بحث عن بر الوالدين

كتابة:
بحث عن بر الوالدين

بحث عن بر الوالدين

يمكن التأسيس البحثي لموضوع بر الوالدين من خلال المحاور الآتية:

مفهوم بر الوالدين

يمكن تعريف بر الوالدين بأنه: بذل الفرد المسلم ما يملكه من قدرات وممتلكات في سبيل رضى الوالدين، مع الانقياد لأمرهما؛ دون الوقوع في المعصية، [١]كما ويعرف بأنه: إحسان الفردي إلى والديه؛ من خلال الإحسان إليهما بالأقوال والأفعال، وذلك ابتغاء مرضاة الله -تعالى-.[٢][٣]

واستناداً إلى التعريفات السابقة يمكن القول بأن مفهوم بر الوالدين يعرف بأنه: الخضوع الواعي من قبل الفرد المسلم لوالديه، وذلك في حدود المشروع والمباح، ما يعني ضرورة توجيه الفرد المسلم لكافة جوارحه الداخلية والخارجية خدمة لوالديه، وإرضاءً وإسعاداً لهم.

أهمية بر الوالدين

تنشطر أهمية بر الوالدين إلى الأهمية الإيمانية والأهمية الحضارية، ويمكن تفصيلها في الآتي:

الأهمية الإيمانية

لعل المستقرء للنصوص الشرعية إنما يلحظ بجلاء التوجيهات الإلهية الكريمة؛ التي تحث على طاعة الوالدين والالتزام بأمرهما، وكثيراً ما كان يتجلى التوجيه لطاعتهم في طليعة ومقدمة الأعمال الإيمانية الجليلة.

ومن ذلك قوله -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ‏).[٤]

وكذلك قوله -تعالى-: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏).[٥]

من هنا يُشكل موضوع بر الوالدين حجر الزاوية في جملة الأعمال الإيمانية؛ المتعين على الفرد المسلم القيام بها على الدوام، ذلك أن توجيهات الشريعة الإسلامية أوالت هذا الموضوع جلّ الأهمية؛ نظراً لفضل وإحسان الوالدين إلى الأبناء في بادئ الأمر.

من هنا كان من الأهمية بمكان أن يتم التفاعل الإيجابي مع الجهود المبذولة من قبلهم، وذلك عبر قيام الأبناء بالتقدير الكبير لهذه الجهود، فضلاً عن الامتثال الواعي والمدروس لأوامرهم وتوجيهاتهم؛ وذلك في حدود الشرع.

الأهمية الحضارية

ويُقصد بالأهمية الحضارية أن الدعوة من الشريعة الإسلامية إلى الإحسان للوالدين، قد انبثقت من ضرورة المحافظة على بنية الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، والرقي بالدوائر الاجتماعية الصغرى والكبرى إلى مصاف التكوينات الحضارية.

قال -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا).[٦]

فضلاً عن قوله -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).[٧]

وبالنظر في النصوص الشرعية الآنفة تتجلى أهمية إحسان الأبناء إلى الوالدين، حيثما يكبر الوالدين، ويغدو كل منهما مفتقراً إلى المعونة والمؤنة، ليبدى التكامل والتكافل الاجتماعي بين الأجيال المتمايزة، فالآباء يقدمون الدعم المادي والمعنوي للأبناء في صغرهم.

وذلك ليتسنى للأبناء تقديم الاحتواء والرعاية للآباء في كبرهم، ولعل ذلك يذب فكرة الاستهلاك الإنساني، وذلك عبر استبعاد فكرة أن يحترق الإنسان ويتفانى في العطاء؛ ولا يجد التقدير والتبادل الإيجابي مع هذا العطاء في حدود الحضارة الإسلامية.

الأهمية النفسية

ينعكس بر الوالدين على تحسين الجودة النفسية للآباء والأبناء على السواء، ومما لا شك فيه أن الارتقاء بالمستوى النفسي للأفراد إنما ينعكس على الرقي الاجتماعي والحضاري للأمة الإسلامية بصورة عامة، قال -تعالى-: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا*‏ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا*‏ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا‏).[٨]

وعليه فقد ربطت الآية الكريمة بين بر الوالدين وبين السعادة والطمأنينة؛ ما يعني انتفاء الشقاء والتعب النفسي عن الفرد المسلم طالما أنه صلة طيبة ودائمة مع الوالدين، وقد جاء عن عبد الله بن مسعود قوله: (سَأَلْتُ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلَاةُ علَى وقْتِهَا قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: برُّ الوَالِدَيْنِ قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: الجِهَادُ في سَبيلِ اللَّهِ قالَ: حدَّثَني بهِنَّ، ولَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي).[٩]

وعليه فإن الوعي بأن بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله -تعالى-؛ إنما ينعكس على الآباء بالتقدير الذاتي، من خلال تقدير مكانتهم عند المولى -عز وجل-، وفي الجهة المناظرة ينعكس على الأبناء؛ من خلال شحذ طاقتهم النفسية لتحقيق البر للوالدين، وجعله في قائمة الأولويات السلوكية لهم.

المراجع

  1. أزهري محمود، بر الوالدين، صفحة 6. بتصرّف.
  2. سعيد القحطاني، بر الوالدين، صفحة 7. بتصرّف.
  3. سعيد القحطاني، بر الوالدين، صفحة 6-7. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية:83
  5. سورة الانعام، آية:151
  6. سورة النساء، آية:36
  7. سورة الاحقاف، آية:15
  8. سورة مريم، آية:30-32
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:5970، خلاصة حكم المحدث صحيح.
4983 مشاهدة
للأعلى للسفل
×