قصة الإيثار في معركة اليرموك

قصة إيثار الجرحى الثلاثة في معركة اليرموك

حين يكون الإيثار في الرّخاء فهو أمرٌ جميل مُستحبٌّ، وقد يتمكَّن منه الجميع ويستطيع فِعله، ولكنَّ الإيثار بالشِّدّة يكون أصعب، ومن يستطيعه ويصبر عليه قِلَّةٌ من الناس، وهذا ما حدث في معركة اليرموك الشهيرة، المعركة الفاصلة في تاريخ المسلمين.^[١]

في هذه المعركة سقطَ كثيرٌ من الشهداء ووقع كثيرٌ من الجرحى، وكان من ضمنهم جريحٌ جاء قريبٌ له يسقيه الماء ليخفّف عنه قليلاً، فسأله إن كان يحتاج إلى بعض الماء فأجاب بالموافقة، وقبل أن يصل الماء شَفتيه سمع شخصاً يتأوّه ويتألّم، فأشار لصاحبه أن يَسقي ذلك الشخص، فعندما ذهب إليه، وأراد أن يسقيه سمع هو الآخر رجلاً يُنازع روحه ويتألم، فأشار إليه أن يذهب ويسقيه، فما إن وصل الماء إلى الشخص الثالث حتى فارق الحياة، فعاد إلى الشخص الثاني فإذا به قد مات، فرجع إلى قريبه وحين رآه وجده هو الآخر قد مات.^[١]

ما يستفاد من قصة الجرحى في معركة اليرموك

هناك مجموعة من الدروس والعِبر المستفادة من هذه القصة الفريدة منها:

• أنَّ الإيثار في الشِّدّة وفي الظروف القاهرة أعظم وأصعب منه في فترات الرخاء.
• كم من الجميل والمُهمِّ أن يهتمَّ المسلم لظرف أخيه المسلم سواء أكان يعرفه أم لا، وأن يحاول مساعدته بكُلّ ما يستطيع، فقد ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن علاقة المؤمنين ببعضهم فقال: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى).^[٢]
• ليس بالضرورة أن ينال المسلم ثمرة إيثاره في الدنيا، إذ إنَّ الأجر والثواب عند الله أعظم.

خلق الإيثار

معنى الإيثار لغةً: الاختيار والاختصاص،^[٣] والتفضيل،^[٤] وأمّا عن معناه اصطلاحاً فهو: أن يُقدّم الشخص غيره على نفسه في المنفعة، أو في دفع الضرّ أو طلب الحاجة مع الحاجة إليها.^[٣]

ويُعدّ الإيثار أرقى وأرفع منازل السخاء جميعاً، ولا يصدر الإيثار إلّا من مسلم امتلأ قلبه بحبِّ الله، والثّقة بما عند الله من أجر وثواب، وفَهم أعلى مراتب الإنسانية، هذا إذا ما كان فعله وتضحيته وإيثاره لله - تعالى-، أمّا ذاك الذي بذل الجهد وتحمّل المشاق من أجل مالٍ أو سُمعة أو جاه، فإن كُلّ ذلك يَفنى، وما يَبقى إلّا ما كان لله فقط.^[٤]

وقد ذكر الله أولئك الذين يُؤثرون على أنفسهم مع الحاجة الشديدة فقال - تعالى-: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)،^[٥] وذلك أعلى مرتبة من الذين ينفقون المال وهم يحبُّونه؛ قال - تعالى-: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)،^[٦] فقد لا تكون لهم حاجة بها المال بالرغم من حبهم له، على خلاف آثروا الأخرين على أنفسهم؛ حيث كانوا بأمسِّ الحاجة إليه.^[٤]

أهمية خلق الإيثار

الأخلاق جميعها لها أهميّة عُظمى على المجتمع والفرد، وكذلك خُلق الإيثار فإنَّ له أهمية عظيمة، فمن منافع الإيثار:^[٧]

• الإيثار خُلق يدلّ على الإيمان و حسن فهم الإسلام.
• ينشر المحبّة بين الناس ويشيع الألفة.
• ترتقي النفوس بالعطاء، فكيف إذا رافق العطاء الحاجة، عندها يكون العطاء أرقى للنفس وأسمى لها.
• يدل الإيثار على حسن ظنّ العبد بربّه.
• تحلّ البركة على صاحب الإيثار، وتجلب له كُلّ خير.
• تُطهّر النّفس البشرية من الشّحّ والبخل.
• يتحقّق بالإيثار كمال الإيمان، كما جاء في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).^[٨]

الإيثار من الأخلاق الحميدة والعظيمة في الإسلام، ومعناه أن يعطي ويقدّم المسلم أخاه على نفسه، بالرغم من حاجته لما أعطاه إياه، ويتمثّل هذا الخُلق في أبهى صوره في الحادثة التي حصلت في معركة اليرموك، حين آثر الجرحى الثلاثة كلّ منهم أخاه على نفسه في شربة الماء، حتى ارتقوا جميعاً شهداء.

المراجع

1. ^ ^{أ ب} سلمان العودة، دروس للشيخ سلمان العودة، صفحة 12. بتصرّف.
2. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم:2586، صحيح.
3. ^ ^{أ ب} مجموعة من المؤلفين، كتاب موسوعة الأخلاق الإسلامية، صفحة 97. بتصرّف.
4. ^ ^{أ ب ت} مجموعة من المؤلفين، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، صفحة 221-222. بتصرّف.
5. ↑ سورة الحشر، آية:9
6. ↑ سورة الإنسان، آية:8
7. ↑ مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، صفحة 640.
8. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:13، صحيح.