عروة بن الورد
قبلَ الحديث عن تحليل قصيدة ذريني ونفسي للشاعر عروة بن الورد لا بُدّ من أخذ لمحة عن حياة هذا الشاعر، فعروة بن الورد بن زيد العبسي من بني غطفان وهو من شعراء العصر الجاهلي وفارسٌ من فرسانه، وهو من شعراء الصعاليك وقد سُمي عروة الصعاليك لأنه كان يؤي الضعيف والكبير والمريض الذين تركتهم عشائرهم في سنين القحط والشدة، فيطعمهم ويكنفهم حتى إذا ما برأ المرض وقوي الضعيف فجمعهم وأغار بهم على القبائل، وقد قال عنه الحطيئة وهو من شعراء العصر الإسلامي كنا نأتم في الحرب بشعره، وقال عبد الملك بن مروان: من قال إنّ حاتمًا أسمح الناس فقد ظلم وردًا.[١]
تحليل قصيدة ذريني ونفسي للشاعر عروة بن الورد
في الحديث عن تحليل قصيدة ذريني ونفسي للشاعر عروة بن الورد، لا بد من ذكر مناسبة هذة القصيدة ألا وهي، أن زوجة الشاعر ترفض حياته المليئة بالأخطار من أجل الفقراء، والشاعر يحاول إقناعها بالصورة الواقعية تارةً والأساطير تارةً أخرى. قال الشاعر:[٢]
أقِلِّي عَلَيَّ اللِّوْمَ يا ابْنَة َ مُنْذِرِ
- ونامِي، فإنْ لم تَشْتَهي النَّومَ فاسْهَرِي
ذَرِيني ونَفسي أُمَّ حَسَّانَ، إنني
- بها قبل أن لا أملك البيع مشتري
أحاديثُ تَبْقَى والفَتى غيرُ خالدٍ
- إذا هو أمسى هامة فوق صير
تُجَاوِبُ أحْجَارَ الكِنَاسِ وتَشْتَكِي
- إلى كلِّ معروفٍ تراهُ ومُنْكَرِ
ذَرِيني أُطَوِّفْ فِي البلادِ لعلَّنِي
- أخَلِّيكِ أو أغْنِيكِ عن سُوءِ مَحْضَرِ
فإن فاز سهم للمنية لم أكن
- جَزُوعاً، وهَلْ عن ذاكِ من مُتَأخَّرِ
في هذا المقطع من تحليل قصيدة ذريني ونفسي للشاعر عروة بن الورد، يُلاحظ أن الشاعر اعتمد كثيرًا على الصورة السمعية القائمة على الحوار بينه وبين زوجته وعلى أسلوب الخبر والنداء والاستفهام، فقد افتتح الشاعر قصيدته بالعاذلة ليهيء المستمع للأفكار التي يريد التحدث عنها، فقد جعل عروة بن الورد الحوار بينه وبين زوجته المحبة كصوتين متنافرين، فهو يمثل العادات والتقاليد وحب التضحية بالنفس، وزوجته تمثل الخوف وحب النفس والميل للنوازع الشخصية، فهي تلومه على تبذيره والأخطار التي تحيق بحياته، وهو ناصحًا لها مذكرًا إياها بمحاسن الكرم والجود وأن الإنسان لن يفيده شيء إذا ما مات وتحول لهامة، إذًا أبرز الشاعر هنا افتخاره بكرمه وشجاعته عن طريق هذه الصورة السمعية.[٣]، يكمل الشاعر قائلًا:[٢]
وإن فاز سهمي كفكم عن مقاعد
- لكم خلف أدبار البيوت ومنظر
تقول لك الويلات هل أنت تارك
- ضَبُوءًا بِرَجْلٍ تارة ً وبِمنسرِ
ومستثبت في مالك العام إنني
- أرَاكَ عَلَى أقْتَادِ صَرْماءَ مُذْكِرِ
فَجُوعٍ بها لِلصَّالِحِينَ مَزِلَّة ٍ
- مخوف رداها أن تصيبك فاحذر
أبى الخفض من يغشاك من ذي قرابة
- ومن كل سوداء المعاصم تعتري
ومستهنيء زيد أبوه فلا أرى
- له مدفعاً فاقني حياءك واصبري
يستمر تحليل قصيدة ذريني ونفسي للشاعر عروة بن الورد، لتظهر هنا براعة الشاعر بالتلاعب بالأحرف والعمل على إيقاعها وجرسها الموسيقي الذي يميز كل حرفٍ عن الآخر، فاستعمل عروة بن الورد في أبياته حرف الهمزة في كثيرٍ من الكلمات مثل قوله: أراك، سوداء، أقتاد وغيرها من الكلمات، وهو حرفٌ معروفٌ بصوته بين الجهر والهمس ولكنه يملك شدةً في الوقع، وهذا يتماشى مع موقف عروة من زوجته وتمسكه بشدة بمبادئه التي يدافع عنها، لم تكن الهمزة الحرف الوحيد الذي اتكأ عليه وإنما استخدم حرفي الراء والميم، اللذان دخلا في النسيج الخاص للكلمات والأبيات، فأضاف إلي تلك الأبيات إيقاعًا موسيقيًا قويًا، هذا وقد تضافر مع تلك الأحرف حرف القاف المعروف بقوته ومخرجه القوي والواضح، وما أراد عروة بن الورد باستخدام هذه الأحرف إلا للتعبير عن شدة موقفه ووضوحه وعدم التخلي عن معتقداته،[٣]، ثم أكمل الشاعر قائلًا:[٢]
لَحَى الله صَعْلُوكاً إذَا جَنَّ ليلُهُ
- مصافي المشاش آلفاً كل مجزر
يَعُدُّ الغِنى مِن نَفسِهِ كُلَّ لَيلَةٍ
- أَصابَ قِراها مِن صَديقٍ مُيَسَّرِ
يَنامُ عِشاءً ثُمَّ يُصبِحُ ناعِساً
- يَحُتُّ الحَصى عَن جَنبِهِ المُتَعَفِّرِ
قَليلُ اِلتِماسِ الزادِ إِلّا لِنَفسِهِ
- إِذا هُوَ أَمسى كَالعَريشِ المُجَوَّرِ
يُعَينُ نساءَ الحَيِّ ما يَسْتَعِنَّهُ
- ويمسي طليحاً كالبعير المسحر
يستخدم الشاعر الدعاء في بداية هذه الأبيات للتعبير عن مدى مقته للصفات التي تدعوه إليها زوجته، وأيضًا اتكأ هنا الشاعر على الصورة البصرية، فاعتمد على تصوير الواقع ليقنع زوجته بأن ما تلومه عليه ما هي إلا الأخلاق الحسنة، فيرسم صورةً للصعلوك الضعيف عن طريق تصوير المشاهد التي يعيشها في فترات الليل والنهار، ويسائلها إن كانت ترضى له بهذي الحال المزرية، وقد استخدم الشاعر الكلمات التي توحي على أن هذا الصعلوك قد اعتاد وألف مسار حياته الحقيرة تلك ومن هذي الكلمات مصافي وآلفا، وقد استخدم الشاعر أيضًا الأفعال المضارعة التي تدل على استمرار هذه الأفعال من ذاك الصعلوك الضعيف[٤]، ويستمر الشاعر بقصيدته فيقول:[٢]
ولكن صعلوكاً صفيحة وجهه
- كَضَوْءِ شِهَابِ القابِسِ المُتَنَوِّرِ
مطلاً على أعدائه يزجرونه
- بساحتهم زجر المنيح المشهر
وإنْ بَعِدُوا لا يَأْمَنُونَ اقْتِرَابَهُ
- تَشَوُّفَ أهلِ الغائبِ المُتَنَظَّرِ
فذلكَ إنْ يَلْقَ المنيّة َ يلْقَها
- حَمِيداً، وإنْ يَسْتَغْنِ يوماً فأجْدِرِ
وبالاستمرار في تحليل قصيدة ذريني ونفسي للشاعر عروة بن الورد، يستخدم هنا الشاعر المقابلة بالصورة، فالضد يظهر حسنه الضد هذه القاعدة معروفة عند أهل اللغة، وما أراده الشاعر هنا هو إظهار قبح الصعلوك الضعيف الذي ورد ذكره بالأبيات السابقة، وإظهار وجه هذا الصعلوك القوي المتلألئ، ولم يقصد الشاعر هنا ضياء الوجه وجماله بقدر ما أراد أن يبرز في الصورة ضياء أعماله وحسنها، وجاء الشاعر باسم مطلًّا للتعبير عن الاستمرار وديمومة عمله، وسيكرر الشاعر فكرة الخلود بعد الموت إنما تكون من بأعماله الحسنة وشجاعته وتضحيته، فهذه الفكرة هي جوهر النقاش بينه وبين زوجته[٤]، ثم أنهى الشاعر قصيدته بالأبيات التالية:[٢]
أيهلك معتم وزيد ولم أقم
- على ندب يوماً ولي نفس مخطر
ستفزع بعد اليأس من لا يخافنا
- كواسع في أخرى السوام المنفر
يطاعن عنها أول القوم بالقنا
- وبيض خفاف ذات لون مشهر
فَيَوماً عَلى نَجدٍ وَغاراتِ أَهلِها
- وَيَوماً بِأَرضٍ ذاتِ شَتٍّ وَعَرعَرِ
يناقلن بالشمط الكرام أولي القوى
- نِقَابَ الحِجَازِ في السَّرِيح المُسَيَّرِ
يُرِيحُ عليَّ اللَّيلُ أضَيافَ ماجدٍ
- كريم، ومالِي سَارحاً مالُ مُقْتِر
في المقطع الأخير من تحليل قصيدة ذريني ونفسي للشاعر عروة بن الورد، يبدأ الشاعر أبياته هنا بالسؤال الاستكناري، فهو لا يطلب إجابةً وإنما يريد إسكات زوجته عن لومه وعتابه، وسيعتمد الشاعر كثيرًا على الصور كما في الصور التي أبرز فيها صعوبة الطريق التي سلكها على حصانه، وسيظهر المقابلات كما في البيت الأخير من نحر إبله الكثيرة بالليل وقلة عددها بالنهار لأنه قدمها قرىً للضيف، كل هذا من أجل تثيبت القيم التي يدافع عنها أمام زوجته.[٤]
شعر عروة بن الورد
لقد ترجمت أشعار عروة بن الورد فلسفته الخاصة بالحياة، التي كانت تقوم على مكارم الأخلاق والكرم، حتى أن معاوية بن أبي سفيان قال في حقه: لو كان لعروة ولد لأحببت أن أتزوج إليهم، وقد كانت أشعاره دفاقة بمعاني الفروسية والشجاعة والتضحية في سبيل تحقيق الذات والدفاع عن تقاليده وأفكاره التي يؤمن بها،[٥]ومما قاله الشاعر عروة بن الورد الذي لُقب بأمير الصعاليك ما يأتي:
- يقول عروة بن الورد:[٥]
إنِّي امرؤٌ عافِي إِنائي شِركَةٌ
- وأنتَ امرؤٌ عافِي إنائك واحِدُ
أتَهزَأُ منِّي أنْ سمنتَ وقد تَرى
- بجِسميَ مسَّ الحقِّ، والحقُّ جاهِدُ
أقسِّمُ جِسمي في جُسومٍ كَثيرةٍ
- وأحسُو قَراحَ الماءِ، والماء
- وممّا قاله أيضًا:[٦]
لكلّ أُناس سيّدٌ يَعرِفونه
- وسيدنا حتى الممات ربيع
إذا أمرَتني بالعُقوقِ حلِيلتي
- فلم أعصِها، إني إذاً لمَضِيعُ
- وممّا أجادَ فيه قولُه:[٧]
فِراشي فراشُ الضيفِ والبيتُ بيتُه
- ولم يلهني عنه غزال مقنع
أُحدّثُه، إنّ الحديثَ مِن القِرى
- وتعلم نفسي أنه سوف يهجع
المراجع
- ↑ "عروة بن الورد"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2019-08-08. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج "أقِلِّي عَلَيَّ اللِّوْمَ يا ابْنَة َ مُنْذِرِ"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-08-08.
- ^ أ ب " الفروسية"، www.almerja.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-08-08. بتصرّف
- ^ أ ب ت "قصيدة عروة بن الورد "أقلي علي اللوم يا بنة منذر" قراءة في المعاني والأساليب"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-08-08. بتصرّف.
- ^ أ ب "عروة بن الورد: أمير الصعاليك أو الصعلوك النبيل "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-08-08. بتصرّف.
- ↑ "لكلّ أُناس سيّدٌ يَعرِفونه"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-08-20.
- ↑ "فِراشي فراشُ الضيفِ والبيتُ بيتُه"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-08-20.