تحليل رواية عصفور من الشرق

كتابة:
تحليل رواية عصفور من الشرق

التحليل الموضوعي لرواية عصفور من الشرق

تعد رواية عصفور من الشرق واحدة من أشهر مؤلفات توفيق الحكيم التي ترصد الواقع الذي يُمكن أن يعيشه أيّ إنسان انتقل ليقيم في الغرب، وللوهلة الأولى يظن القارئ أن الرواية تحكي عن قصة حب ما بين شاب مصري وفتاة فرنسية من باريس، وهذه القصة كانت فاشلة إذ لا يُمكن أن يجتمع الشرق والغرب بنفس القوة فأحدهما الغالب والآخر هو المغلوب.[١]

وتُناقش الرواية الحياة في الدول الأوروبية ليظهر فيما بعد شخصية رجل روسي يقوم بالمقارنة ما بين الشرق والغرب بشخصية البطلين اللذين يخيمان على أحداث الرواية برمّتها، ويُناقش الكاتب جدلية الشرق والغرب إذ يوضح توفيق الحكيم طبيعة الشعب الغربي الذي لا يؤمن بحياة ما بعد الموت فالجسد بنظرهم لا يعيش إلا في عالم واحد. 

والشرق الذي يُؤمن الناس فيه أنّ ما يخسره الإنسان من متطلبات الحياة الدنيا فسيجده موجودًا في الآخرة، وتحكي الرواية عن ترويج الغرب لفكرة انعدام ما بعد الموت وجعل الحياة واحدة بنظر الشرقي الذي صار يبحث عن الأمان والاستقرار في البلاد الغربية، الرواية تُمثل الصراع الحقيقي ما بين الحياة العربية والحياة الغربية.[٢]


التحليل الأسلوبي لرواية عصفور من الشرق

استخدم الكاتب الرمز في أسلوب قصة رواية عصفور من الشرق، فحتى لو تأمل الناقد في العنوان لوجد كلمة عصفور وهي التي يُرمز لها عادة بالبراءة، والجمال، والحرية، والخفة، وغيرها من الصفات التي تتبادر إلى الذهن فور تذكر كلمة عصفور، أمّا لفظة الشرق فهي التي تعبر عن مكان انتماء ذلك العصفور والحيز الجغرافي والحضاري الذي يعود له.[٣]

فذلك العصفور مهما تبدل مكانه وتنقل بين أحضان الأرض فإنه سيبقى حاملًا بين أجنحته صورة الشرق، وقد وردت هذه العبارة أكثر من مرة في الرواية على ألسنة الشخوص واستخدم توفيق حكيم كعادته قدرته اللغوية العالية على تجسيد الأفكار التي يُريدها وتدور أحداث الرواية في الشتاء وربما تعمد الكاتب ذلك ليكون الجو مناسبًا لوصف الصراع ما بين الشرق والغرب.[٣]

كما أكد أن الصراع والجدلية التي لا تنتهي حتى لو انتقل عصفور الشرق ليعيش بين أغصان أشجار الغرب، وأراد الكاتب أن يكون مكان الرواية في باريس فهي عاصمة العشق والأدب التي يقف فيها الإنسان ليتزود من أمل الحياة، لينعكس جمالها على نفوس الشخوص لينثروا كل ما في قلوبهم على أرض الحياة دون أدنى خجل.[٣]


الاستعارة والصور الفنية في رواية عصفور من الشرق

استخدم توفيق الحكيم الصورة الفنية كأنّها لوحة تنطق عن خلجات نفسه وتُعالج ما لم يقدر على البوح عنه مباشرة، لقد استطاع أن يوظف الصورة كما لم يقدر على ذلك رجل آخر في تلك الآونة، إنّه رجل المرحلة الذي صور الصراع ما بين العالمين بدقة عالية، ومما ساقه في رواته:

"إني أفهم الآن موقف آدم عقب إخراجه من جنة السماء، إني أتخيله قد لبث -بغير حراك- في الموضع الذي هبط فيه، ومرت به ليال وأيام وهو ينظر إلي السماء يرقب كل حركة فيها: إذا رعدت؛ فهو صوت أبوابها تفتح لتناديه من جديد، وإذا لمع البرق؛ فهي ابتسامة رضا قد يعقبها انفراج المحنة، وإذا تساقطت الشهب؛ فهي همسات غضب ما زال قائمًا، وإذا استدار البدر".[٤]

إنّ الصورة التي وصف الكاتب بها آدم -عليه السلام- لا تختص بآدم فقط، بل هي صورة أيّ بشريّ تنزل به المصائب والملمات ليراقب السماء فينتظر منها بشارة الخبر التي تنقذه مما هو فيه من الألم.[٤]


الحوار والسرد في رواية عصفور من الشرق

لقد حاول الكاتب بالحوار والسرد أن يقف في مواجهة مع أفكاره فينثرها على ألسنة الشخوص في الرواية، لتحكي تلك الدمى التي يمسك بخيوطها ما يؤمن به من الأفكار، ومن ذلك ما ساقه على لسان أحدهم إذ قال: "من قال لك ذلك؟ أتعرف ما هو العلم أيها الفتى؟ إن العلم عِلمان: العلم الظاهر والعلم الخفي و إن أوروبا حتى اليوم طفلة، تعبث تحت أقدام ذلك العلم الخفي".

إذ يُظهر هذا الكاتب بحوار الشخوص لديه، فالعلم الذي تمتلكه أوروبا مزيف، وهو الذي لم تكن لتصل له لولا الحضارات الإفريقية الآسيوية التي جعلتها سلمًا فصعدت عليها.[٤]


تحليل الشخصيات في رواية عصفور من الشرق

برزت مجموعة من الشخصيات في رواية عصفور من الشرق نذكر منها ما يلي:[٥]

  • محسن
هو الرجل الذي غادر مصر وذهب إلى فرنسا طمعًا بإكمال دراسته فيها، وهو الشخصية الرئيسية في الرواية والذي يعيش قصة حب فاشلة مع الفتاة الفرنسية، ويكره الاستعمار البريطاني الذي غيب مصر عن ساحة الحضارة في تلك الآونة. 
  • أندريه

هو الشخصية التي تتفاعل مع الشخصية الرئيسة محسن، ومع أنّه فرنسي إلا أنه يُعاني ما يعانيه أي إنسان على وجه الأرض من التعب في سبيل لقمة أطفاله، فهو الأب المسؤول عن كل شيء.

  • جرمين

هي زوجة أندريه والتي تساعده في العمل من أجل تأمين عيش أطفالها، فهي لا تستطيع أن تأخذ دور الأم الحقيقي معهم.


آراء نقدية حول رواية عصفور من الشرق

وردت مجموعة من الآراء النقدية في رواية عصفور من الشرق نذكر منها ما يلي:

  • أحمد فوزي
"لقد استخدم توفيق الحكيم التشبيه في روايته وقد وقع ذلك في ثلاث وثلاثين جملة، والتشبيه هو أسلوب بلاغي يعرف به التشابه ما بين العبارات".[٦]
  • ريناتو شهباني

"رواية عصفور من الشرق تحكي قصة رجل من الشرق درس في فرنسا وهو توفيق الحكيم فوجد هناك حقيقة الحب المر".[٥]

عصفور من الشرق، هي رواية من تأليف رائد الأدب العربي توفيق الحكيم وتحكي عن الألم الذي يُمكن أن يصارعه كل عربي يقرر العيش في الدول الغربية التي لا تشبهه بمادياتها، فيكون هو الضحية إذ لا يُمكنه أن يتخلص من شرقيته، فيضيع في الغرب المادي.

المراجع

  1. توفيق الحكيم، عصفور من الشرق، صفحة 5. بتصرّف.
  2. "عصفور من الشرق"، أبجدذ. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت نوال شارف، تحولات صورة الآخر في الرواية العربية، صفحة 81. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "عصفور من الشرق"، جود ريدز، اطّلع عليه بتاريخ 19/9/2021. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ريانتو شهباني، الأشخاص في رواية عصفور من الشرق، صفحة 39. بتصرّف.
  6. أحمد فوزي، أسلوب التشبيه في رواية عصفور من الشرق، صفحة 8.
5997 مشاهدة
للأعلى للسفل
×