بداية الدولة العثمانية

كتابة:
بداية الدولة العثمانية

عثمان بن أرطغرل

لمعرفة بداية الدولة العثمانية يجب التَّعرف على مؤسّس هذه السلالة وهو عثمان بن أرطغرل المولود سنة 1258م والمُلقب بأبو الملوك وعثمان الأول، وقد تولَّى زعامة العشيرة وشؤون الإمارة بعد وفاة والده الأمير أرطغرل الغازي، وقد شرع عثمان الأول سنة 1295م بمهاجمة الثغور البيزنطية باسم الخليفة العباسي والسلطان السَّلجوقي، كما سارع عثمان الأول بإعلان استقلاله عن السَّلاجقة بعد القضاء على سلاجقة الرُّوم من قبل المغول، وبذلك كان عثمان الأول المؤسس الفعلي لدولة تركية كبرى، والتي عُرفت بالعثمانية نسبةً إليه وحكمها بصفته سلطانًا، وقد اختلف المؤرخيين على تاريخ وفاته لكن تمّ حصره بين 1320م - 1327م لتُكمل ذُرّيته الحملات التي بدأ فيها لتتحول الإمارة إلى إمبراطورية كُبرى.[١]

سقوط الدولة العباسية

معرفة التسلسل الزمني ضروري لمعرفة بداية الدولة العثمانية، ففي أواخر فترات الدولة العباسية عَهَد منكوخان إلى أخيه هولاكو سنة 1228م إلى قيادة حملة على فارس وأوصاه ببسط السيطرة المغولية من العراق حتى أقاصي مصر، فكان من أولويات هولاكو وضع خطة عسكرية للقضاء على الإسماعيلية وصولًا إلى مصر في المرحلة الثانية، وكانت الأوضاع في بغداد سيئة جدًا؛ فقد اشتهر الخليفة المستعصم بعدم جديته في إدراة الشؤون العامة ولم يستعد لمواجهة الزحف المغولي بالإضافة للمشاكل الداخلية التي كانت تضرب الدولة العباسية كالإنقسام المذهبي، وقد طلب هولاكو من الخليفة أن يمده بجيش للقضاء على الطائفة الإسماعيلية بقصد إفراغ بغداد من الجيش.[٢]

لكنّ مستشاري الخليفة نصحوه بالامتناع عن إرسال الجيش وبعد أن فرغ هولاكو من القضاء على الإسماعيلية أرسل إلى الخليفة رسالة عتاب تتضمن تهديدًا ووعيدًا لامتناعه عن إرسال الجيش الذي طلبه، وكان الخليفة يعقد الأمل من تلقي المساعدة من أمراء المسلمين لكن مشاكلهم منعتهم من النهوص لمساعدته كما أن العالم الإسلامي المتفكك دفع هولاكو للزحف نحو بغداد، وقد استبد بهولاكو الغضب بعدما علم ما حل برسله من أذى العامة في بغداد، وأرسل رسالة تتضمن إنذارًا نهائيًا شديد اللهجة إلى الخليفة المستعصم والذي عرضها على كبار رجال الدولة ليستطلع رأيهم ليتبنَّى خيار المقاومة.[٢]

وعندما أدرك هولاكو أن في استطاعته السير إلى بغداد دون أن يتعرض للمصاعب أصدر أوامره بالتوجه إلى عاصمة الخلافة التي حاصرها حصارًا مركزًا، فما كان من الخليفة إلا أن يأخذ بالرأي الثاني الذي أشاره عليه كبار الدولة وهو إرسال الأموال والهدايا والتي رفضها هولاكو ليقدم على خطة يقتل بها عدد كبير من الجنود وسكان بغداد، ويخرج بعدها الخليفة من بغداد ويسلم نفسه لهولاكو الذي وعده بالأمان ليدخل بعدها جنود المغول إلى المدينة فهدموا مساجدها وأهلكوا أهل العلم وعاثوا فيها الفساد/ وانتهت الأحداث بمقتل المستعصم وابنيه وأسر ما تبقى منهم وبمقتل الخليفة وبعد أكثر من خمسة قرون من الحكم العباسي انتهت دولة الخلافة العباسية.[٢]

بداية الدولة العثمانية

كانت بداية الدولة العثمانية من خلال تشكل حدود الإمارة العثمانية عن طريق مؤسس الإمارة عثمان بك "عثمان الأول"، وبحسب كتب التاريخ من الصعوبة بمكان تقديم جدول زمني صحيح بظهور وأعمال عثمان الأول والأدوار الأولى والأحداث السياسية في التاريخ العثماني، فالمعلومات حول التاريخ العثماني تعتمد على المؤلفات التي تعج بالروايات الشعبية التي دونت في القرن الخامس عشر لتعكس وجهان نظر العثمانيين أنفسهم في ذلك الزمان.[٣]

فقد عمل عثمان الأول في بداية الدولة العثمانية على التعايش في البداية مع الولاة البيزنطيين المجاورين وسعى لتقوية موقفه بدلًا من الدخول معهم في خلافات، وقد نجح في تحويل الجهاد إلى فكر تعتنقه الإمارة وما زاد من قوة وضعه انضمام بعض الولاة البيزنطيين إليه، فقسم من أهالي الإمارات التركمانية المجاورة وبدأت صفات عثمان الأول بالغزو والجهاد تتضح تدريجيًا، وأصبح يضاعف ضغوطه على إزنيق وبورصة وجراء ما ناله عثمان الأول من شهرة وما يتناقل عنه تزودت الإمارة العثمانية بمصدر الطاقة البشرية، وكان الهدف الأساسي للإمارة مثل حال الإمارات التركمانية الأخرى ترتكز على مفهوم الغزو والجهاد كما أن روح الشجاعة الحربية والترويج للغنائم أشعلت فتيل الحماس للفتح.[٣]

كانت بداية الدولة العثمانية خلال تشكل الإمارة العثمانية تمارس نشاطاتها على الحدود البيزنطية، وقد حالف العثمانيين الحظ نظرًا لموقعهم الجغرافي المناسب، وكان هناك عدة أمور أدّت إلى انضمام العديد من المحاربيين إلى عثمان بك وبدأت مرحلة استقطاب القوات العسكرية من الإمارات المجاورة، وقد اتبع العثمانيون سياسة حماية الأهالي وجعلوا همهم الأول التمسك بمبادىء العدالة، فقد نجح العثمانيون في ضم أراضي من من إمارة تدعى إمارة أبناء قاره سي وتركوا لها قسمًا من الأراضي على سبيل الإقطاع العسكري، ثم اقتطع العثمانيون قسمًا من أراضي إمارة أبناء كرميان عن طريق المصاهرة، وقسمًا آخر من أراضي إمارة أبناء حميد عن طريق الشراء، لكن إمارة واحدة ظلت تقاوم العثمانيين مدة طويلة وهي إمارة أبناء قرمان الذين يرون أنفسهم الوريث الشرعي للسلاجقة.[٣]

وفي زمن السلطان مراد الأول تشكلت الوحدة التركية في الأناضول بسبب الضغوط العثمانية على الإمارات المجاورة، ومن الأمور التي ساعدت بداية الدولة العثمانية عدم ظهور أيَّة ردود فعل تناهض السيادة العثمانية وقد ساعد سقوط المقاومات البيزنطية على ترسيخ وجود واستقرار العثمانيين والتي يسرت لهم السيادة على سواحل مرمرة، وكان لفتح أدرنة قبل دخول الربع الأخير من القرن الرابع عشر أن ضاعف من قوة العثمانيين، ومن الجدير بالذكر أنه في بداية الدولة العثمانية ساعد تطبيق نظام الاقطاع العسكري في الأراضي المفتوحة في تأسيس حكم أكثر انتظامًا وأصبح مزارعو البلقان مثل المزارعين العثمانيين في حرية الحركة.[٣]

وخلال بداية الدولة العثمانية نجح السلطان مراد الأول بتحويل الإمارة إلى دولة وكانت الاحتياجات الجديدة خلال عهده قد مهدت لتشكيل نظام عسكري جديد بالإضافة للتغييرات في نظام الدولة ما ساعد على وضع أسس الهيكل المركزي، وقد حققت معركة قوصوه عام 1389م مكاسب عسكرية وسياسية للعثمانيين فلم تعد في المناطق الباقية في جنوب نهر الدانوب قوة يمكنها التصدي للعثمانيين عدا المجريين، ومن الأمور التي ساعدت الشعوب البلقانية في الحفاظ على وجودها نظام العدالة الذي جرى تطبيقه من خلال الشريعة الإسلامية والإدارة المركزية الراسخة.[٣]

كانت الإمارة العثمانية في بداية الدولة العثمانية وفي الوقت الذي توفي فيه السلطان مراد الأول في قُوصُوَّة قد تحولت إلى دولة كاملة الأركان، وقد بدأت الدولة سياسة جديدة بعد تولي بايزيد الأول الملقب بالصاعقة والذي بجانب نجاحاته العسكرية كان يقوم بأعمال تستهدف نقل مجتمع إمارة الحدود إلى مجتمع دولة ثابتة قادرة على البقاء، فحاول وضع البنية الأساسية لإدارة دولة مركزية تركية إسلامية وفي عام 1402م تحرك تيمورلنك بجيش جرار وهزم العثمانيين هزيمة فادحة، فانهارت الدولة المركزية وتحولوا إلى مجرد إمارة تعترف بسيادة تيمورلنك.[٣]

واستطاع العثمانيون في بداية الدولة العثمانية وبعد ضربة تيمورلنك أن يقفوا على قدم ثابتة في منطقة الروملي التي نجحوا في الحفاظ على وحدتها حتى تمكنوا من استعادة قوتهم فيها، وقد نجح جبلى محمد والذي كانت فترة حكمه قصيرة في إنهاء الحرب الداخلية وتوحيد أراضي العثمانيين في الأناضول والروملي وبفضل الجهود الذي بذلها ابنه مراد الثاني قطعت الدولة مرحلة هامة في استجماع قواها حيث كانت فترة حكمه البعث الجديد للدولة العثمانية، وقد حاول مراد الثاني الضرب على وتر تفوق عشيرة "قايى" حتى يحطم النفوذ التيموري في الأناضول، هكذا كانت بداية الدولة العثمانية قبل الانتقال من الدولة إلى الإمبراطورية.[٣]

اللغة والدين

كان في الدولة العثمانية عدد من اللغات فكانت اللغة التركية هي اللغة الرسمية، وتكلم بها أغلبية السكان في كل من الأناضول وتراقيا، كما أن المسلمين البلقانيين تكلموا باللغة التركية وقد استخدمها كل من المثقفين غير الأتراك وخصوصًا موظفي الدوائر الحكومية، كما أن اللغة العربية كانت الثانية من حيث الأهمية والتي تكلم بها سكان البلدان العربية الخاضعة تحت الحكم العثماني بالإضافة إلى الشعوب المسلمة في الدولة العثمانية كونها لغة الدين الإسلامي وكان من يتقنها كما العرب الطبقة المثقفة، واللغة التركية العثمانية والمتأثرة باللغتين العربية والفارسية مختلفة عن اللغة التركية الحديثة، كما أن اللغة الفارسية كان لها انتشار محدود بين المثقفين العثمانيين ومن اللغات الأخرى التي كانت تستخدم في الدولة العثمانية الكردية واليونانية والمجرية.[٤]

كما ضمت الدولة العثمانية الكثير من أتباع المذاهب والديانات الأخرى؛ نتيجة اتساع رقعة الدولة سواء أكانت ديانات إبراهيمية أو غير إبراهيمية، وكان الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للدولة العثمانية، وقد سمح العثمانيون للمسيحيين واليهود بممارسة شعائرهم الدينية بحرية وفقًا لما تنص عليه الشريعة الإسلامية، فقد كان أهل الكتاب من غير المسلمين يعتبرون رعايا لكن دون أن يطبق عليهم قانون الدولة، كما أن المسيحية الأرثوذكسية كانت أكبر الملل غير الإسلامية في الدولة، وكجميع الدول الإسلامية السابقة للدولة العثمانية قامت الدولة بفرض الجزية على الرعايا غير المسلمين لإعفائهم من خدمة الجيش، أما اليهود فقد سكنوا مناطق عديدة من الدولة العثمانية حيث يقول بعض المؤرخين أنهم أسهموا في إسقاط الدولة العثمانية نتيجة تعاونهم مع اليهود الأوروبيين الداعين للصهيونية، بالإضافة لإسهامهم في تشويه صورة الدولة العثمانية لاحقًا.[٤]

انهيار الدولة العثمانية

أجمع المؤرخون المعاصرون على أن العصر الذهبي للدولة العثمانية كان في عصر السلطان سليمان القانوني، كما أكد الكثير منهم أن مظاهر الضعف وانهيار الدولة بدأت في الظهور خلال هذا العصر أيضًا لكنهم اختلفوا حول الأسباب التي أدت إلى ضعف الدولة العثمانية، فقد أدرك بعض رجال الدولة العثمانية بعض مواطن الضعف التي تسللت لمؤسسات الدولة خلال عصر سليمان القانوني، إلا أن الملاحظات لم تؤخذ مأخذ الجد بسبب عظمة الدولة وقوتها في هذه الفترة والتي بدأت تظهر بوضوح منذ الربع الأخير من القرن السادس عشر، فقد أشعل التقدم العثماني نحو الغرب أوروبا التي رأت أن العثمانيين يمثلون الخطر الإسلامي الداهم على الشعوب المسيحية في أوروبا منذ سقوط القسطنطينية.[٥]

وقد بدأ ملوك وقادة ومفكري أوروبا بالبحث عن الوسائل لمواجهة هذا الخطر من الداخل والخارج وكان النجاح الأول للتحالف الصليبي عن طريق رجال الدين والسياسة الأوروبيين الذين دعوا إلى البحث عن عوامل القوة لدى الدولة العثمانية والعمل على إضعافها، وقد ازداد إدراك علماء الدولة العثمانية لمظاهر الضعف والاضطراب والتي بدأت تنتشر في أنحاء البلاد خلال القرن السابع عشر والذين تضاعفت عدد مؤلفاتهم حول تلك التغييرات والذي نتج عنه وضع تقرير حول حالة الخلل العامة، والذي سمّي دستور العمل في إصلاح الخلل.[٥]

ويمكن القول بأن تغير العوامل التي كانت سببًا جوهريًا لبداية الدولة العثمانية وتبدل الظروف الداخلية والخارجية والتي ساعدت الدولة العثمانية على الازدهار كانت من أهم أسباب عجز الدولة العثمانية عن مقاومة هذه التحديات، وبالتالي ظهور الاضطرابات في مؤسسات الدولة الداخلية، بالإضافة للسياسة الداخلية والخارجية أدّى إلى توقف الفتوحات وتقلص الحدود تدريجيًا، والذي قاد الدولة في النهاية إلى الانهيار التامّ.[٥]

المراجع

  1. "عثمان الأول"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-07-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت الدكتور محمد سهيل طقّوس (2009)، تاريخ الدولة العباسية (الطبعة السابعة)، بيروت: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 251,255. بتصرّف
  3. ^ أ ب ت ث ج ح خ أكمل الدين إحسان أوغلى، أ.د.محمد عاكف آيدين، أ.د.كمال بكديللي وآخرون (1999)، الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، تركيا: مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، إسطنبول، صفحة 5،22. بتصرّف
  4. ^ أ ب "الدولة العثمانية"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 23-07-2019. بتصرّف
  5. ^ أ ب ت د.سيد محمد السيد محمود (2007)، تاريخ الدولة العثمانية [النشأة - الازدهار] (الطبعة الأولى)، القاهرة: مكتبة الآداب، صفحة 342،350. بتصرّف
4456 مشاهدة
للأعلى للسفل
×