بحث عن طاعة الوالدين

كتابة:
بحث عن طاعة الوالدين

طاعة الوالدين والإحسان إليهما

حقّ الوالدَين بطاعتهما والإحسان إليهما من الحقوق العظيمة التي دعا إليها الإسلام وحثّ عليها، فقد رفع شأن الوالدَين والإحسان إليهما بالعديد من الأمور منها ما يأتي:[١]

  • أوجب الله -تعالى- حقّهما بعد حقّه لقوله -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).[٢]
  • جعل الله -تعالى- برّ الوالدَين إحدى الوسائل التي ينال بها المسلم الجنّة ونعيمها لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الوالِدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ، فإنَّ شئتَ فأضِع ذلك البابَ أو احفَظْه).[٣]
  • جعل الله -تعالى- برّ الوالدَين أحبّ الأعمال إليه وأفضلها بعد الصلاة على وقتها لِما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال:(سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلَاةُ علَى وقْتِهَا قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: برُّ الوَالِدَيْنِ).[٤]
  • جعل الله -تعالى- برّ الوالدَين سبباً لِاستجابة الدّعاء، وكشف الكُرُبات ودفْع الهمّ، وسبب حصول الخير والبركة.
  • جعل الله -تعالى- برّ الوالدَين سبيلاً لِلاقتداء بالأنبياء والصّالحين لا سيّما وأنّه من شيَمهم ومكارم أخلاقهم، فقد وصف الله -تعالى- نبيّه يحيى -عليه السلام- بقوله -تعالى-: (وَبَرًّا بِوالِدَيهِ وَلَم يَكُن جَبّارًا عَصِيًّا)،[٥] وقوله -تعالى- على لسان عيسى ابن مريم: (وَبَرًّا بِوالِدَتي وَلَم يَجعَلني جَبّارًا شَقِيًّا)[٦] عن نبيّه عيسى -عليه السلام-.


ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ مظاهر الإحسان إلى الوالدَين وبرّهما عديدة منها: الحرص على رضاهما بامتثال أمرهما واجتناب نهيهما بالمعروف، والحرص على التواضع لهما في الأقوال والأفعال، والحرص على المعاملة اللَّيِّنة معهما، والإكثار من دعاء الله -تعالى- بطلب المغفرة والرحمة لهما، وبذْلُ الجهد في تحصيل الخير الدنيوي لهما قدر الاستطاعة وقد دلّ على ذلك قوله -تعالى-:(فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا* وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا).[٧][٨]


حدود طاعة الوالدين

حثّ الله -تعالى- على طاعة الوالدَين والإحسان إليهما إلّا أنّه لم يترك ذلك على إطلاقه بل ضبط طاعتهما وقيّدها بقواعد وحدود،[٩] ومن ذلك أنّه أوْجب طاعة أمرهما حال كونه أمراً بالمعروف سواءً كان في دائرة الواجبات أو المباحات،[٩][١٠] وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّما الطَّاعَةُ في المَعروفِ)،[١١][٩] وحرّم طاعتهما حالة كان في أمرهما معصيةً لله -تعالى- كأن يَطلُبا من ولدهما أن يُشرِك بالله أو أن يترك ما كان حكمُه فرضَ عيْنٍ كالصلاة وغيرها، وقد دلّ على ذلك قولُه -تعالى-: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا)،[١٢][٩][١٠][١٣] وقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ).[١٤][١٣]


أمّا طاعتهما في حال منعهما معروفا فلها حكمان: أوّلهما حال كون المعروف عملاً تطوّعيّاً ويعود بالنفع على ولدهما ولا يُلحِق الضّرر بهما كأن يقوم الليل أو يصوم تطوعاً فلا طاعةَ لهما ولا يوخَذ إذنهما في فعل ذلك،[١٥] وثانيهما حال كون المعروف عملاً تطوعياً ويعود بالنَّفع على ولدهما لكنّه يلحق الضرر بأحد الوالدَيْن أو كلاهما كجهاد التَّطوع فتُندب طاعتهما إن منعاه من ذلك، لأنّ برّ الوالدَين وطاعتهما أمرٌ واجبٌ والعمل التّطوعي ليس كذلك فيجب تقديم الواجب على غيره،[١٠][١٥] ويتبيّن ممّا سبق أمرَين: أوّلهما وجوب طاعة الوالدَين في كل أمرٍ يعود عليهما بالنفع والمصلحة ولا يُلحق بولدهما ضرراً دينياً أو دنيوياً، وثانيهما عدم وجوب طاعتهما فيما لا يُحقّق لهما نفعاً ولا مصلحةً ويُلحِق الضرر والمشقة بولدهما.[١٦]


وتجدُر الإشارة إلى أنّ كيفية ترك طاعة الوالدَين إنْ أَمَرا بمعصيةٍ، أو مَنَعا عملاً تطوعياً لا يُلحِق الضّرر بهما، أو أمرا بما لا يعود بالنفع عليهما ويُسبّب الضرر لِولدهما لا بدّ أن تكون بالحكمة والقول اللين الذي لا يحمل في طيّاته الإساءة إلى أحد الوالدَين أو كلاهما سواءً كانا على دين الإسلام أو غيره، وقد دلّ على ذلك قوله -تعالى-: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)،[١٢] وما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أنّها قالت:(قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ).[١٧][٩]


حكم طاعة الوالدين

أوْجب الله -تعالى- طاعة الوالدَين والإحسان إليهما بقوله -تعالى-:(وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا * وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا)،[١٨] ويُراد بقوله -تعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ) أي أَمَر ربك بعبادته وحده لا شريك له وببرّ الوالدَين والإحسان إليهما، وكلمة أمر ووصّى لا فرق في المعنى بينهما لِأمرين: أوّلهما أنّ الوصية تُعدّ أمراً، وثانيهما أنّ الله -تعالى- أمر ببرّ الوالدَين والإحسان إليهما في العديد من المواضع وقد جاء بعضها بلفظ الوصية كقوله -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا)،[١٩] كما ويراد بقوله -تعالى-: (وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ) ألّا يتوانى المؤمن في تلبية أوامرهما وألّا يمنع عنهما ما يطلُباه ويريداه.[٢٠]


وقد عظّم الله -تعالى- حقّ الوالدَين ببرهما والإحسان إليهما بعدّة أمور منها: أنّ الله -تعالى- قَرَن إفراده بالعبادة ببرّ الوالدَين والإحسان إليهما كما في قوله -تعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا)،[١٨] كما أنّه -تعالى- قَرَن شكره بشكرهما كما في قوله -تعالى-: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)،[٢١] ويُضاف إلى ذلك أنّ الله -تعالى- جعل عقوق الوالدَين من الكبائر لِما رواه البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (ذَكَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الكَبَائِرَ، أوْ سُئِلَ عَنِ الكَبَائِرِ فَقالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ)،[٢٢] ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الإسلام كَفِل حق الوالدَين ببرّهما والإحسان إليهما سواءً كانا على دين الإسلام أو غيره وذلك لقوله -تعالى-: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)،[١٢] فإن كان الله -تعالى- قد حرّم طاعة الوالدَين المشركين في الشرك به إلّا أنّه قد أمر بمعاملتهما بالحسنى والمعروف فيما سواه من الأمور.[٢٠]


المراجع

  1. عبد المحسن القحطاني (1427ه)، خطوات إلى السعادة (الطبعة الرابعة)، صفحة 33. بتصرّف.
  2. سورة النساء، آية: 36.
  3. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 1900 ، صحيح.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 5970 ، صحيح.
  5. سورة مريم، آية: 14.
  6. سورة مريم، آية: 32.
  7. سورة الإسراء، آية: 23-24.
  8. عبد الله الغنيمان، شرح فتح المجيد، صفحة 6، جزء 6. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت ث ج حسام الدين عفانة، فتاوى يسألونك (الطبعة الأولى)، فلسطين: مكتبة دنديس، صفحة 201، جزء 9. بتصرّف.
  10. ^ أ ب ت وهبة الزحيلي (1418ه)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الفكر، صفحة 152، جزء 21. بتصرّف.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 7257 ، صحيح.
  12. ^ أ ب ت سورة لقمان، آية: 15.
  13. ^ أ ب عبد الله البسام (1423ه - 2003م)، توضِيحُ الأحكَامِ مِن بُلوُغ المَرَام (الطبعة الخامسة)، مكة المكرمة: مكتبة الأسدي، صفحة 331، جزء 7. بتصرّف.
  14. رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن النواس بن سمعان الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 3624 ، صحيح.
  15. ^ أ ب محمد التويجري (1431ه - 2010م)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشرة)، السعودية: دار أصداء المجتمع، صفحة 1032. بتصرّف.
  16. ابن عثيمين، فتاوى نور على الدرب، صفحة 2، جزء 24. بتصرّف.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسماء بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: 2620 ، صحيح.
  18. ^ أ ب سورة الإسراء، آية: 23-24.
  19. سورة الأحقاف، آية: 15.
  20. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 325-326، جزء 28. بتصرّف.
  21. سورة لقمان، آية: 14.
  22. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5977 ، صحيح.
5349 مشاهدة
للأعلى للسفل
×