محتويات
تاريخ المدرسة الواقعية
الواقعية اتجاه فنّيّ يُصوّر بدقة وتفصيل الطبيعة والحياة من دون تحسين أو تجميل؛ لأنها ترفض المثالية والخيال، بل تهتم بالمشهد كما هو تمامًا، وقد وجدت المدرسة الواقعية في مختلف الحضارات، مثلًا المنحوتات اليونانية القديمة الهلنستية، ولم تظهر كاتجاه مُستقل إلا في منتصف القرن التاسع عشر في فرنسا.[١]
استخدمت الواقعية محاكاة الإنجازات الفنية القديمة، وحاولوا تصوير الحياة ومظاهرها اليومية، ومشاكل وعادات وأعراف الطبقتين الوسطى والدنيا، فقد وضع الفنانون أنفسهم مقابل ضميرهم الحي لتصوير جميع الجوانب التي تجاهلها غيرهم من الحياة والمجتمع المعاصر، والمواقف العقلية، والأوضاع المادية، وتم تحفيزها من خلال التطورات الفكرية المناهضة للرومانسية في ألمانيا.[١]
مرحلة غوستاف كروبيه
نشأت الحركة أول مرة لمعارضة الرومانسية التي هيمنت على الأدب والفن الفرنسيين منذ أواخر القرن الثامن عشر، وثارت الواقعية ضد الموضوعات الغريبة والعاطفية والنموذجية المبالغ فيها عند الرومانسيين، وحاولوا قدر إمكانهم تصوير الحياة الواقعية كما هي، ورسموا حياة الأشخاص والعمال العاديين، وأول من دعا لها غوستاف كوربيه، وجان فرانسوا ميليت، وأونوريه دومير، وجان بابتيست كميل كورو.[٢]
رفَضَ جان كوربيه الاتفاقية الأكاديمية السائدة والرومانسية في عصره، وضرب استقلاله مثالًا مهمًّا للفنانين اللاحقين، مثل الانطباعيين والتكعيبيين، وكان لوحاته في الأغلب ذات موضوعات دينية أو تاريخية، كما أثار الجدل من خلال معالجة القضايا الاجتماعية في عمله، عندما رسم الموضوعات التي كانت تُعدُّ مبتذلة، مثل البرجوازية الريفية، والفلاحين، وظروف عمل الفقراء.[٢]
مرحلة جان فرانسوا ميليت
هو رسام فرنسيّ، وأحد مؤسسي مدرسة باربيزون في المناطق الريفية بفرنسا، اشتهر بلوحاته التي تصوّر الفلاحين ويمكن تصنيف مرحلته على أنها فرع مهم من حركة الفن الواقعية، وأحد أشهر لوحاته هي (غليرنيس 1857)، التي تُصوّر النساء والأطفال الفقراء وهم يعملون في إزالة أجزاء الحبوب المتبقية في الحقول بعد الحصاد، وقد وجد النّقّاد هذا الموضوع مرتبطًا بقصص من العهد القديم.[٢]
مرحلة ما قبل الرفائيلية
(ما قبل الرفائيلية) حركة فنية سعت لإصلاح الفن من خلال رفض ما اعتبروه نهجًا ميكانيكيًّا، أول من تبنّاها فنانو حركة مانييريزمو، الذين خلفوا رافائيل ومايكل أنجلو، واعتقدوا أنّ الأناقة في رسم الوجوه أفسدت التدريس الأكاديمي للفن، ومن هنا جاء اسمها (ما قبل الرفائيلية)؛ أي أنّهم يريدون العودة إلى المرحلة السابقة المليئة بالتفاصيل الوفيرة والألوان المكثفة والتركيبات المعقدة.[٢]
الواقعية وما قبل الرفائيلية
تصادمت الحركتين خلال ثقافة العصور الوسطى مع مبادئ الواقعية، التي شددت على المراقبة المستقلة للطبيعة، واعتقدت جماعة ما قبل الرفائيلية في مراحلها الأولى أن مصلحتهما تتفق مع بعضها البعض، لكنّها في السنوات اللاحقة انقسمت عنها واتّجهت باتجاه مخالف تمامًا، وفي هذه المرحلة قاد الواقعيون وليام هانت، وجان ميليه، بينما قاد استيفان روستي وإدوارد بورن جونز وويليام موريس اتجاه القرون الوسطى.[٢]
لم يكن انقسام الفريقين مطلقًا أبدًا؛ لأن كلا الفريقين اعتقدا أن الفن كان أساسًا روحيا في طبيعته، لكنّهما عارضا تصوير الواقعية المادية المرتبطة بكوربيه والانطباعية، كما أن جماعة ما قبل الرفائيلية تأثرت بالطبيعية، واستخدم أعضاءها تفاصيل رائعة لإظهار العالم الطبيعي، باستخدام تقنيات تركيز ساطعة وحادة على القماش الأبيض.[٢]
طوّر هانت وميليه تقنية للرسم بزجاج رقيق على أرضية بيضاء مبللة على أمل أن تحتفظ الألوان بالشفافية والوضوح الشبيهين بالجواهر؛ لأنّهم حاولوا جدًّا إظهار تألق اللون، ردّة فعل على الاستخدام المفرط للظلام الموحل في لوحات الفنانين البريطانيين الأوائل، وهو تأثير احتقره روّاد ما قبل الرفائيلية جدًّا.[٢]
تأثير المدرسة الواقعية
مع تطور المدرسة الواقعية الفنية، ألهمت مختلف الحركات الفنية الأخرى، لتشمل الأدب والمسرح والسينما. عند النظر إلى الواقعية الأدبية يتّضح أنّ كل المؤلفات تستند إلى واقع موضوعيّ؛ فأولى المؤلفون الانتباه لإظهار الأنشطة اليومية للطبقة الوسطى، بأكبر قدر ممكن من الدقة.[٣]
ظهرت الواقعية داخل المسرح لأول مرة في الدراما الأوروبية خلال القرن التاسع عشر؛ استجابة لتأثير الثورة الصناعية والتقدم العلمي، وكان الغرض من الواقعية المسرحية التركيز على المشاكل النفسية والاجتماعية التي حدثت في الحياة اليومية، وهكذا بدت النصوص المسرحية الواقعية أكثر أصالة وتصويرًا للواقع.[٣]
تطوّرت السينما الواقعية على غرار تطور الأدب والمسرح، لكنّ الأفلام لم تكن واقعية خالصة مثل الفنون السابقة، بل استخدمت شيئًا من الخيال أثناء تصويرها للحياة اليومية، وألهمت السينما الإيطالية الواقعية السينما في المملكة المتحدة خلال مرحلة التجديد في القرن الماضي.[٣]
