تحليل معلقة عمرو بن كلثوم

كتابة:
تحليل معلقة عمرو بن كلثوم


تحليل معلقة عمر بن كلثوم

فيما يأتي توضيح لذلك:


مطلع القصيدة

أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فأصبحينا

:::وَلا تُبقي خُمورَ الأَندَرينا

مُشَعشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيه

:::إذا ما الماءُ خالَطَها سَخينا

تَجورُ بِذي اللُبانَةِ عَن هَواهُ

:::إِذا ما ذاقَها حَتّى يَلينا

تَرى اللَحِزَ الشَحيحَ إِذا أُمِرَّت

:::عَلَيهِ لِمالِهِ فيها مُهينا

صَبَنتِ الكَأسَ عَنّا أُمَّ عَمرٍو

:::وَكانَ الكَأَسُ مَجراها اليَمينا

وَما شَرُّ الثَلاثَةِ أُمَّ عَمرٍو

:::بِصاحِبِكِ الَّذي لا تَصبَحينا

وَكَأسٍ قَد شَرِبتُ بِبَعلَبَكٍّ

:::وَأُخرى في دِمَشقَ وَقاصِرينا

وَإِنّا سَوفَ تُدرِكُنا المَنايا

:::مُقَدَّرَةً لَنا وَمُقَدَّرينا[١]


إنّ الناظر في هذه الأبيات الشعريّة يجد أنّ الشاعر يخاطب أمّ الملك ويطلب منها أن تَهُبّ إلى خدمته، وأن تصب له الخمور الغالية النفيسة، التي تكون مشعةً لامعةً من شدة صفائها، ويشير الشاعر إلى أنّ هذه الخمرة تنسي صاحبها همومه، وتلين مزاجه حتى أنّ الإنسان البخيل الشحيح يتحول إلى باذخٍ كريم عندما يريد شربها.[٢]


ثم يخاطب أم الملك بلا لقب أو احترام، ويناديها بكنيتها أم عمر، ويأمرها بصب الخمر له وخدمته مثلما أرادت أن تفعل مع أمه، وأن تقدمه على أصحابه الثلاث الذين معه في الصب، ويتمنى الشاعر أن يشرب الخمر في مدن يريد قصدها، وهي بعلبك ودمشق وقاصرين، وهي مدن كانت تحت إمرة الورم، وكانت مشهورة بتجارة الخمور، ويختم الشاعر المقطع بنفسٍ مليء الحكمة، عن كون الموت حاصل على جميع الناس في الدنيا.[٢]


قِفي قَبلَ التَفَرُّقِ يا ظَعين

:::نُخَبِّركِ اليَقينا وَتُخبِرينا

قِفي نَسأَلكِ هَل أَحدَثتِ صَرم

:::لِوَشكِ البَينِ أَم خُنتِ الأَمينا

بِيَومِ كَريهَةٍ ضَرباً وَطَعن

:::أَقَرَّ بِهِ مَواليكِ العُيونا

وَإنَّ غَداً وَإِنَّ اليَومَ رَهنٌ

:::وَبَعدَ غَدٍ بِما لا تَعلَمينا

تُريكَ إِذا دَخَلتَ عَلى خَلاءٍ

:::وَقَد أَمِنَت عُيونَ الكاشِحينا[١]


وفي هذه الأبيات يتحدّث الشاعر مستذكرًا أمجاد قبيلته، فيخاطب امرأةً ويطلب منها أن تحكي الحقيقة وتسمعها، فهو في قوله ظعينا وهي المرأة كأنّه يخاطب قبيلة بكر التي كانت بينهما حرب استمرت مئة عام، فهو يقول لها أنه يجب عليها أن تعترف بالحقيقة، وتسمع الحق، فهذه القبيلة قد أحدثت أمرًا عظيمًا وخانت الأمين، وهو يقصد به خاله كليب الذي قُتل بالخيانة، ويذكرها بأيام الحرب ويصف ذلك اليوم بأن يوم كريه، كان الطعن والضرب فيه حاصلاً على بني بكر، ويتوعدها بأيامٍ لا تعلمُ ما فيها من عقاب لها، فهي قد فعلت فعلةً نكراء كحال فتاةٍ دخلت مكانًا خاليًا في غفلة من الناس.[٣]


لوحة الناقة

ذِراعَي عَيطَلٍ أَدماءَ بِكرٍ

:::هِجانِ اللَونِ لَم تَقرَأ جَنينا

وَثَدياً مِثلَ حُقِّ العاجِ رَخص

:::حَصاناً مِن أَكُفِّ اللامِسينا

وَمَتنَي لَدنَةٍ سَمَقَت وَطالَت

:::رَوادِفُها تَنوءُ بِما وَلينا

وَمَأكَمَةً يَضيقُ البابُ عَنه

:::وَكَشحاً قَد جُنِنتُ بِهِ جُنونا

وَساريَتَي بَلَنطٍ أَو رُخامٍ

:::يَرِنُّ خُشاشُ حَليِهِما رَنينا

فَما وَجَدَت كَوَجدي أُمُّ سَقبٍ

:::أَضَلَّتهُ فَرَجَّعَتِ الحَنينا

وَلا شَمطاءُ لَم يَترُك شَقاه

:::لَها مِن تِسعَةٍ إَلّا جَنينا

تَذَكَّرتُ الصِبا وَاِشتَقتُ لَمّ

:::رَأَيتُ حُمولَها أُصُلاً حُدينا

فَأَعرَضَتِ اليَمامَةُ وَاِشمَخَرَّت

:::كَأَسيافٍ بِأَيدي مُصلِتينا[١]


وفي هذه الأبيات يتحدث الشاعر عن ناقته، إذ لا بد من ذكر الناقة في القصيدة العربية القديمة، فهي ناقةٌ مكتنزة بيضاء اللون، قوية البنُية، لم تحمل يومًا جنينًا في بطنها، فهي بذلك محافظةٌ على قوتها وطاقتها، وهي ثدياها صغيران ممنوعان عن اللمس، وهي أيضًا ناقةٌ متنها قوي، وروادفها ثقيلة مكتنزة باللحم، فتغذيتها جيدة، وبالتالي فهي ناقة قوية تليق بفارس مثل عمرو بن كلثوم.[٤]


فهي ضخمة لدرجة أنها لا تدخل من الباب، وسيقانها صلبة مثل الرخام، وهي لم تذق طعم الحزن لفقد حوار أو جنين، ولم تصبح عجوزًا شمطاء مات بنوها ولم يبقى إلا واحد، وهنا كأنّ الشاعر يستعمل أسلوب التعريض، ويشير إلى أم جساس التي كان لها تسعة أولاد، وقد قتلوا إلا واحد، فناقته لن تكون مكومةً بأولادها، وستتبقى عزيزةً، ويذكر الشاعر أنه لدى رؤيته لهذه الناقة يشتاق لأيام الصبا واللهو، وتذكر أرض اليمامة عندما بدت له من بعيد مثل حد السيف المسلول.[٥]


لوحة الفخر والحرب

أَبا هِندٍ فَلا تَعَجَل عَلَينا

:::وَأَنظِرنا نُخَبِّركَ اليَقينا

بِأَنّا نورِدُ الراياتِ بيض

:::وَنُصدِرُهُنَّ حُمراً قَد رَوينا

وَأَيّامٍ لَنا غُرٍّ طِوالٍ

:::عَصَينا المَلكَ فيها أَن نَدينا

وَسَيِّدِ مَعشَرٍ قَد تَوَّجوهُ

:::بِتاجِ المُلكِ يَحمي المُحجَرينا

تَرَكنا الخَيلَ عاكِفَةً عَلَيه

:::مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَها صُفونا

وَأَنزَلنا البُيوتَ بِذي طُلوحٍ

:::إِلى الشاماتِ تَنفي الموعِدينا

وَقَد هَرَّت كِلابُ الحَيِّ مِنّا

:::وَشذَّبنا قَتادَةَ مَن يَلينا

مَتى نَنقُل إِلى قَومٍ رَحان

:::يَكونوا في اللِقاءِ لَها طَحينا

يَكونُ ثِفالُها شَرقِيَّ نَجدٍ

:::وَلُهوَتُها قُضاعَةَ أَجمَعينا

نَزَلتُم مَنزِلَ الأَضيافِ مِنّا

:::فَأَعجَلنا القِرى أَن تَشتُمونا

قَرَيناكُم فَعَجَّلنا قِراكُم

:::قُبَيلَ الصُبحِ مِرداةً طَحونا

نَعُمُّ أُناسَنا وَنَعِفُّ عَنهُم

:::وَنَحمِلُ عَنهُمُ ما حَمَّلونا

نُطاعِنُ ما تَراخى الناسُ عَنّه

:::وَنَضرِبُ بِالسُيوفِ إِذا غُشينا

بِسُمرٍ مِن قَنا الخَطِّيِّ لُدنٍ

:::ذَوابِلَ أَو بِبيضٍ يَختَلينا

كَأَنَّ جَماجِمَ الأَبطالِ فيه

:::وُسوقٌ بِالأَماعِزِ يَرتَمينا

نَشُقُّ بِها رُؤوسَ القَومِ شَقّ

:::وَنُخليها الرِقابَ فَتَختَلينا

وَإِنَّ الضِغنَ بَعدَ الضِغنِ يَبدو

:::عَلَيكَ وَيَخرِجُ الداءَ الدَفينا

وَرِثنا المَجدَ قَد عَلِمَت مَعَدٌّ

:::نُطاعِنُ دونَهُ حَتّى يَبينا

وَنَحنُ إِذا عَمادُ الحَيّ خَرَّت

:::عَنِ الأَحفاضِ نَمنَعُ مَن يَلينا

نَجُذُّ رُؤوسَهُم في غَيرِ بِرٍّ

:::فَما يَدرونَ ماذا يَتَّقونا

كَأَنَّ سُيوفَنا فينا وَفيهِم

:::مَخاريقٌ بِأَيدي لاعِبينا

كَأَنَّ ثيابَنا مِنّا وَمِنهُم

:::خُضِبنَ بِأَرجوانٍ أَو طُلينا

إِذا ما عَيَّ بِالإِسنافِ حَيٌّ

:::مِنَ الهَولِ المُشَبَّهِ أَن يَكونا

نَصَبنَا مِثلَ رَهوَةَ ذاتَ حَدٍّ

:::مُحافَظَةً وَكُنّا السابِقينا

بِشُبّانٍ يَرَونَ القَتلَ مَجد

:::وَشيبٍ في الحُروبِ مُجَرَّبينَا[١]


وفي هذه الأبيات يبدأ الشاعر بالفخر بقبيلته وبنفسه، ويخاطب الملك القتيل يأمره بعدم الاستعجال في استفزازهم، فهم قوم أهل حرب، إذ إنهم يقبلون على المعركة براياتٍ بيضاء اللون، لكنهم يعودون وقد جُبلت بالدم، فهم قوم فخورون عصوا ملوكًا سابقين، ولهم أيام في الحرب طويلة، فقد استمرت حربهم مع قبيلة بكر لمدة أربعين عام، وهم أول من جعلوا رجلا منهم ملكّا، وهو كليب بن ربيعة، وهم أيضًا قوم أعدوا خيولهم للحرب، فهي دائمًا جاهزةٌ لها.[٦]


بالإضافة إلى أنّهم قوم كرام يعجلون بطعام الضيف، ولا يتركون له مجالاً أن يشتمهم على تقصير أو خلل في الضيافة، فهم قوم أعفاء، وهم أيضًا أصحاب جرأة لا يخافون ما يخافه الناس، بل يذهبون لحربه وقتاله، فيصف لنا أدوات الحرب التي يستعملونها، وهي رماح سمراء طويلة، يشقون بها الرؤوس، وهم يتركون وراءهم في الساحات جماجم أعدائهم، إذ إن السيوف بأيديهم مثل اللعبة سهل عليهم حمله واستعماله، حتى أنّ ثيابهم كُسيت بالدم، فشباب قبيلته يحبون الموت لأن فيه مجدًا، أما كبار قومه فهم محنكون في الحرب لممارستهم لها.[٧]


فهذه القصيدة كانت من روائع القصائد الفخرية، وهي تكتسي بطابع الاعتزاز بالقبيلة، وبفروسية الشاعر، وعزة نفسه وفخره بكرامته، فكانت من القصائد الطوال التي صنفها العرب ضمن المعلقات، وبقيت محفوظةً إلى اليوم لقيمتها الفنية.


حول معلقة عمرو بن كلثوم

تعدُّ معلقة عمرو بن كلثوم واحدة من بدائع القصائد في تاريخ الشعر العربي، فقد كانت هذه القصيدة من القصائد الطويلة، التي تجاوزت المائة بيت، واحتوت موضوعاتٍ عكست شيئًا من الحياة العربية وطبائع العرب ومزاجهم الثقافي، في فترةٍ غاب عنها التدوين، لكن استطعنا اكتشاف أسرارها من خلال قراءتنا للشعر.[٨]


ولعل سبب إنشاد عمرو بن كلثوم هذه القصيدة ما روي عن أنّ الملك عمرو بن هند كان معاديًا للعرب ومفضلاً إذلالهم، وكان ذات يوم في مجلس له يسأل الحاضرين عن امرأةٍ تتعالى عن خدمة أمه، فتمّ إخباره أنّ في العرب رجلاً اسمه عمرو بن كلثوم التغلبي، أخواله وائل بن ربيعة التغلبي المعروف بكليب، وسالم بن ربيعة المعروف بالزير سالم المهلهل، وأمه ليلى بنت المهلهل، وهو رجلٌ عزيز كريم النسب، وأمه صاحبة عنفوان وكرامة.[٨]


فأصر على دعوته هو وأفراد قبيلته وأمّه، وأخبر الملك أمه بأن تأمر ليلى بصوت عالٍ أن تساعد الخدم، حتى يسمع الناس أنّ أم عمرو بن كلثوم تخدم أم الملك، وبالتالي يتم له إذلال الشاعر، وعندما فعلت أمّ الملك ما رغبه ابنها نادت ليلى مستغيثةً بابنها، فقام وقتل الملك بسيف معلق، وقام أفراد قبيلته فنهبوا القصر انتصارًا لكرامتهم، ومن ثم قال الشاعر معلقته المشهورة.[٨]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث "ألا هبي بصحنك فأصبحينا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 12/1/2022.
  2. ^ أ ب الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 173. بتصرّف.
  3. التبريزي، شرح القصائد العشر، صفحة 307-309. بتصرّف.
  4. الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 176-177. بتصرّف.
  5. الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 178-179. بتصرّف.
  6. يحيى التبريزي، شرح القصائد العشر، صفحة 312-309. بتصرّف.
  7. التبريزي، شرح القصائد العشر، صفحة 314-316. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 169-170. بتصرّف.
3318 مشاهدة
للأعلى للسفل
×