بنو النضير
تعتبر الديانة اليهودية واحدةٌ من الديانات القديمة التي انتشرت في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام بعدة قرونٍ، إذ تعتبر القبائل اليهودية العربية جزءً من عرب شبه الجزيرة العربية الذين قطنوا في مواضع عدة أهمها المدينة المنورة -يثرب قديمًا- ومن أبرز تلك القبائل قبيلة بني النضير المُنتسِبة إلى قبيلة أزدٍ اليمنية، وهي من القبائل العربية التي بقيت متمسكةً بديانتها إلى جانب قبيلتي بنو قريظة وبنو قينقاع ولم تدخل في الإسلام قبل أو بعد هجرة الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة، وقد عمدت هذه القبيلة على مناصبة العداء والتأليب عليه والتعاون مع أعداءه من العرب المشركين ومنافقي المدينة مما تسبب في غزوهم فيما يُعرف تاريخيًّا باسم غزوة بني النضير.
بحث عن غزوة بني النضير
غزوة بني النضير واحدةٌ من الغزوات التي قادها النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه والتي جاء القرآن الكريم على ذِكرها في صدر سورة الحشر بل إنّ غزوة بني النضير هي سبب نزول آيات هذه السورة حتى أُطلِق عليها اسم سورة بني النضير من قِبل عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}.[١][٢]
وقعت أحداث غزوة بني النضير في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة النبوية، وذلك حين شنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- هجومًا بجيشه على منازل قبيلة بني النضير إلى الجنوب من المدينة المنورة بأمرٍ من الله تعالى بعد رفضهم طلب النبي -عليه الصلاة والسلام- إليهم بمغادرة منازلهم إلى موقعٍ آخر دون قتالٍ مع المسلمين بتحريضٍ من المنافقين وتشجيعهم على البقاء في منازلهم ومخالفة أمر الرسول الكريم.[٢]
وقد جاء في كُتب التاريخ والسِّير أنّ السبب الكامن وراء وقوع غزوة بني النضير وما ترتب عليها من مغادرتهم لديارهم بالقوة هو تآمرهم فيما بينهم على قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أتى إلى منازلهم طالبًا منهم المساعدة في جمع دية القتيليْن من بني عامرٍ واللذين قُتلا خطأً على يد عمرو بن أمية الضمري -رضي الله عنه- وذلك بموجب المعاهدة التي عقدها النبي -صلى الله عليه وسلم- مع القبائل اليهودية حين قدِم مهاجرًا إلى المدينة المنورة، فوافق بنو النضير على المساعدة في مال الدِّية ثم خلا بعضهم إلى بعضٍ للتشاور في استغلال فرصة تواجد النبي -صلى الله عليه وسلم- في منازلهم وجلوسه إلى جوار حائطٍ يُسهِّل أمر القضاء عليه بإلقاء حجرٍ عليه من فوق جدار ذلك المنزل، واختاروا لهذا الأمر شخصًا منهم يُدعى عمرو بن جحاش، فنزل الوحي على النبي الكريم يُخبره بتآمرهم مما كان سببًا في إجلائهم عن المدينة وإن ضُعِفت هذه الرواية من قبل عددٍ من قبل عددٍ من المحدِّثين كالألباني.[٢]
وجاء في روايةٍ أخرى بسندٍ متصلٍ أن السبب وراء هذه الغزوة هو تآمر يهود بنو النضير على الغدر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وقتله بتحريضٍ من كفار قريشٍ بعد هزيمتهم النكراء في غزوة بدرٍ، مما دفع يهود بني النضير إلى طلب الاجتماع بالنبي الكريم من كل جانبٍ ثلاثة أفرادٍ للاستماع لما جاء به نبي الله من عند ربه -وفي نيتهم الغدر به على حين غِرّة-، فجاءه التحذير من مكرهم بوحيٍ من الله تعالى، ويُستدل من كلتا الروايتيْن أي غزوة بني النضير كانت غزوةً تأديبيةً لبني النضير الذين خالفوا العهد والميثاق الذي أبرموه مع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وبدأوا في حياكة المكائد للنيل منه.[٣]
عندما علم النبي -صلى الله عليه وسلم- بغدر هؤلاء القوم طلب إليهم مغادرة المدينة برسالةٍ حملها إليهم محمد بن سلمة -رضي الله عنه-، فقرروا الانصياع حتى ظهر في مشهد الأحداث عبد الله بن أبي رئيس المنافقين ورغبهم في البقاء وعدم الخروج، فانحازوا لرأيه وعملوا به خاصةً بعد أن أخبرهم بأنه سيقاتل ومن معه إلى جانبهم بالإضافة إلى قبيلتيْ بني قريظة وغطفان؛ فقرروا البقاء في منازلهم ورفض الخروج.[٢] خرج إليهم الرسول -عليه الصلاة والسلام- بجيشه في شهر ربيعٍ الأول من السنة الرابعة بعد أن استخلف على المدينة المنورة عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه- حينما اُخبِر برفضهم الخروج ورغبتهم في قتال المسلمين، فتحصّنوا في حصونهم التي ذكرها القرآن الكريم في سورة الحشر ومن ثم بدأوا في رمي جيش المسلمين بالحجارة والنِّبال مما حدا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى إعطاء أوامره بقطع الأشجار وحرقها كي تخور عزائمهم خاصةً بعد تخلي مسانديهم من بني قريظة وغطفان وعبد الله بن اُبي وجمعه، ومن رحمة الله بالمسلمين أن ألقى في قلوب بني النضير الرعب والخوف من المسلمين فأخذوا في تخريب حصونهم من الداخل ودبّ الضعف بينهم نتيجة الحصار الخانق المفروض عليهم والذي استمر مدة ستِّ ليالٍ وقيل خمس عشرة ليلةً، فما كان منهم في نهاية المطاف إلا إعلان الاستسلام للرسول -عليه الصلاة والسلام- الذي وافق على خروجهم من ديارهم آمنين يحملون معهم ما يشاءون من المال والمتاع والدواب ما عدا السلاح، فانطلقوا من المدينة إلى خيبر وقسمٌ منهم استقر في بلاد الشام أما منازلهم وأراضيهم فقد قسّمها النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المسلمين من المهاجرين خاصةً وعددٌ من فقراء الأنصار كسهل بن حنيف وأبي دجانة -رضوان الله عليهم-، وقد أسلم بعد غزوة بني النضير رجلان من بني النضير وهما: أبو سعد بن وهب ويامين بن عمير -رضي الله عنهما-؛ ولدخولهما في الإسلام احتفظا بكامل أموالهما وأراضيهما.[٤]
المراجع
- ↑ سورة الحشر، آية: 2.
- ^ أ ب ت ث "غزوة بني النضير وسورة الحشر"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 02- 05- 2019. بتصرّف.
- ↑ "غزوة بني النضير"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 02- 05- 2019. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الدرر في اختصار المغازي والسير"، http://www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 02- 05- 2019. بتصرّف.