تحليل كتاب وحي القلم (مقالات نقدية وإنشائية)

كتابة:
تحليل كتاب وحي القلم (مقالات نقدية وإنشائية)

التحليل الموضوعي لكتاب وحي القلم

إنّ كتاب وحي القلم للأديب المصري مصطفى صادق الرافعي هو عبارة عن مقالات كان يكتبها الرافعي في مجلة الرسالة التي كانت تصدر قديمًا جمعها كلّها ووضعها في كتاب واحد جاء في أكثر طبعاته في ثلاثة مجلّدات.[١]


لا يمكن حصر موضوع هذا الكتاب بأمر واحد ولكنّه كان كتابًا متنوّعًا فيه مقالات، وفكرة جمع هذه المقالات في كتاب هي نصيحة أُسديت للرافعي من فؤاد صرّوف رئيس جريدة المقتطف آنذاك، فأخذ الرافعي يجمع ما قد نشره في الصحف والمجلات ويراسل تلاميذه ليجمعوها له، ولا سيّما محمد سعيد العريان ومحمود أبي ريّة،[٢] مجموع هذا الكتاب كان مقالات وخواطر وآراء نقدية وقصصًا يستلهمها من الواقع أو التاريخ.[٢]


مثلًا ماتت زوجة أحد أصدقائه وذهب ليعزّيه، وهناك شاهد أطفالها الصغار فعندما عاد كتب مقالة "موت أم"، وعندما خطب ابنه سامي ابنة خاله حينما كان مُعيدًا في كلية الزراعة، ولكن هذه الفتاة أصابها داء في صدرها استنزف مال والدها كاملًا ولم تشفى، فصار خطيبها سامي يتكفل بعلاجها مدة من الزمن، ولكنّها لم تُشفَ وماتت، فكتب الرافعي من أجلها مقالة "عروسٌ تُزفّ إلى قبرها"، وغيرها كثير ممّا جادت به قريحة الرجل، إضافة إلى مقالات أخرى في الأدب والنقد، يدافع عن فكرة ما يؤمن بها.[٣]


التحليل الأسلوبي لكتاب وحي القلم

كان كتاب وحي القلم حصيلة آخر ثلاث سنوات من حياة الرافعي، في هذه السنوات الثلاث كان الرافعي يكتب في مجلة الرسالة التي كان رئيسها الأديب المصري المعروف أحمد حسن الزيّات، إضافة لغيرها من المجلات والصحف الأخرى غير أنّ هذه المجلّة كانت الأكثر حضورًا في حياة الأديب الرافعي.[٤]


يشهد كثير من المعاصرين للرافعي وكثير من الباحثين كذلك أنّ أسلوب الرافعي قبل وحي القلم كان معقّدًا جدًّا وغامضًا وعميقًا قد جمع فيه أساليب أئمة الأدب والإنشاء منذ عصر الجاحظ وحتى ما قبل عصره بقليل،[٥] ولكنّه في وحي القلم جاء بأسلوب مشرق سهل الأداء وأقلّ عمقًا، ولعلّ السبب في ذلك كان أنّ الرافعي مُلزمٌ بوقت معيّن لإنهاء مقالاته.[٤]


غير أنّ لمحمد سعيد العريان نظرة أخرى في سبب ظهور هذا الأسلوب السلس للرافعي الذي اتبعه في مقالات وحي القلم، وهو أنّ المقالات موجهة لجمهور الصحف والمجلات، وهؤلاء لا يكونون على سويّة واحدة من الثقافة والمعرفة، لذلك فقد أراد الرافعي أن يكون أسلوبه مناسبًا للجميع، وهذا من حقّ القرّاء على الكاتب.[٤]


فاتبع الرافعي هذا الأسلوب في الكتابة كي يسهّل على القرّاء فهم مقالاته، ويرى العريان أنّ هذا الأسلوب هو حصيلة معارف الرافعي وأساليبه في الكتابة والمعرفة في اللغة العربية، وتظهر فيه شخصيّة الرافعي الأخيرة قبيل وفاته.[٤]


البناء الفني في كتاب وحي القلم

إنّ كتاب وحي القلم هو من الكتب التي احتوت على مقالات في مختلف الأمور سواء ما كان إنسانيًّا منها أم أدبيًّا أم نقديًّا أم غير ذلك، فلذلك كان أسلوبه في الكتابة يختلف من مقالة إلى أخرى أو من نوع إلى آخر، وبذلك يختلف معه البناء الفني من صور واستعارات وتراكيب وغير ذلك.[٦]


ولكن يمكن تمييز بناء واحد قد طغى على كلّ كتاب الوحي وهو اللغة التي كُتب بها وما يتبعها من استعارات وتشبيهات تكاد تكون ملازمة لجميع فصول الكتاب، فقد كانت اللغة الغالبة على الكتاب هي اللغة الشعرية التي تفرض على الكاتب نمطًا معيّنًا في الكتابة يجعله يكثّف الصور البيانيّة مع الاتكاء قليلًا على المحسّنات البديعية.[٦]


اللغة عند الرافعي هي وسيلة للكشف وليست مجرّد أداة نقل وإبلاغ وتواصل، بل هي أعمق من ذلك بكثير عنده، وربّما كان سبب الكتابة بهذه الطريقة في النثر هو أن الرافعي في الأساس كان شاعرًا انصرف إلى النثر، مثلًا يقول في إحدى مقالاته: "كما تطلع الشمس بأنوارها فتفجر ينبوع الضوء المسمى النهار، يولد النبي فيوجد في الإنسانية ينبوع النور المسمى بالدين، وليس النهار إلا يقظة الحياة تحقق أعمالها، وليس الدين إلا يقظة النفس تحقق فضائلها".[٦]


فالناثر عادة لا يستعمل هذا الأسلوب إذا أراد أن يوصل المعنى مباشرة للقارئ، ولكنّ الرافعي يريد لهذا المعنى أن يثبت في ذهن المتلقي، فجاء به في ثوب من التشبيهات المتناسقة.[٦]


آراء نقدية حول كتاب وحي القلم

لقد كان لكثير من الأدباء والباحثين والنقّاد آراء في كتاب وحي القلم للرافعي، منها رأي تلميذه محمد سعيد العريان الذي قال فيه: "هذا كتاب، آخر كتاب أنشأه الرافعي، ففيه النفحة الأخيرة من أنفاسه، والنبضة الأخيرة من قلبه، والومضة الأخيرة من وجدانه، أفرأيت الليل المطبق كيف تتروَّح نسماته الأخيرة بعبير الشجر وتتندَّى أزهاره في نسيم السحر"؟[٤]


"ألا وإنه إلى ذلك أول كتاب أنشأه على أسلوبه وطريقته، فقد عاش الرافعي ما عاش يكتب لنفسه وينشر لنفسه، لا يعنيه مما يكتب وينشر إلا أن يُحيل فكرة في رأسه أو لمحة في خاطره أو خفقة في قلبه، إلى تعبير في لسانه أو معنى في ديوانه، ولا عليه بعد ذلك أن يتأدى معناه إلى قارئه كما أراده أو يُغلق دونه، فلما اتصل سببه بمجلة "الرسالة" رأى لقارئه عليه حقًّا أكثر من حق نفسه، فكان أسلوبه الجديد الذي أنشأ به الكتاب".[٤]


ختامًا، يظهر أنّ كتاب وحي القلم للأديب مصطفى صادق الرافعي هو كتاب مجموع من مقالات كثيرة كان قد نشرها الرافعي في صحف ومجلات مصرية قبل وفاته بنحو ثلاث سنوات، جاء أسلوبه فيه سهلًا سائغًا إذا ما قُورِن بأسلوبه في كتبه الماضية، وقد كتبه بلغة خاصة وتراكيب خاصة ولقي الكتاب احتفاء كبيرًا من القرّاء والنقاد والأدباء.


المراجع

  1. محمد سعيد العريان، حياة الرافعي، صفحة 233 - 240. بتصرّف.
  2. ^ أ ب مصطفى الجوزو، مصطفى صادق الرافعي رائد الرمزية العربية المطلة على السوريالية، صفحة 99 - 102. بتصرّف.
  3. كمال نشأت، مصطفى صادق الرافعي، صفحة 26 - 33. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح مصطفى صادق الرافعي، وحي القلم، صفحة 9. بتصرّف.
  5. مصطفى نعمان البدري، الرافعي الكاتب بين المحافظة والتجديد، صفحة 348. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث عيشة بنت إبراهيم الحسني، تداخل الأنواع الأدبية في مقالات "وحي القلم" للرافعي، صفحة 152 - 155. بتصرّف.
5231 مشاهدة
للأعلى للسفل
×