تحليل نص خطبة حجة الوداع

كتابة:
تحليل نص خطبة حجة الوداع


حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم

خطبة حجّة الوداع، ما هي أبرز محاورها؟ هل كانت وصايا عامّة؟ أم تناولت قضايا تمسّ العقائد والأحكام؟ أم ركّزتْ على القضايا الاجتماعية دون غيرها؟ هذا المقال يعرِض بالتحليل للمحاور البارزة في خطبة الوداع.


بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبته ببيان حرمة الاعتداء على دماء وأموال وأعراض المسلمين، ومن المعلوم أنَّ حفظ النفس والعرض والمال يعدُّ من الضرورات الخمس التي لا بدَّ من مراعاتها وعدم انتهاكها، وإنَّ الإخلال بها يعدُّ في الشرع الحنيف خطورةٌ عظيمة؛ لما يترك من ضررٍ عظيمٍ على النَّاس والمجتمع، ومما يدلُّ على أهمية الحفاظ عليها أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- شرعَ الحدود والقصاص والديات، بالإضافة إلى أنَّه جعل الاعتداء عليها من أعظم المحرماتِ بعد الشرك بالله.[١][٢]

ولا بدَّ من التنبيه إلى أنَّ قتل النفسِ -أي ما يُعرف بالانتحارِ-، يعدُّ محرمًا كحرمة قتل الغيرِ، ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ومَن قَتَلَ نَفْسَهُ بشيءٍ في الدُّنْيا عُذِّبَ به يَومَ القِيامَةِ".[٣][٤]


الناس سواسية والتقوى أساس التفاضل

لقد كان المجتمع الجاهليُّ يرى أنَّ الرفعة إنَّما تكون بالحسب والنسب والقوة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ يبيِّن لهم أنَّ الأمر لم يعد كسابق عهده، بل إنَّ الناسَ جميعهم متساوون في المكانة كأسنان المشطِ، وأنَّ ميزانَ التفاضلِ بينهم هو تقوى الله، وهذه الجزئية من خطبة النبيِّ تأكيدًا على قوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).[٥][٦]



عزة المسلم واستعلاؤه على الباطل

لقد أظهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع عزة المسلم وقوته واستعلاؤه على الباطل، وكان ذلك عندما أبطل أخلاق الجاهلية وعاداتها التي تُنافي الإسلام وسننه وهديه، وبيَّن بأنَّ كلَّ ما يُخالف الإسلام من عاداتٍ وأخلاقٍ لا قيمة لها، بل هي موضوعةٌ تحت قدمه، وفي هذه الجزئية من الخطبة ثمرةٌ مستفادة وهي ضرورة تقدير الوقتِ؛ حيث أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يقل: (ألا إنَّ كلَّ شيٍء من أمرِ الجاهليةِ تحتَ قدمي موضوعٌ)،[٧] في أول بعثته؛ إذ أنَّ الوضع لم يكن ليسمح لما كان عليه المسلمون من ضعفٍ، لكن حين قويت شوكتهم واشتدَّ عودهم وصار لهم دولتهم المستقلة، قالها بعزةِ المسلم واستعلاؤه على الباطل.[٨]



إبطال الربا وتحريمه

انتقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للحديث عن عادةٍ من عادات الجاهلية ألا وهي الربا، فبيَّن حرمة التعامل بالربا، وفي هذه الجزئية من الخطبة ثمرةٌ مستفادة، وهي أنَّ الداعية لا بدَّ له من أن يكون قدوةً لغيره من المسلمين، ويظهر ذلك جليًا عندما بدأ النبيُّ بعشيرته، فأسقط ربا عمِّه العباس عن رقاب المدينين له حيث قال: (وأولُ ربًا أضعُ من رِبَانَا ربا العباسِ بنِ عبدِ المطلبِ).[٧][٩]



الوصية بالمرأة

لم يغفل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قضية المرأة التي كانت مهانةٌ في الجاهلية، فبيَّن مكانتها في الإسلام، وذكّر برفعة شأنها، كما أوصى بضرورة الإحسان إليها، وحرمة انتهاك حقوقها، وأوصى المسلمين فيهنَّ، وأمرهم بمعاشرتهنَّ بالمعروف، وبيَّن ما لهنَّ من حقوقٍ على أزواجهنَّ، وما لأزواجهنَّ من حقوقٍ عليهنَّ.[١٠]



الوصية بالتمسك بالقران الكريم

ثمَّ بيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين دستورهم، والنبراس الذي سيهديهم إلى الطريق الصحيح الذي لا اعوجاج فيه، ألا وهو القرآن الكريم، الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه، فأوصى بالتمسك به، وأخبرَ أنَّ من اعتصم به فلن يضلَّ أبدًا، فقال: (وإني قد تركتُ فيكم ما لن تضلُّوا بعدَه إن اعتصمتُم به ، كتابَ اللهِ).[٧][١١]



متى كانت خطبة الوداع

خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الخطبة الجامعة التي تحمل في طياتها عددًا من الوصايا والأحكام الرائعة بالمسلمين في حجته الأولى والوحيدة والتي تُسمى حجة الوداع، ومن المعلوم أنَّ النبيَّ قام بأداء مناسك الحجِّ في السنة العاشرة للهجرة،[١٢] وإنَّ الناظر في محتويات هذه الخطبة يُدرك إحساس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدنوِ أجله، ونهاية عمره، ويُدرك أيضًا أنَّ النبيِّ كان يبرئُ ذمته ليُخلي مسؤوليته أمام الله -عزَّ وجلَّ- ويتضح ذلك جليًا في تكرار إشهاده للنَّاس على أنَّه بلغ رسالته على أكمل وجهٍ وأدى الأمانة من غيرِ نقصانٍ.[١٣]



خلاصة المقال

في هذا المقال تمَّ تحليل خطبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي خطبة بها المسلمين في حجة الوداع والتي كانت في السنة العاشرة للهجرة، فتمَّ في هذا المقال بيان محتويات خطبة الوداع، والتي اشتملت على عددٍ من الأحكام والوصايا، وفيما يأتي ذكر أهم محاورها بشيءٍ من الإيجاز:

  • بيَّن النبيُّ في خطبته حرمة دماء المسلمين وحرمة الاعتداء على أموالهم وأعراضهم.
  • بيَّن النبيُّ في خطبته أنَّ النَّاس سواسيةٌ ولا فضلَ لأحدٍ على غيره، وأنَّ ميزان المفاضلة عند الله -عزَّ وجلَّ- بين النّاس هي التقوى.
  • بيَّن النبيُّ في خطبته أنَّ كلَّ ما ينافي أخلاق الشريعة الإسلامية ومبادئها باطلٌ وموضوعٌ تحت القدم، والذي يدلُّ على عزة المسلم بالإسلام واستعلاؤه على الباطل.
  • بيَّن النبيُّ في خطبته حرمة الربا، كما أنَّه أبطل هذه العادة وجعلها بلا قيمة، وكان قدوةً للمسلمين في ذلك عندما أسقط ربا عمه العباس.
  • بيَّن النبيُّ مكانة المرأة في الإسلام ورفع شأنها بعد أن كانت مهانةٌ في الجاهلية، وذلك من خلال الوصية بها، كما أنَّ بيَّن ما لها من حقوق وما عليها من واجبات.
  • بيَّن النبيُّ في خطبته أنَّ القرآن الكريم هو دستور المسلمين الذي لا يضلُّ من تمسك به.

المراجع

  1. عبد المحسن العباد، شرح الأربعين النووية، صفحة 5، جزء 31. بتصرّف.
  2. عبدالله البسام (1423)، توضيح الأحكام من بلوغ المرام (الطبعة 5)، مكة المكرمة:مكتبة الأسدي، صفحة 598، جزء 4. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ثابت بن الضحاك، الصفحة أو الرقم:6047، حديث صحيح.
  4. حسن أبو الأشبال الزهيري، فوائد من خطبة الوداع، صفحة 4، جزء 3. بتصرّف.
  5. سورة الحجرات، آية:13
  6. أمينة العطار وعائشة بوشكري، الاتساق في خطبة الوداع للرسول صلى الله عليه وسلم، صفحة 28. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:2068، حديث صحيح.
  8. حسن أبو الأشبال الزهيري، فوائد من خطبة الوداع، صفحة 7، جزء 3. بتصرّف.
  9. حسن أبو الأشبال الزهيري، فوائد من خطبة الوداع، صفحة 5، جزء 4. بتصرّف.
  10. أمينة العطار وعائشة البوشكري، الاتساق في خطبة الوداع للرسول صلى الله عليه وسلم، صفحة 29. بتصرّف.
  11. حسن أبو الأشبال الزهيري، فوائد من خطبة الوداع، صفحة 7، جزء 4. بتصرّف.
  12. "السنة التي حج فيها النبي صلى الله عليه وسلم"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 24/6/2021. بتصرّف.
  13. محمد الطيب النجار، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، لبنان-بيروت:دار الندوة الجديدة، صفحة 389. بتصرّف.
5982 مشاهدة
للأعلى للسفل
×