بماذا لقبت سوة يس
قلب القرآن
إنّ اللّقب العظيم الذي لُقِبّت به سورة يس هو قلبُ القرآن، وما قلبُ أيّ شيءٍ إلّا لُبّه وخُلاصتِه ومكنونه الأساسيّ، فسورة يس هي لُبّ القرآن وخالصِه، كما أن ذِكْر الحياة والموت موجودٌ فيها، ويُحتمل أن تكون لصفةٍ فيها؛ وهي أنّها تُقرأ على الموتى لِتُخفّف عنهم،[١] وورد أيضاً في تفسير ذلك أنّها بمثابةِ القلبِ من الجسد،[٢] وقد جاء ذكر لقبها بحديثٍ ضعيف مشهور بين الناس، فقد رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنَّ لِكُلِّ شيءٍ قَلبًا وقلبُ القرآنِ يَس)،[٣] والسببُ المباشر في تلقيبها بقلبِ القرآن؛ هو أنّه لو كان بالإمكان أن يكون للقرآن قلباً لكانت سورة يس؛ فهي موطنُ الاعتقاداتِ كُلّها ومستودعه؛ لِما فيها من ذكر أحداث القيامة؛ كالبعث، والحشر، والجزاء، والجنّة، والنّار، وفيها ما ليس في غيرها من السّور، وفيها ذكر الأحوال للأجرام العلويّة، والعِظات البليغة، والحِكم والأمثال العظيمة،[٤] وعلى الرغم من قلّة آياتِها، وقصرعدد صفحاتِها؛ إلّا أنّها اشتملت على كُلّ معنى من معاني القَصص في القرآن الكريم، وتضمّنت ذكر التوحيد، والأوامر والنواهي، وسرد قَصص فريقَيْ الإيمان والكفر، وفيها ذِكر العقائد والأحكام، والرقائق والآداب، وذِكرٌ للدنيا والآخرة.[٥]
وفيها بيان الحجج والبراهين الشتّى في تصوير إحياء الأرض الميتة، والليل والنهار، وحركة الكواكب والأفلاك في مداراتها، وجريان تلك السُّفُن في البحار، ومصير الكفّار الذليل المخزي عند الموت وحسرتهم يوم البعث والجزاء، ومصير المؤمنين السّعيد المفرِح عند الموت، واشتغالهم مع أزواجهم على الأرائك في الجنة، وفيها من شهادة الجوارح على أهل المعاصي يوم القيامة، ومردّ السورة الرئيس عائدٌ إلى تأكيد أمر القرآن وإنزال الحجّة القوية على أهل الضلالة والخِذلان، والإقرار الدائم بوحدانيّة الله -تعالى- وقدرته على الخلق والإحياء والإماتة،[٦] وقد اعتبر الصحابيّ الجليل معقل بن يسار -رضي الله عنه- أنّ قلب القرآن اسماً آخرَ للسّورة لا لَقباً فحسب.[٧]
ألقاب أخرى لسورة يس
ذُكِر في تفسير الطنطاويّ -رحمه الله- أنّ سورة يس سُميّت بالمعمّة، أو المدافعة، أو القاضية، ووجه المعنى في ذلك أنّها تعمّ صاحبها بخيريّْ الدنيا والآخرة، كما أنها تُدافع عنه وتدفع عنه السوء، وتقضي له حوائجه بأمر الله وفضله،[٨] وقد سُمّيت كذلك بحبيب النجّار؛ وذلك لِما جاء في السورة من ذِكر قصة الرجل الذي جاء يسعى من أقصى القرية، وهو حبيب النجّار،[٦] وقد ورد ذلك عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-.[٩]
تعريف بسورة يس
إنّ سورة يس من السّور العظيمة في القرآن الكريم، وهي سورةٌ مكيّةٌ تتكوّن من ثلاثٍ وثمانين آيةً، وسبعِ مئةٍ وسبعٍ وعشرين كلمةً، وثلاثةِ آلافٍ وعشرين حرفاً،[١٠] وقد جاءت سورة يس تتحدّث عن القرآن الكريم والنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وما جرى من تكذيب قومه له، وهي في مجملِها تتحدّث عن رسالة النبيّ التي تُذكّر النّاس بالبعث ووحدانيّة الله وقدرته -سبحانه وتعالى- على تصيير الأمور، وتبُثّ في النّفس المشاعر التي تدعو للتأمّل والتفكّر بوقائع القيامة وأحداثها، وممّا تميّزت به سورة يس؛ لقبها بقلب القرآن الكريم، ومما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن سورة يس قوله: (اقرؤوا يس على موتاكم).[١١][١٢]
المراجع
- ↑ محمد بن علي الشوكاني (1984م)، تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين (الطبعة الأولى)، بيروت: دار القلم، صفحة 407. بتصرّف.
- ↑ أبو محمد ابن قتيبة الدينوري (1419هـ)، تأويل مختلف الحديث (الطبعة الثانية)، دمشق: المكتب الإسلامي، صفحة 376. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2887، غريب [فيه] هارون أبو محمد شيخ مجهول.
- ↑ ابن الملك (1433هـ)، شرح مصابيح السنة للإمام البغوي (الطبعة الأولى)، الكويت: إدارة الثقافة الإسلامية، صفحة 39، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ محمد المنتصر بالله، تفسير القرآن الكريم، صفحة 2، جزء 237. بتصرّف.
- ^ أ ب جعفر شرف الدين (1420هـ)، الموسوعة القرآنية، خصائص السور (الطبعة الأولى)، بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 171، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ سعيد حوّى (1424هـ)، الأساس في التفسير (الطبعة السادسة)، القاهرة: دار السلام، صفحة 514، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ محمد سيد الطنطاوي (1998هـ)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار نهضة مصر، صفحة 8، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ "حبيب النجار مؤمن آل ياسين"، www.islamweb.net، 10-11-2003، اطّلع عليه بتاريخ 4-10-2020. بتصرّف.
- ↑ مجير الدين بن محمد العليمي (1430هـ)، فتح الرحمن في تفسير القرآن (الطبعة الأولى)، دمشق: دار النوادر، صفحة 465، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حِبّان، في صحيح ابن حِبّان، عن معقل بن يسار، الصفحة أو الرقم: 3002، صحيح.
- ↑ وهبة الزحيلي (1422هـ)، التفسير الوسيط (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2143، جزء 3. بتصرّف.