بحث عن جمع القرآن الكريم

كتابة:
بحث عن جمع القرآن الكريم

القرآن الكريم

هو كتاب الله الذي أنزله على رسوله الكريم -عليه الصلاة والسلام- ليكون سبيل هدايةٍ للناس، قال تعالى: { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[١]، وفيه من الأحكام والتشريع مايجعله دستورًا متكاملًا صالحًا لكل زمانٍ ومكان، وفيه من المعجزات التي تؤيّد صدقه مايجعل العقل البشريّ يؤمن به، فهو المعجزة الباقية إلى يوم القيامة، ولعلّ أهم مافي إعجازه أنّه مهما تقدم الزمان ومهما تطوّر العلم يبقى في القرآن الكريم شيءٌ لم يتوصل إليه العلم، إلّا أنّ شكل القرآن الكريم لم يكن في البداية كما هو عليه الآن، وفيما يأتي بحثٌ عن جمع القرآن الكريم إلى أن وصل إلى شكله النهائي.[٢]

بحث عن جمع القرآن الكريم

في مستهلّ أيّ بحث عن جمع القرآن الكريم يجب التعرف على معنى جمع القرآن الكريم، وهو كتابة آياته وسوره بالترتيب الذي ذكره الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولكن مجموعةً في مصحفٍ واحد، فقد نزل القرآن الكريم في ليلة القدر كاملًا ودفعةً واحدةً إلى السماء الدنيا، ثمّ بدأ جبريل يلقّنه للرسول الكريم متفرقًا بحسب كلّ موقف، وكان جبريل يقرأ على رسول الله الآيات القرآنية ولشدّة حرصه -صلى الله عليه وسلم- كان يردد ما يقوله جبريل، فنزلت الآية القرآنية لتنهى النبيّ عن ذلك لأنّ الله تعهّد بحفظه {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}[٣].[٤].

أصبح الرسول ينصت صامتًا لما يقوله الوحي، وبعد أن ينتهي ينادي كتبة الوحي ليكتبوا الآيات على الصحف والجلود والرقاع وكلّ ما استطاعوا الكتابة عليه، ومن أشهر كتّاب الوحي علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم-، ومن الصحابة من كان يحفظ ما يلقيه الرسول الكريم عليهم من آياتٍ، فكان من أشهر حافظي القرآن الكريم أبو بكرٍ وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعليّ بن أبي طالب و عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبو الدرداء -رضوان الله عليهم- وغيرهم.[٤]

وعند وفاة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- كان القرآن الكريم مكتوبًا كلّه لكنهُ لم يكن مجموعًا في مكانٍ واحد، وحتى أنّه لم يكن مكتوبًا على قطعٍ متناسقة، ويرجع ذلك لأنّهم كانوا يترقبون نزول الوحي وعند نزوله يكتبون على أيّ شيءٍ توفر لديهم، وأيضًا لعدم توافر وسائل الكتابة، فكلّ سورة أو مجموعة سورٍ قصيرةٍ كانت تكتب على أحجار متناسقة وتربط مع بعضها وتوضع في أحد بيوت أمهات المؤمنين أو بيوت أحدّ كتّاب الوحي.[٤]

بعد وفاة النبيّ الكريم -صلى الله عليه وسلّم- وفي عهد خلافة أبي بكرٍ الصدّيق، ارتد كثيرٌ من ضعاف الإيمان وبدأ أبو بكر -رضي الله عنه- محاربتهم وسميّت تلك المعارك "حروب الرِدّة"، وأثناء تلك الحروب استشهد كثيرٌ من حفظة القرآن الكريم وكتّاب الوحي، وخوفًا من ضياعه اقترح عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على أبي بكرٍ جمع القرآن الكريم كله في مصحفٍ واحد، وفي بادئ الأمر تردّد أبو بكر -رضي الله عنه- خوفًا من أن يكون جمع القرآن الكريم نوعٌ من البدع، لكنّه قبل بعد ذلك خشية ضياع أيّ آيةٍ من آياته.[٥]

قام أبو بكر الصدّيق بتكليف زيد بن ثابت -رضي الله عنه- بمهمة جمع القرآن الكريم إذ أنّه كان من حفظة كتاب الله ومن كتّاب الوحي ولما عُرف عنه من الصدق والأمانة، فبدأ زيد بأداء تلك المهمة بإشراف كبار الصحابة، ولم يكتفي بما كان يحفظه أو ماكتبه بيده، بل عاد إلى كل مخطوطةٍ أو رقعةٍ واستعان بكلّ حافظٍ حتى لا تضيع أو تُستبدل أي كلمة، حتى أتّم جمعه في صُحفٍ وُضعت عند أبي بكرٍ -رضي الله عنه- حتى توفاه الله، ثمّ عند عمر -رضي الله عنه- ثمّ عند حفصة بنت عمر، حتى غدت في النهاية عند عثمان بن عفان -رضي الله عند- بعد توليه الخلافة.[٥]

في عهد عثمان بن عفان بدأت الفتوحات الإسلامية بالاتساع، ودخل في الإسلام أقوامٌ احتاجوا أن يتعلموا من القرآن الكريم، فسافر صحابة رسول الله ومعهم كبار وفقهاء التابعين إلى الأقطار كلها لتعليم الناس أمور دينهم وتعليم ونشر القرآن الكريم، وكان القرآن الكريم قد نزل على رسول الله بسبعة أحرف -أي سبعة لهجات وهي لهجات العرب- وذلك تيسيرًا للأمة، فقد جاء عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنّه قال: "سمعتُ هشامَ بنِ حَكيمٍ يقرأُ سورةَ الفرقانِ على غيرِ ما أقرؤها عليهِ وكانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أقرأنيها فكدتُ أن أعجَلَ عليهِ ثمَّ أمهلتُهُ حتَّى انصرفَ ثمَّ لبَّبتُهُ بردائهِ فجئتُ بهِ إلى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقلتُ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي سمعتُ هذا يقرأُ سورةَ الفرقانِ على غيرِ ما أقرأتَنيها فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ اقرأ فقرأَ القراءةَ الَّتي سمعتُهُ يقرأُ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ هكذا أنزِلَت ثمَّ قالَ ليَ اقرأ فقرأتُ فقالَ هكذا أنزُلَت إنَّ هذا القرآنَ أُنزِلَ على سبعةِ أحرفٍ فاقرؤوا ما تيسَّرَ منه"[٦]، ولهذا كانت هناك فروقٌ في قراءة القرآن الكريم، وكان كثيرٌ من المسلمين الجدد لايعلمون بأمر الأحرف السبعة، فكان كلٌّ منهم يحفظ القرآن بلهجة الصحابي الذي اُرسل إليه.[٤]

ثمّ وقع خلافٌ بين جماعةٍ من أهل الشام وجماعةٌ من أهل العراق بسبب القراءات المختلفة للقرآن الكريم، فسمع حذيفة بن اليمان خبرهم ففزع من هذا، وأسرع إلى خليفة المؤمنين عثمان بن عفان وقال له:" أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى"، فما كان من عثمان إلّا أن استشار كبار الصحابة واجمعوا على أن يُكتب القرآن الكريم على حرفٍ واحد وهو لهجة قريش، وتنسخ منه نسخٌ تُرسل إلى المسلمين، وعندها طلب عثمان الصحف من حفصة بنت عمر، وأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام بنسخ القرآن الكريم، وأرسلت منه سبع نسخٍ للمسلمين الجدد في مكة المكرمة والشام والبصرة والكوفة واليمن والبحرين وبقيت لديه نسخةٌ في المدينة المنورة، وأرسل مع كلّ نسخةٍ قارئًا يعلّم المسلمين طريقة لفظ القرآن على لهجة قريش، وأمر بإحراق كل النسخ التي وقع عليها الخلاف، كان هذا آخر جمعٍ للقرآن الكريم سنة خمسٍ وعشرين للهجرة، وسميّ هذا المصحف بالمصحف العثماني أو المصحف الإمام ، وهو المصحف الذي لازالت إلى اليوم تطبع منه النسخ.[٤]

المراجع

  1. سورة الأعراف، آية: 52.
  2. "كتاب لا يُعارض"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-05-2019.
  3. سورة القيامة، آية: 16-17.
  4. ^ أ ب ت ث ج "رحلة جمع القرآن الكريم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-05-2019. بتصرّف.
  5. ^ أ ب "مسائل حول جمع القرآن الكريم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-05-2019. بتصرّف.
  6. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 936 ، صحيح.
3819 مشاهدة
للأعلى للسفل
×