرى بجانب المفردات الأصلية في فترة من تاريخ اللغة، ومنها أنّ العسل سمّي بالسلاف تشبيهًا له بالخمر، والثواب وهو النحل، وسمّي بالصهباء تشبيهًا له بِالخمر أيضَا، وسمي العسل نحلا باسم صانعه.[٤]
ويعدّ التساهل في استعمال الكلمة وعدم مراعاة دلالتها الصحيحة سببًا خامسًا، مما يُحدث تداخلا فيها مع بعض الألفاظ من ذات الحقل الدلالي، فالمائدة تسمّى بذا وعليها طعام وإلا فهي خوان، والكأس: إذا كان فيها شراب وإلا فهي قدح.[٤]
والسبب الأخير هو التغيير الصوتي فالتغييرات الصوتية التي تصيب الكلمة، تخلق منها صورًا جديدة تؤدي المعنى نفسه، وتحدث هذه التغييرات نتيجة إبدال حرف بحرف مثل: حثالة وحفالة؛ ثوم وفوم. أو نتيجة القلب الغوي بتقديم حرف على آخر، مثل: صاعقة وصاقعة؛ طريق طَامِس وطَاسِم.[٤]
المراجع
- ↑ "تطور اللغة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-08-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "الترادف"، www.humanities.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 25-08-2019. بتصرف.
- ↑ "تعريف الترادف بموجب التضمين الثنائي"، www.almerja.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-08-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ "ظاهرة الترادف عند القدماء والمحدثين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-08-2019. بتصرّف.