تحليل قصيدة السجينة لإيليا أبو ماضي

كتابة:
تحليل قصيدة السجينة لإيليا أبو ماضي

التحليل الموضوعي للقصيدة

قصيدة السجينة من أشهر قصائد الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي، وتحليلها كما يأتي:

المقطع الأول

يقول الشاعر إيليا أبو ماضي:[١]

لَعَمرُكَ ما حُزني لِمالٍ فَقَدتَهُ

وَلا خانَ عَهدي في الحَياةِ حَبيبُ

وَلَكِنَّني أَبكي وَأَندُبُ زَهرَةً

جَناها وَلوعٌ بِالزُهورِ لَعوبُ

رَآها يَحُلُّ الفَجرُ عَقدَ جُفونِها

وَيُلقي عَلَيها تِبرَهُ فَيَذوبُ

وَيَنفُضُ عَن أَعطافِها النورَ لُؤلُؤاً

مِنَ الطَلِّ ما ضُمَّت عَلَيهِ جُيوبُ

فَعالَجَها حَتّى اِستَوَت في يَمينِهِ

وَعادَ إِلى مَغناهُ وَهوَ طَروبُ

وَشاءَ فَأَمسَت في الإِناءِ سَجينَةً

لِتَشبَعَ مِنها أَعيُنٌ وَقُلوبُ

يبدأ الشاعر قصيدته في حديثه عن تلك الوردة التي رآها مرة في بيت من بيوت أصدقائه وهي سجينه إناء زجاجي فانفطر قلبه لمنظرها وبدأ يرثيها بقصيدته،[٢] تلك الزهرة التي يراها الناظرون فيُعجبون بها لما تملكه من أوصاف جليلة جميلة يُعجب الناظرون بها فيشتمون من عبيرها ويرحلون إلا ذلك اللعوب الذي شاء أن يقطفها وأن يجني عليها في قفص ليُمتع نفسه بها كلما شاء.

المقطع الثاني

ثَوَت بَينَ جُدرانٍ كَقَلبِ مُضيمِها

تَلَمَّسُ فيها مَنفَذاً فَتَخيبُ

فَلَيسَت تُحيي الشَمسَ عِندَ شُروقِها

وَلَيسَت تُحيي الشَمسَ حينَ تَغيبُ

وَمَن عُصِبَت عَيناهُ فَالوَقتُ كُلُّهُ

لَدَيهِ وَإِن لاحَ الصَباحُ غُروبُ

لَها الحُجرَةُ الحَسناءُ في القَصرِ إِنَّما

أَحَبُّ إِلَيها رَوضَةٌ وَكَثيب

وَأَجمَلَ مِن نورِ المَصابيحِ عِندَها

حَباحِبُ تَمضي في الدُجى وَتَؤوبُ

وَمِن فَتَياتِ القَصرِ يَرقُصنَ حَولَها

عَلى نَغَماتٍ كُلُّهُنَّ عَجيبُ

تُراقِصُ أَغصانُ الحَديقَةِ بِكرَةً

وَلِلريحِ فيها جَيئَةٌ وَذهوبُ

وَأَجمَلَ مِنهُنَّ الفَراشاتُ في الضُحى

لَها كَالأَماني سِكنَةٌ وَوُثوبُ

وَأَبهى مِنَ الديباجِ وَالخَزِّ عِندَها

فَراشٌ مِنَ العُشبِ الخَضيلِ رَطيبُ

وَأَحلى مِنَ السَقفِ المُزَخرَفِ بِالدُمى

فَضاءٌ تَشِعُّ الشُهبُ فيهِ رَحيبُ

تَحِنُّ إِلى مَرأى الغَديرِ وَصَوتِهِ

وَتَحرُمُ مِنهُ وَالغَديرُ قَريبُ

وَلَيسَ لَها لِلبُؤسِ في نَسَمِ الرُبى

نَصيبٌ وَلَم يَسكُن لَهُنَّ هُبوبُ

تلك الزهرة التي حُبست في القصر ومع أنّ أسباب الترف والحياة قُدمت لها لكن ذلك كله لم يكن يُشكل شيئًا لها، فالسجين لا يُمكن أن يتمتع بجدران السجن الذهبية تلك الزهرة التي تعشق أن تكون على كتف الغدير وتنهل من الطبيعة حتى تنعم بالراحة والأمان، ذلك موطنها الأصلي الذي حُرمت منه لتقبع بين جدران قصر بارد يتراقص النسوة حولها فيه فلا ترى من المتعة شيء.

المقطع الثالث

إِذا سُقِيَت زادَت ذُبولاً كَأَنَّما

يَرُشُّ عَلَيها في المِياهِ لَهيبُ

وَكانَت قَليلُ الطَلِّ يُنعِشُ روحَها

وَكانَت بِمَيسورِ الشُعاعِ تَطيبُ

بِها مِن أُنوفِ الناشِقينَ تَوَعُّكٌ

وَمِن نَظَراتِ الفاسِقينَ نُدوبُ

تَمَشّى الضَنى فيها وَأَيارُ في الحِمى

وَجَفَّت وَسِربالُ الرَبيعِ قَشيبُ

فَفيها كَمَقطوعِ الوَريدَينِ صُفرَةٌ

وَفيها كَمِصباحِ البَخيلِ شُحوبُ

أَيا زَهرَةَ الوادي الكَئيبَةَ إِنَّني

حَزينٌ لِما صِرتِ إِلَيهِ كَئيبُ

وَأَكثَرَ خَوفي أَن تَظُنّي بَني الوَرى

سَواءً وَهُم مِثلُ النَباتِ ضُروبُ

تلك الزهرة التي لم تعد تنتعش بالماء مهما سقيت منه بل كان ذلك الماء لهيب يقتلها، هي التي كلمّا مر عليها شخص فاشتمها تزداد ألمًا وحزنًا، وبدأت تتسلل إليها علامات الموت والمرض من الصفرة وغيرها، فيحزن الشاعر إلى ما آلت إليه، ويحزن أكثر من ظنّ تلك الوردة الجميلة ببني البشر، بأن تجعلهم واسية في كف الظلم فلا تر بعدُ من طيبهم شيء.

المقطع الرابع

وَأَعظَمَ حُزني أَنَّ خَطبَكِ بَعدَهُ

مَصائِبُ شَتّى لَم تَقَع وَخُطوبُ

سَيَطرَحُكِ الإِنسانُ خارِجَ دارِهِ

إِذا لَم يَكُن فيكِ العَشِيَّةَ طيبُ

فَتُمسينَ لِلأَقذارِ فيكِ مَلاعِبٌ

وَفي صَفحَتَيكِ لِلنِعالِ ضُروبُ

إِسارُكِ يا أُختَ الرَياحينِ مُفجَعٌ

وَمَوتُكِ يا بِنتَ الرَبيعِ رَهيبُ

وَلَكِنَّها الدُنيا وَلَكِنَّهُ القَضا

وَهَذا لَعَمري مِثلَ تِلكَ غَريبُ

فَكَم شَقِيَت في ذي الحَياةِ فَضائِلٌ

وَكَم نَعِمَت في ذي الحَياةِ عُيوبُ

وَكَم شِيَمٍ حَسناءَ عاشَت كَأَنَّها

مَساوِئٌ يُخشى شَرُّها وَذُنوبُ

بعد أن ينتهي ذلك الإنسان من الوردة ولمّا تذبل ولم تعد تحمل ريحًا طيبًا ولا منظرًا بديعًا سيرميها في القمامة في مستنقع الحياة ويبدأ بالبحث عن زهرة ثانية، ويسكب الشاعر ألمه في القصيدة على ما حل بتلك الزهرة المسكينة، ولكنّ ذلك هو قضاء الحياة وكثير هو القضاء المُفجع.

التحليل الفني للقصيدة

يلون الشاعر قصيدته بمختلف أنواع الصور الفنية والمُحسنات البديعية التي تمكنه من تجميل قصيدته، وما يأتي ذكر لبعض من تلك الصور:

  • وَيَنفُضُ عَن أَعطافِها النورَ لُؤلُؤاً

جعل النور واللؤلؤ مثل الشيء الذي يُنفض فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية.

  • فَلَيسَت تُحيي الشَمسَ عِندَ شُروقِها وَلَيسَت تُحيي الشَمسَ حينَ تَغيبُ

جعل الوردة مثل الإنسان الذي يُحيي غيره، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية.

  • رَآها يَحُلُّ الفَجرُ عَقدَ جُفونِها

جعل الفجر مثل الإنسان الذي يحل عقدة شيء ما واستعمل لفظة يحل للفجر وهو ما لم تجر العادة به فكان ذلك على سبيل المجاز.

  • لِتَشبَعَ مِنها أَعيُنٌ وَقُلوبُ

جعل العيون والقلوب مثل الإنسان الذي يشبع، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية.

  • ثَوَت بَينَ جُدرانٍ كَقَلبِ مُضيمِها

تشبيه مجمل، حيث أبقى الشاعر على المشبه وهو لفظة ثوت التي تدل على الوردة والمشبه به وهو القلب وأداة التشبيه وهي الكاف وحذف وجه الشبه.

التحليل الإيقاعي للقصيدة

كتب الشاعر إيليا أبو ماضي قصيدته على البحر الطويل ووزنه هو: "فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن" وهو من البحور ذات التفعيلة الطويلة واستُعمل هذا البحر في قصائد كثيرة حيث كان يهرع إليه الشعراء بسبب قدرته على التحكم فيه وتحمله للنفس الشعري الطويل.

وكثرت الأحرف الصامتة والساكنة والرخوة في القصيدة مثل حرف الحاء والنون واللام لما تحمله من حزن وقدرة على التعبير عن المعاني الأليمة التي يحس فيها الشاعر، وذلك بعكس الحروف الانفجارية التي تدل على القوة والتمكن.

المراجع

  1. "لعمرك ما حزني لمال فقدته"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022.
  2. نور الدسوقي، النزعة الإنسانية في الشعر المهجري، صفحة 17.
10205 مشاهدة
للأعلى للسفل
×