تحليل رواية الخبز الحافي (رواية شطارية)

كتابة:
تحليل رواية الخبز الحافي (رواية شطارية)

التحليل الموضوعي لرواية الخبز الحافي

تُعد رواية الخبز الحافي من أشهر الروايات العربية التي كانت على شكل السيرة الذاتية الأدبية، وألَّفها الروائي المغربي مُحمد شكري (1935-2003م)، صدرت عن دار الساقي في بيروت طبعات عديدة منها، وتقع في 228 صفحةً، يعدها النُّقاد بمثابة السيرة التي تروي المآسي التي شهدها محمد شكري في بلده بين الأعوام (1935-1956م).[١]

ومن اللافت للانتباه أن الأديب والقاص محمد شكري لم يكن يعرف القراءة والكتابة، وإنما تعلمها في سن متأخرة، عندما بلغ سن العشرين، وكان سن الحداثة بالنسبة له انجرافًا كبيرًا في عالم البؤس حيث يسود المواقف العنف والاستبداد.[١]

يصف محمد شكري أصعب الفترات في حياته، وهي فترة طفولته في المغرب، التي يعدها فترةً سوداويَّةً في حياته، لم يجد فيها حتى رغيف الخبز، وانتقلت عائلته إلى مدن عدة أولًا إلى طنجة، ثم إلى تطوان.[٢]

وكان السبب في التنقلات هو الهربُ من المجاعة، وفقدان الرعاية والاهتمام، لدرجة أنه يذكر في الرواية إخوته الذين وافتهم المنية، بسبب الجوع، وقلة الرعاية الصحية، وكان يدخل في شجارات مع والده الذي كان يضربه ضربًا مبرحًا دون أي رحمة، وفي إحدى المرات نجا بصعوبة من الموت بسبب ضرب والده له، وكان يعاني كثيرًا من الجوع والفقر الشديدين، ويلجأ إلى المبيت في الشارع عدَّة مرات.[٢]

عاش متسولًا وقُوته من التهريب، والعمل غير المشروع، وبعد زمن طويل تعلَّمَ الكتابة والقراءة، وبدأ يطالع الكتب متأثرًا بتجربته في السجن مع أحد المسجونين، وبهذا يلفت محمد شكري نظر القرّاء إلى ما هو مسكوت عنه من آلام يعانيها أي إنسان يعيش في المجتمع المغربي، ويصل بالقارئ إلى أعمق الأفكار الخاصة بجدوى الوجود في ظل المآسي التي يعيشها يوميًا.[٢]

التحليل الأسلوبي لرواية الخبز الحافي

كتب الرواية باللغة العربية الفصحى، لكنها كانت لغةً بسيطةً عبرت عن حياة عوام الناس، والطبقات المعدِمة، ولم يلجأ إلى الألفاظ العامية إلّا نادرًا، كما أنها تضمنت الألفاظ المُشينة في بعض المواقف، ولجأ إلى مناقشة المسائل الفلسفية المتعلقة بجدوى الوجود وسبب ضياعه، الذي وصل به إلى حد الاعتقاد بمدى عبثية الوجود.[٣]

فمثلًا في أحد الحوارات يسأل والدته:" لماذا الله لا يعطينا حظنا مثلما يعطيه لبعض الناس؟ فردت والدته، بأن الله هو الذي يعرف، ونحن لا نعرف، كما أنه لا ينبغي لنا أن نسأله عما يعرفه هو خيرٌ منا".[٣]

تنتمي الرواية من حيث الأسلوب إلى التيار الشطاري، ويطلق عليها رواية شطارية، والرواية الشطارية: هي الرواية التي تدور أحداثها حول العادات والتقاليد الخاصة بالطبقات المعدومة والدنيا في المجتمع، مما يعني أنها قصص مغامرات الشطار والمحن التي يعيشونها وأهم المخاطر التي يمرون بها، لذلك غالبًا ما تُكتب بصياغة تكون قريبة من السيرة الذاتية الأدبية، تعبر عن طبوغرافيا واقعية، ومن الممكن أن تكتب بضمير المتكلم أم بضمير الغائب.[٤]

وكتب محمد شكري الرواية بطريقة المتكلم، ويطلق على هذه الطريقة الرواية الأوطوبيوغرافية البيكارسكية، التي تؤكد مدى اعتماد الرواية على حضور ذات الكاتب وتجسيد التقاطع بين بقية العناصر في الرواية، وتتخذ هذه الرواية صيغة انتقادية إلى حد التمرد على أعراف المجتمع، وتعمل على كشفها للقراء بطريقة ساخرة وتهكمية، بسبب الاستبداد والظلم والفقر.[٤]

الاستعارة والصور الفنية في رواية الخبز الحافي

وردت العديد من الاستعارات والصور الفنية في رواية الخبز الحافي، وأثرت في الرواية إلى حد كبير، أهمها:

  • العنف والتمرد

في منتصف الرواية عبر محمد شكري عن حالة العنف الكبيرة، والتمرد التي أصابته، نظرًا لقلة حيلته، وفقر حاله، فقال: "قلبي يخفق بعنف، يجب أن أشتري سكينًا، أو عدة شفرات حلاقة"، في هذا الوصف يظهر قلبه وكأنه كائن عنيف ناقم على واقعه.[٥]

  • الاستعارات الفلسفية

لجأ محمد شكري إلى العديد من الاستعارات الفلسفية، تعبيرًا عن حالة العبث والبؤس فيقول: "هل تعمد الله أن يخلق هذا العالم على هذا الشكل من الفوضى والتنوع؟".[٥]

هذا الاقتباس هو شكل من أشكال العبثية التي عبر عنها كامو في فلسفته؛ التي قامت على أساس انعدام المعنى للوجود، والتركيز على المعاناة التي يعيشها الإنسان، وقد اعتقد كلٌّ من ألبير كامو، ومحمد شكري أن الوجود لا قيمة له بسبب ما يعانيه الإنسان من مآسي.[٦]

الحوار والسرد في رواية الخبز الحافي

ركز أسلوب السرد في الرواية على التجربة المباشرة، وكل ما يخص الوجود اليومي لطفل لم يعرف الطفولة لما وجده من معاناة، أما ظهور الشخصيات الأخرى في السرد، فليس حاضرًا بقوة؛ لأن التركيز كان حول شخصية الراوي، فيلاحظ القارئ أن الشخصيات الأخرى تظهر أحيانًا، وتختفي أحيانًا دون تفسير، لكن الجانب السياسي كان حاضرًا بقوة في السرد، خاصةً عندما تحدث عن أعمال الشغب المزامنة لاستقلال المغرب عام 1952م.[٧]

يكتب محمد شكري في مقدمة الرواية: "في مثل هذه الصفحات عن كتبت سيرتي الذاتية، وقد كتبتها منذ عشر سنوات ونشرت ترجمتها بالإنجليزية والفرنسية والإسبانية قبل أن تعرف طريقها إلى القراء في شكلها الأصلي العربي، لقد علمتني الحياة أن أنتظر، أن أعي لعبة الزمن بدون أن أتنازل عن عمق ما استحصدته: قل كلمتك قبل أن تموت فأنها ستعرف حتماً، طريقها، ولا يهم ما ستؤول إليه، الأهم هو أن تشعل عاطفة أو حزناً أو نزوة غافية، أن تشعل لهيباً في المناطق اليباب الموات.[١]

فيا أيها الليليون والنهاريون، أيها المتشائمون والمتفائلون، أيها المتمردون، أيها المراهقون، أيها (العقلاء)، لا تنسوا أن "لعبة الزمن" أقوى منا، لعبة مميتة هي، لا يمكن أن نواجهها إلا بأن نعيش الموت السابق لموتنا، لإماتتنا: أن نرقص على حبال المخاطرة نشداناً للحياة.[١]

أقول: يخرج الحي من الميت.

يخرج الحي من النتن ومن المتحلّل. يخرجه من المتخم والمنهار.

يخرجه من بطون الجائعين ومن صلب المتعيّشين على الخبز الحافي".[١]

ظاهريًا تصف الرواية القصص البذيئة في تلك الفترة، لكن استطاع محمد شكري تقديمها من خلال مجموعة من الحوارات، بطريقة رائعة، وباستخدام لغة بسيطة، مما يجعلها أقرب إلى الواقع، ونهاية العمل يهتم بتوصيف الطبقة الدنيا في المغرب.[٧]

يقول في خاتمة الرواية عندما ذهب إلى زيارة قبر أخيه :"أخي صار ملاكًا، وأنا؟ سأكون شيطانًا، هذا لا ريب فيه، الصغار إذا ماتوا يصيرون ملائكة والكبار شياطين، لقد فاتني أن أكون ملاكًا".[٨]

تحليل شخصيات رواية الخبز الحافي

هنالك العديد من الشخصيات الرئيسية والثانوية في رواية الخبز الحافي، أهمها:[١]

  • محمد شكري
وهو بطل الرواية، الذي يعيش بحالة كبيرة من الفقر، والتخبط في الوجود. 
  • الأب (سي حدو علال شكري)
وهو شخصية بالغة القسوة، قام بتعنيف محمد، وقتل ابنه الآخر بالضرب المبرح. 
  • الأم (سيدا ميمونة)

وهي شخصية انهزامية ضعيفة لا تستطيع أن تقول شيئًا لزوجها، أو أن توقفه عن إجرامه

  • آسيا

وهي إحدى عشيقات محمد، كان لها أثر مميز في حياته.

آراء النقاد حول رواية الخبز الحافي

تعددث الآراء حول رواية الخبز الحافي، أهمها:[٤]

رأي الدكتور جميل حمداوي

فقد قال عنها أنها رواية سيرة أوطوبيوغرافية بيكارسكية واقعية، تنقل واقع الأشخاص المنبوذين والمهمشين الصعالـكة بطريقة صريحة ومباشرة قوامها الصدق الفني، والتلقائية والعفوية المطبوعة، لكنه أخذ عليها أنها تستند في سرديتها إلى تشويه الواقع، وتعريته بدون حياء، وبطريقة فضاضة.[٤]

رأي علي الراعي

يرى علي الراعي أن محمد شكري رائد الأدب الشطاري، والرواية الواقعية التي احتلت مكانةً كبيرةً في أدبنا الحديث، وعنما سُئل عن رأيه في الرواية قال عنها: "وفي الأدب العربي الحديث ظهرت في سنواته الأخيرة سيرة ذاتية على شكل رواية، تحمل عنوان الخـبز الحافي للكاتب المغربي محمد شكري.[٤]

وهي حكاية موضوعها المغامرات الاحتيالية، واللصوصية، والعلاقات الجنسية لشاب أُميًا في أدنى مراتب الفقر، يتنقل بين مدينة طنجة وباقي مدن المغرب، بحثًا عن رغيف الخبز الحاف".[٤]

وذكر علي الراعي أن السيرة تعود بالكتابة الروائية إلى نقطة البداية، التي ظهرت منها الرواية العربية، مستندة في ذلك إلى المقامات الأدبية العربية، وعملت على تطويرها وفقًا للظروف المواكبة لها، فظهرت بشكل فني روائي عربي الأساس، على الرغم من تذاخل هذا الفن العربي بالفن الإسباني، وذلك بحكم الجغرافيا.[٤]

رأي تينسي ويليامز

وصف الكاتب والمسرحي الأمريكي تينسي ويليامز رواية الخبز الحافي بأنها سيرة ذاتية على شكل وثيقة حقيقية لحالات اليأس البشري.[٩]

نستنتج أن رواية الخبز الحافي هي أهم السير الذاتية التي كتبت في قالب روائي في القرن العشرين، وتصنف على أنها رواية شطارية، عبرت عن الفئة المسحوقة، والمعدمة في المجتمع الغربي، وتعد من الروايات الجريئة جدًا؛ لما تضمنته من أفكار وحوارات تعبر عن واقع حياة محمد شكري المليئة بالبؤس.

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح محمد شكري، الخبز الحافي، صفحة 1-10. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت "For Bread Alone (al-Khubz al-Hafi) by Mohamed Choukr", wordpress, Retrieved 8/9/2021. Edited.
  3. ^ أ ب محمد شكري، الخبز الحافي، صفحة 15. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ د. جميل حمداوي ، الرواية البيكارسكية أو الشطارية (دراسة )، صفحة 59-70. بتصرّف.
  5. ^ أ ب محمد شكري، الخبز الحافي، صفحة 111. بتصرّف.
  6. مجموعة أكاديميين، الموسوعة الفلسفية، صفحة 386. بتصرّف.
  7. ^ أ ب "For Bread Alone Mohamed Choukri", dannyreviews, Retrieved 8/9/2021. Edited.
  8. محمد شكري، الخبز الحافي، صفحة 228. بتصرّف.
  9. "Review: For Bread Alone", eleutherophobia.wordpress, Retrieved 8/9/2021. Edited.
3706 مشاهدة
للأعلى للسفل
×