تحليل رواية ورددت الجبال الصدى

كتابة:
تحليل رواية ورددت الجبال الصدى

التحليل الموضوعي لرواية ورددت الجبال الصدى

رواية ورددت الجبال الصدى هي الرواية الثالثة للكاتب خالد حسيني الأفغاني الذي يحمل الجنسية الأمريكية ويسكن في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد صدرت الرواية عام 2013م باللغة الإنجليزية وبعدها تُرجمت لعدة لغات من بينها العربية.[١]


تدور أحداث الرواية بين عدة دول وأبطالها شخصيات مختلفة، ولكن يمكن أن يُقال إنّ محورها الأساسي هو عبد الله وشقيقته باري، تتكون الرواية من تسعة فصول كل فصل فيها مُعنون بعنوان فصل من فصول السنة، تبدأ الرواية بقصة يحكيها الأب لابنيه عبد الله وباري حول مزارع فقير يطرق الغول بابه ذات يوم ويطلب منه أحد أبنائه.[٢]


يُجبر الغول المزارع على الاختيار بين أبنائه فيسلمه ابنه الصغير، وعندما يذهب الغول يندم الأب ويذهب إلى مغارة الغول ليقتله ويحرر ابنه، فيشاهد المزارع ابنه الصغير يلعب في حديقة خضراء هو ومجموعة من الأطفال، عندها يُخيّره الغول بين أخذه إلى حياة الشقاء والفقر أو تركه، فيتركه المزارع الفقير ويأخذ من الغول عقارًا يجعله ينسى ابنه.[٢]


يبدو أنّ هذه القصة كانت تمهيدًا من الأب لابنته التي يبيعها إلى أسرة ثريّة تشترط عليه ألّا يراها، وأمّا ابنه الآخر عبد الله فيعاني في مخيمات اللاجئين في باكستان ومن هناك يغادر إلى الولايات المتحدة وهو يبحث عن شقيقته.[٢]


هذه القصة هي مدخل لجميع القصص اللاحقة التي يعاني أبطالها تسلّط غيلان الفقر والسياسة والحروب، ولكلّ فصل من الفصول راوٍ مختلف يربط بينهم خالد حسيني في روايته بطريقة سلسة تجعل من الحبكات حبكة واحدة، وتجعل من القصص المتفرقة قصة واحدة يمسك خيوطها خالد حسيني بيده بذكاء كبير، تقع الرواية في 432 صفحة من القطع المتوسط، وهي من الأدب الواقعي الذي يصوّر أفغانستان على مدى أكثر من 60 عامًا في أوقات مختلفة متفرّقة تجمعها قصة واحدة.[٢]


التحليل الأسلوبي لرواية ورددت الجبال الصدى

يكاد يغلب على خالد حسيني أسلوب واحد في كتاباته الكثيرة في الروايات التي بدأ بإطلاقها عام 2003م، أسلوب خالد حسيني يعتمد على البساطة والسهولة مع السلاسة، إلّا أنّه في هذه الرواية خالف ما كان عليه في روايتيه الأُولَيين، فقد جاء أسلوبه عميقًا بعض الشيء بسبب عمق المعنى الذي تدور حوله الرواية.[٢]


كان الضمير الغالب على الرواية هو ضمير الغائب، وهذه إحدى تقنيات السرد الروائي التي تُكتب بها كثير من الروايات العالمية،[٣] وكذلك بسبب العقدة والحبكة التي وضعها لروايته التي تجعل القارئ يتنبّه من البداية وحتى النهاية ولا يغفل عنها لعدم فقدان الخيوط التي تربط الرواية بعضها بعضًا.[٢]


الاستعارة والصور الفنية لرواية ورددت الجبال الصدى

احتفظت رواية "ورددت الجبال الصدى" بالنّفَس الذي قد كتبها به الروائي خالد حسيني وإن كانت مترجمة عن اللغة الأصلية التي كُتبت بها، ولكن تبقى الاستعارات والصور الفنية هي نفسها التي كتبها الروائي وعبّر عنها بلسان غير العربي.[٤]


من ذلك قوله في الرواية: "لا يمكن لعبد الله أن يتخيّل أن أباه كان طفلًا يتأرجح يومًا، لم يستطع يومًا تخيّله كطفلٍ صغيرٍ مثله، صبي معفًى من الهموم، صبيّ سعيد، يركض بلا هدًى بين الحقول المفتوحة مع رفاقه، هذا الأب ذو الكفّين المشققتين والوجه المحفور بالخطوط العميقة من التعب، الأب الذي يبدو أنّه قد ولد والمجرفة بيده، وأنّه ولد والطين محشي تحت أظافره".[٤]


في هذا المقطع القصير تظهر بعض الصور الفنية التي جاء بها خالد حسيني في روايته، ففي قوله "لا يمكن لعبد الله أن يتخيّل أن أباه كان طفلًا يتأرجح يومًا" كناية عن الطفولة السعيدة التي قد حُرم منها الأب، فالأراجيح والطفولة متلازمتان في معظم الثقافات.[٤]


في هذا المقطع يصوّر حسيني كيف يكون حال المزارع الفقير في مناطق أفغانستان البعيدة: "هذا الأب ذو الكفّين المشققتين والوجه المحفور بالخطوط العميقة من التعب"، ثمّ يصوّر شقاءه الأكبر بقوله: "الأب الذي يبدو أنّه قد ولد والمجرفة بيده"، وفي هذا القول كناية عن شظف العيش الذي عاناه الأب في طفولته، ومثله قوله: "ولد والطين محشي تحت أظافره".[٤]


الحوار والسرد في رواية ورددت الجبال الصدى

السرد هو حكاية وخطاب أو قول في الرواية، فهو يثير واقعة أو أحداثًا قد مرّت على الكاتب ليجعلها عملًا روائيًّا،[٥] وقد اتسم الحوار والسرد في رواية خالد حسيني ببعض العمق والتعقيد على غير عادته في رواياته السابقة لها، وهذا -كما مرّ آنفًا- سببه عمق المعاني التي يدور حولها والموضوع الذي يعالجه، من أمثلة ذلك الحوار الذي يدور بين شخصيّتين في الرواية هما "جوليان وباري"، باري الطفلة التي بيعت لأسرة ثريّة، ونصّ الحوار:[٦]


"سألها جوليان عمّا وجدته في الرياضيات، فقالت إنّها وجدت الرياضيات مريحة، فقال:

-أعتقد أنّني كنت سأقول إنّها مثيرة للرهبة بدلًا من الراحة.

-إنّها كذلك أيضًا.

قالت إنّها وجدت الراحة في ثبات الحقائق الرياضية وديمومتها، في قلة الكلام وضباب الغموض، في معرفة أنّ الأجوبة قد تكون خادعة ووهمية، إلا أنّها ممكنة مهما كانت، كل الإجابات موجودة هناك، مجرد رسومات طباشير تنتظرها للحل على سبورة، لا شيء يماثل الحياة، بكلمات أخرى: يُمضي الإنسان حياته وهو يسأل الأسئلة دون أن يجد لها إجابات حتى لو كانت إجابات فوضوية أو معقدة".


هنا مال خالد حسيني للتلاعب بالألفاظ والتراكيب كي يصنع حوارًا وسردًا يُناسب الفكرة التي يسعى إليها أو يسعى لإيصالها، فأحيانًا عمق المعنى يقود إلى عمق العبارة وتركيبها.[٦]


شخصيات رواية ورددت الجبال الصدى

تعد الشخصيات من أهم عناصر الرواية، وقد جاءت شخصيات رواية "ورددت الجبال الصدى" متنوعة بحسب الغرض المطلوب فيها، والذي أراد تأديته الكاتب، وأبرز شخصيات الرواية هي:[٢]

  • باري: مركز الرواية والشخصية المركزية فيها، يبيعها والدها لأسرة ثرية وتكمل حياتها معهم وترافقها بعض الأحداث المشوقة.
  • عبد الله: شقيق باري، وهو شخصيّة محوريّة كذلك، يترك أفغانستان ويتنقل بين الدول حتى يصل إلى الولايات المتحدة، ويبقى يبحث عن أخته ويسمي ابنته باسمها.
  • سابور: والد عبد الله وباري الفلاح الفقير الذي يقاسي هموم الحياة مع ابنيه وزوجته الثانية التي تزوج بها بعد زوجته الأولى.
  • نبي: شقيق زوجة سابور الجديدة، يخدم في بيت السيد وحداتي ويكون بينهما تعاطف شاذ.
  • السيد وحداتي: صاحب البيت الذي يعمل فيه نبي، يرسم لوحات تعبر عن حبه الشاذ للخادم نبي.
  • نيلا وحداتي: شاعرة أفغانية جريئة تنحدر من أسرة أرستقراطية، تطلب مساعدة نبي في أخذ باري، وبعد شلل زوجها تقرر السفر والهروب إلى باريس مع باري التي تبنّتها.


ختامًا، يظهر أنّ رواية "ورددت الجبال الصدى" تعد من الروايات الفريدة التي قد كتبها خالد حسيني، إذ إنه استعمل فيها تقنيّات لم يستعملها من قبل في رواياته السابقة، نظرًا لخطورة الموضوع الذي يناقشه في هذه الرواية.


المراجع

  1. وأدي ستي نوفيل غورو فوتري، الصراع الباطني عند أمير في رواية "عداء الطائرة الورقية" خالد حسيني، صفحة 26. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ خالد حسيني، ورددت الجبال الصدى، صفحة 9. بتصرّف.
  3. نانسي كريس، تقنيات كتابة الرواية، صفحة 269. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث "ورددت الجبال الصدى"، جود ريدز، اطّلع عليه بتاريخ 19/9/2021. بتصرّف.
  5. يمنى العيد، تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي، صفحة 41 - 42. بتصرّف.
  6. ^ أ ب "اقتباسات من رواية ورددت الجبال الصدى"، أبجد، اطّلع عليه بتاريخ 19/9/2021. بتصرّف.
5353 مشاهدة
للأعلى للسفل
×