محتويات
قصيدة: البحث عن السعادة
قد بحثْنا عن السّعادةِ لكن
- ما عثرنا بكوخها المسحور
أبدًا نسأل الليالي عنها
- وهي سرّ الدنيا ولغزُ الدّهور
طالما حدّثوا فؤادي عنها
- في ليالي طفولتي وصبايا
طالما صوّروا لعينيّ لقيا
- ها وألقوا أنباءها في رؤايا
فهي آنًا ليست سوى العطرُ والألـ
- وانُ والأغنياتُ والأضواء
ليس تحيا إلا على باب قصر
- شيّدَتْه أيدي الغنى والرخاء
وهي آنًا في الصّومِ عن مُتعِ الدنـ
- ـيا وعند الزّهادِ والرهبان
ليس تحيا إلا على صخر المعـ
- ـبد بين الدعاءِ والإيمان
وهي حينا في الإثمِ والمُتعِ الدنـ
- ـيا وفي الشرّ والأذى والخصام
ليس تصفو إلا لقلب دنيء
- لائذ بالشرور والآثام
وهي في شرع بعضهم عند راع
- يصرف العمر في سفوح الجبال
يتغنى مع القطيع إذا شا
- ء تحت الشّذى والظّلال
وهِي في شَرعِ آخرين ابنةُ العزِّ
- لة والفنِّ والجمالِ الرفيعِ
ليس تحيا إلا على فم غرّيـ
- د يغني أو شاعر مطبوع
وهي حينا في الحبّ يلهمها سهـ
- ــم كيوبيد قلب كلّ محبّ
ليس تحيا إلا على شفة العا
- شق يشدو حياته لحن حبّ
حدّثوني عنها كثيرًا ولكنْ
- لم أجدْها وقدْ بحثْتُ طويلًا
لم أزلْ أصرفُ الليالي بحثًا
- وأغّني بها الوجودَ الجَميلا[١]
قصيدة: خمس أغانٍ للألم
- مُهْدي ليالينا الأسَى والحُرَقْ
- ساقي مآقينا كؤوسَ الأرَقْ
- نحنُ وجدناهُ على دَرْبنا
- ذاتَصباحٍ مَطِيرْ
- ونحنُ أعطيناهُ من حُبّنا
- رَبْتَةَ إشفاقٍ وركنًا صغيرْ
- ينبِضُ في قلبنا
- فلم يَعُد يتركُنا أو يغيبْ
- عن دَرْبنا مَرّهْ
- يتبعُنا ملءَ الوجودِ الرحيبْ
- يا ليتَنا لم نَسقِهِ قَطْرهْ
- ذاكَ الصَّباحَ الكئيبْ
- مُهْدي ليالينا الأسَى والحُرَقْ
- ساقي مآقينا كؤوس الأرَقْ
- مِن أينَ يأتينا الأَلمْ؟
- من أَينَ يأتينا؟
- آخَى رؤانا من قِدَمْ
- ورَعى قوافينا
- أمسِ اصْطحبناهُ إلى لُجج المياة
- وهناكَ كسّرناه بدّدْناهُ في موج البُحَيرة
- لم نُبْقِ منه آهةً لم نُبْقِ عَبْرة
- ولقد حَسِبْنا أنّنا عُدْنا بمنجًى من أذَاهْ
- ما عاد يُلْقي الحُزْنَ في بَسَماتنا
- أو يخْبئ الغُصَصَ المريرةَ خلف أغنيَّاتِنا
- ثم استلمنا وردةً حمراءَ دافئةَ العبيرْ
- أحبابُنا بعثوا بها عبْرَ البحارْ
- ماذا توقّعناهُ فيه؟ غبطةٌ ورِضًا قريرْ
- لكنّها انتفضَتْ وسالتْ أدمعًا عطْشى حِرَارْ
- وسَقَتْ أصابعَنا الحزيناتِ النَّغَمْ
- إنّا نحبّك يا ألمْ
- أليسَ في إمكاننا أن نَغْلِبَ الألمْ؟
- نُرْجِئْهُ إلى صباحٍ قادمٍ؟ أو أمْسِيهْ
- نشغُلُهُ؟ نُقْنعهُ بلعبةٍ؟ بأغنيهْ؟
- بقصّةٍ قديمةٍ منسيّةِ النَّغَمْ؟
- ومَن عَسَاهُ أن يكون ذلك الألمْ؟
- طفلٌ صغيرٌ ناعمٌ مُستْفهِم العيونْ
- تسْكته تهويدةٌ ورَبْتَةٌ حَنونْ
- وإن تبسّمنا وغنّينا له يَنَمْ
- يا أصبعًا أهدى لنا الدموع والنَّدَمْ
- مَن غيرهُ أغلقَ في وجه أسانا قلبَهُ
- ثم أتانا باكيًا يسألُ أن نُحبّهُ؟
- ومن سواهُ وزّعَ الجراحَ وابتسَمْ؟
- هذا الصغيرُ.. إنّه أبرَأ مَنْ ظَلَمْ
- عدوّنا المحبّ أو صديقنا اللدودْ
- يا طَعْنةً تريدُ أن نمنحَها خُدودْ
- دون اختلاجٍ عاتبٍ ودونما ألمْ[٢]
قصيدة: إلى ميسون
إن خَبَتْ أعينُ النجوم
- وسَجتْ بسمة القمرْ
واختفت خضرة الكروم
- وذوى الورد وانتشرْ
كنتِ لي أنتِ كوكبًا مخمليّ الـ
- ـلمس ينثالُ عطرِ وضوءِ
كان لي من بريق عينيك لون الـ
- ـقمر اللّدْن في ليالي الدفءِ
كان وحيي حكاية منكِ فيها
- من شذى الورد ألف شيء وشيءِ
كانَ لي من صفاءِ وجهك بدءٌ
- لأغاني حبٍّ وحبٍ وحبِّ
معبر للجمال من شاطئ المجـ
- ـهول يرسي أتلاقُهُ عند قلبي
قصيدة: مأساة الأطفال
ودموعُ الأطفالِ تجرحُ لكنْ
- ليس منها بدٌّ فيا للشّقاء
هؤلاءِ الذينَ قدْ منحُوا الحسَّ
- وما يملكونَ غيرَ البكاءِ
منحَتْهم كفُّ الطّبيعةِ قلبًا
- بشريًّا يستشعرُ الآلاما
ورمتهم في كفّةِ القدرِ الغا
- شمِ جسمًا لا يستطيعُ كَلاما
فإذا ما بكَوا فأدمع خرس
- ربما كان خلفَها ألفُ معنى
ربما كانَ خلفَها الألمُ القا
- تلُ أو رغبةٌ مع الريحِ تفنى
ربّما ربّما وما ينفعُ الظنّ
- ونوحُ الأطفالِ ملءَ الحياة
وُلدوا صارخين بين يدِ الأقـ
- ـدارِ فليصْرخُوا ليومِ الممات
علّهم يدركون ما لم نقف نحـ
- ـنُ عليهِ من ظلمةِ الأسرارِ
ويرونَ الحياةَ ليلًا من الشرِّ
- تدلّى على حفافِ النّار
فهم يصرخون من ألمِ المُقـ
- ـبلِ أو يندبون ما قدْ أضاعُوا
أو لم يقبلوا على غيهبِ العا
- لمِ حيثُ المحيا أسًى وصراع
لم يزلْ في نفوسِهم أثرُ الما
- ضي النقيِّ الجميلِ أو ذكراه
حين كانُوا في عالمٍ عبقريٍّ
- كلُ حيٍّ على ثراه إله
عالمٌ غير عالمِ البشرِ المرّ
- بعيد عن الدّجى والفناء
قصيدة: بين قصور الأغنياء
سرت بين القصور وحدي طويلًا
- أسأل العابرين أين الطروب؟
فإذا فتنةُ القصورِ ستارٌ
- خادعٌ خلفَه الأسى والشحوب
لمْ أجدْ في القصورِ إلا قلوبًا
- حائرات وعالمًا محزونا
ليس إلا قومٌ يضيقونَ بالأيّـ
- ـام ضيقَ الجياعِ والبائسينا
ليس ينجيهم الغنى من يدِ الأشـ
- ـجانِ ليستْ تُنجيهم الكبرياء
ليسَ يعفو المماتُ عنهم فهم حز
- نٌ وصمتٌ وحـيرةٌ وبكاءُ
كم وراءَ القصورِ من مُقَلِ تبـ
- ـكي وتشكو قساوةَ المقدور
كم قلوبٍ تودّ أن تبدلَ القصـ
- ـرَ بكوخٍ على حفافِ الغـدير
إن يكونوا نجَوا من الجوعِ والفقـ
- ـرِ ولم يفترسْهم الحرمان
فلقد طالما أحسُّوا بجوعِ الـ
- ـروح واستعبدَتْهم الأحْزان
إنْ يَكونُوا يقضُون أيّامَهم بيـ
- ـن الحريرِ الملوّنِ الجذّاب
فغدًا تعبرُ الدهورُ وهم مو
- تى على الشّوكِ والحصَى والتّراب
إن يكن في قصورهم من سنا الأضـ
- ـواءِ ما يُرجِع الظلامَ ضـياء
فغدًا يخمدُ الضياءُ وتبقى
- ظلمةُ اللّيلِ بكرةً ومساء
ليس تُنجي القصورُ من ربقةِ الحُز
- ن إذا طاف بالقلوب دجاه
كم غنيِِّ يقضي الحياةَ شقيًّا
- مغرقًا في أنينهِ وبكاه
كلُّ ما في هذا الوجودِ من الأمـ
- ـوالِ لا يستطيعُ دفع الشّقاء
كلُّ تلك الكنوزِ ما غمرَتْ قطّ
- غنيًّا بساعةٍ من هناء
قصيدة: عند الرهبان
سرْ بنا نحوَ ذلك المعبدِ القا
- ئمِ فوقَ الصّخورِ بين الجبال
سرْ بنا سرْ بنا لعلّ لدى الرُّهـ
- ـبان سرَّ النعيمِ والآمال
هؤلاء الزهّادُ في القّنة البيـ
- ـضاءِ حيث الصفاءُ ملءَ الوجود
علّهم يعرفونَ ما قدْ جهلْنا
- عن شهابِ السّعادةِ المفقود
قد سألْت الرهبانَ عن كنزِنا السّحـ
- ـريّ لكن لم ألقَ منهم جوابا
لم يجبْني منهمْ سوى صوتُ محزو
- نٍ يغّني ويجرعُ الأوصابا
لم أجد في تلك الصوامعِ غيرَ الـ
- أوجهِ الشّاحباتِ والدّيجور
لمْ أجدْ غيرَ وُحشةٍ تبعثُ اليأ
- سَ وصمتٍ كمثلِ صمتِ القبور
هؤلاءِ الأشباحُ ماذا تراهم؟
- آدميّونَ أم بقايا طيوف
فيَم جاؤوا وأيةُ سلوى
- وجدُوها ما بينَ هذي الكُهوف
في بعيدِ الآفاقِ تحت دياجيـ
- ــر وجودٍ تمشي الكآبةُ فيه
حيثُ ما زالت الحياةُ كما كا
- نتْ على عهدِ آدمَ وبنِيه
حيث لا زهرٌ لا عرائشُ لا أشـ
- ـجار لا شيء غير هذا السّكون
لا جديد فيه سوى موت حيّ
- من بنِيه ما بين حين وحين
أيّها الراهبُ الذي يقطعُ العمـ
- ـرَ وحيدًا في كوخِه المكفهرّ
هاتِ حدّثني العشّيةَ عما
- عند دنياكَ من نعيمِ وبشر
حدّثُوني عنكم فقالُوا حياة
- منْ نعيمٍ وأنْفسٌ من نقاء
عجبًا أين ما يقولون؟ ما لي
- لا أرى غيرَ حيرةَ الأشقياء
ما الذي عندَكم منَ البشر والأفـ
- ـراح؟ ماذا يا أيُّها الزاهدونا؟
ليس إلا عمرٌ يمرُّ حزينا
- يتهاوى كآبةً وسكونا
حدّثوني عنْكم فقالُوا قلوب
- نُسجَت من نقاوةٍ وثراء
ونفوسٌ صِيغَت من الزّهرِ والعط
- ـر وهامَت معَ السَّنا والّنقاء
أين هذا الّذي يقولُون عنكم
- أيّها الراهبون؟ أين تراه؟
اسم (تاييس) لم يزلْ يملأُ الكو
- ن فأينَ الّذي أضلّتْ خطاه؟
ما نسيْنا غوايةَ الرّاهبِ المسـ
- ـكينِ في حبِّها، وكيف هداها
يا له بائسًا سما بابنة الإثـ
- ـمِ إلى قمّةِ السّماء وتاها
أيّها الرّاهبون لن تنبت الأز
- هارُ والعطرُ والسّنا في النفوس
عبثًا تهربون من مغرياتِ الـ
- ـعيشِ كم في الوجود من تاييس
لنْ تذوقُوا شهْدَ السعادةِ ما دمـ
- ـتم أَناسيّ من ترابٍ وماء
كتبَتْ هذهِ الطّبيعةُ للأحـ
- ـياءِ أن يكرعُوا كؤوسَ الشّقاء
أو تنسونَ أنّكم لم تزالُوا
- مثلما كنْتُم حَيارَى حَزَانى
لم تزلْ فتنةُ الوجودِ تناديـ
- ـكُم وتهفيكم إلى ما كانا
لم تزلْ ذكرياتُ أمسِكُم المَهـ
- ـجورِ تحيا في الأنفسِ المحزونة
وخيالٌ من عالم فاتن الألـ
- ـوانِ ملْء المشاعرِ المغبونة
أيّها الراهبونَ ماذا إذنْ نفَـ
- ـعَ اعتزالٌ تَشُوبُهُ الصّبواتُ
آه عودُوا إلى مصارعةِ الدّهْـ
- ـرِ وعيشُوا كما تشاءُ الحياةُ
أيّها المعبدُ الحزينُ وداعًا
- أنتَ يا مَن لاذَتْ بهِ آمالي
لم أجدْ في حماكَ زهرةً أحلا
- مي فيا ضيعةَ السّرى والكلال
لم أجدْ زهرةَ السعادةِ والأفـ
- ـراحِ عندَ الزهّادِ والرّاهبينا
آه ضاعَتْ أيّامُ عمري وما زا
- لَ شراعي يطوي فراغًا حزينا
عندَ شطِّ الحياةِ ألقيْتُ مرسى
- زورقِي في الضّبابِ تحتَ الظّلام
لقراءة المزيد، انظر هنا: مؤلفات نازك الملائكة.
المراجع
- ↑ "البحث عن السعادة"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/5/2021.
- ↑ "نازك الملائكة"، جود ريدرز، اطّلع عليه بتاريخ 28/5/2021.