محتويات
مفهوم الرواية التاريخية
ما تعريف الرواية التاريخية وما هي أنواعها وأهدافها؟
إنّ الرواية هي نوع من أنواع السرد القصصي، وللرواية في عالم الأدب أنواع عدة، كالرواية الاجتماعية والعاطفية والرواية التاريخية، وإنّ الحديث عن الرواية التاريخية له أقسام عدة وفروع مختلفة، وأول ما يمكن الحديث عنه هو تعريف الرواية التاريخية، وهو تعريف وردت فيه آراء عدة ووجهات نظر مختلفة، إلا أن أبرز هذه التعريفات أن الرواية التاريخية هي: سرد قصصي يدور حول أحداث تاريخية حصلت فعلًا في زمن ما، وتكون الرواية محاولة لإحياء بعض الشخصيات التاريخية من خلال أشخاص خيالين أو حقيقين أو المزج بينهما معًا.[١]
الرواية التاريخية في الغالب تقوم بوظيفة معرفية تربوية تعليمية، وإنّ القارئ قد يظن أنّ الرواية التاريخية تروي ما حصل في زمن مضى، إلا أن أبرز سماتها أنها تستحضر ميلاد أوضاع حديثة، وتقويم بتصوير بداية وطريق لمصير وأمور لم تتشكل بعد، وذلك من خلال استخلاص فردية الشخصيات التاريخية وتحديد الطابع الخاص بها، وإسقاطه على الواقع وظروفه بإبداع ودقة، وممّا تتسم به الرواية التاريخية الأمانة والدقة في نقل المعلومات التاريخية والبعد عن التزييف.[٢]
من صفات الرواية التاريخية أنها تُشكّل المادة التاريخية بطريقة فنية دون المساس بجوهر الحدث التاريخي ومضمونه، وتكثّف الرواية التاريخية الأحداث المتعلقة بفترة زمنية مركزة على ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية معينة في تلك الفترة، ومما هو مهم في سمات الرواية التاريخية أنها تعتمد التسلسل التقليدي للسرد، وتهتم بالشخصية اهتمامًا بالغًا، أي أنّها كانت في بداياتها لا تقترب من المدارس الفنية الحديثة التي قد تتأثر بها غير أنواع من الرواية.[٢]
أما عن الدافع وراء كتابة الرواية التاريخية فهو أن يصير التاريخ أمرًا محببًا يرغب الناس بقراءته والاطلاع عليه، وذلك بتحويله من مادة جافة إلى أسلوب مشوق يجذب القارئ ويلفت انتباهه، كما تهدف الرواية التاريخية إلى إحياء الماضي في نفوس الشباب، وبعث الذكريات والبطولات المجيدة في أفكارهم، كي يسعوا للحفاظ على أمجادهم وصونها من الذل والمهانة، ومن دوافع الرواية التاريخية أنّها تعمل على مناقشة الكثير من قضايا الحاضر من خلال استحضار مواقف مشابهة من الماضي، ومن ثم استشراف المستقبل ورسم معالمه.[٣]
من أهم وأبرز دوافع وأسباب كتابة الرواية التاريخية أنّها تسعى لتنقية التاريخ من التزييف والكذب والتدليس الذي أصابه بسبب كثرة الكذب وتشويه الحقائق التاريخية لمصالح سياسية معينة، وهذا يحتاج إلى دقة وفحص وتمحيص للتأكد من كل كلمة تُكتب في الرواية التاريخية، وإنّ الرواية التاريخية لها نوعان: إمّا أن تكون تقليدية أو حديثة، ولكل نوع خصائصه، إلا أنّ المشترك بينهما أن التاريخ هو المادة الأساس لكل منهما.[٤]
نشأة الرواية التاريخية في الأدب العربي
كيف أثّرت الرواية التاريخية الغربية في ظهور الرواية التاريخية في الأدب العربي؟
اختلفت الآراء النقدية وتعدّدت وجهات النظر حول نشأة الرواية التاريخية في الأدب العربي، إلا أنّ المُتّفق عليه في الدراسات هو ظهور الرواية التاريخية في الأدب الغربي، إذ إنّ أوّل ظهور للرواية التاريخية في أدب الغرب كان في رواية "وايفرلي" لوالتر سكوت عام 1814م، وتتابعت الروايات التاريخية في الأدب الغربي مثل أعمال تولستوي في الأدب الروسي، وألكسندر دوما في الرواية الفرنسية، وبعدها بدأ تأثر العرب وانتقل هذا الأثر التاريخي إلى الأدب العربي.[٥]
إلا أن ما يجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أنّ بعض النقاد يرى أن الرواية التاريخية في الأدب العربي لم تكن نتيجة الأثر الغربي، بل هي نتيجة طبيعية ومتوقعة بسبب ما يتمتع به الأدب العربي من قصص تاريخية وسرد للتاريخ وأحداثه، وأنّها تطور طبيعي للفن القصصي، بينما يرى قسم آخر أنّ العرب أفادوا من إرثهم الثقافي في القصص والتخيلات، وأضافوا إليه ما رأوه من نتاج الغرب فكانت نشأة الرواية التاريخية في الأدب العربي.[٢]
الرأي الثالث يرى أن الرواية التاريخية في الأدب العربي ما هي إلا نتيجة التأُثر بالأدب الغربي ومحاولة محاكاته والإفادة منه، وكانت أول الأصوات العربية التي صدحت بالرواية التاريخية: جرجي زيدان وسليم البستاني وأنطون فرح ويعقوب صروف، وصار الكتاب يهتمون بالتاريخ ويحاولون تقديمه بأسلوب روائي وفني مشوق للقارئ، واستمرت التطورات في الرواية التاريخية ولكل جيل كانت سماته وهفواته التي حاول من يليه تجاوزها وتصحيح مسارها، فمرت الرواية التاريخية بتحولات عدة تتناسب مع تحولات العصور وتقدمها.[٢]
ممّا ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد أنّ الرواية التاريخية في الأدب الغربي كانت لها مراحل وتطورات، ففي بدايات ظهورها كانت تعتمد الإيحاء التاريخي الذي يكتفي بتفسير التاريخ من الخارج، وبعدها انتقلت إلى مرحلة التفسير المنطقي الذي يعتمد على العقل والحجج في عرض وقائع التاريخ ويفكر بها تفكيرًا منطقيًا، ثم انتقلت الرواية التاريخية إلى موضوع أعمق، فجمعت بين النقل الموضوعي وبين العواطف الإنسانية، وحاولت نقل العواطف الخالدة عبر التاريخ ضمن أحداث الرواية وتفاصيلها.[٢]
ولما كان الأدب العربي قد تأثر بشكل أو بآخر بالرواية التاريخية عند الغرب فلا بد أن الرواية التاريخية العربية قد مرت أيضًا بأطوار ومراحل وتطورات، إلا أن هذه المراحل ستختلف إلى حد ما عن مراحل تطور الرواية التاريخية الغربية، وذلك بما يتناسب مع طبيعة الأحداث التاريخية أولًا، وأسلوب عرض الرواية وأحداثها في الأدب العربي ثانيًا، والخصائص الفنية لكل كاتب والتي يتميز بها عن غيره أخيرًا.[٢]
ومهما يكن من أمر تأثر العرب بالرواية التاريخية الغربية، فمن المهم التركيز على أنّ الإبداع لا يخفى على أحد، وبكل تأكيد فإنّ روائيّي العرب قد تركوا بصمة واضحة وأثرًا بارزًا في الروايات التاريخية التي كتبوها، وكما أفاد الغرب سابقًا من ألف ليلة وليلة في نتاجهم الأدبي وطوّروا ما يناسبهم ويدل على تميزهم، فإنّ العرب أفادوا من الخطاب الروائي التاريخي وطوروه بما يتناسب مع خصائصهم وتاريخهم عبر العصور.[٤]
أعلام الرواية التاريخية في الأدب العربي
ما هي أبرز الأسماء التي ارتبطت بالرواية التاريخية العربية؟
إنّ بداية ظهور الرواية التاريخية في الأدب العربي اقترنت بكل تأكيد بأسماء روائيين وضعوا حجر الأساس للرواية التاريخية العربية، ولعل أبرزهم:
- سليم البستاني: روائي لبناني الأصل، وأول رواية تاريخية له هي رواية زنوبيا التي نُشرت عام 1871م، ونشرت متسلسة في مجلة الجنان، وفكرتها الرئيسة هي الصراع الذي دار بين ملكة تدمر وبين الرومان في القرن الثالث.[٦]
- جميل نخلة المدور: كتب رواية تاريخة متأُثرًا بسليم البستاني، وكانت بعنوان حضارة الإسلام في دار السلام وصدرت عام 1905م، وفكرتها الرئيسة عن تنقل الأمير الفارسي في البلاد أيام هارون الرشيد، ومحاولة وضع يده على مواطن الإشلراق والازدهار فيها.[٦]
- فرح أنطون: قام بترجمة الكثير من الروايات التاريخية وبعدها كتب رواية تاريخية بعنوان أورشليم الجديدة سنة 1904م، وصور فيها أحداث مدينة القدس، ولكن من وجهة نظر مسيحية، وعرض فيها قصة حب بين شاب مسيحي وفتاة يهودية، ومن خلال هذه البناء الفني يعرض أحداثًا تاريخية.[٦]
- يعقوب صروف: من أشهر رواياته التاريخية فتاة مصر، وأمير لبنان، وممّا يؤخذ على رواياته ورايات الكثيرين في تلك الحقبة أنها كانت روايات مملوءة بالوعظ والإرشاد والتوجيه والأخلاقيات، وهذا جعل البناء الفني للرواية ضعيفًا ورتيبًا لا يجذب القارئ ولا يلفت انتباهه.[٧]
- جرجي زيدان: يعد جرجي زيدان نقطة تحول حقيقية في مسار الرواية التاريخية في الأدب العربي، فقد تأثر كثيرًا بالروايات التاريخية الغربية، واستفاد منها في بناء رواياته، واعتمد منهجًا واضحًا في كل رواياته التاريخية، وكتب اثنتين وعشرين رواية تاريخية سمّاها روايات تاريخ الإسلام.[٨]
- أحمد شوقي: إضافة إلى أنه شاعر كان مهتمًا بالرواية التاريخية، فقد كتب رواية بعنوان لادياس الفاتنة، واستدعى فيها تاريخ الفراعنة، واعتمد البناء البسيط والتقليدي للرواية والذي يكون قوامه قصة حب بين طرفين، ومن خلالها تُسرد الأحداث التاريخية، فلم يقدم ما هو جديد على الرواية التاريخية العربية.[٧]
- علي الجارم: قدم مجموعة لا بأس بها من الروايات التاريخية، والتي تركت أثرًا مهمًا في الرواية التاريخية، ومن هذه الروايات: فارس بني حمدان، وهاتف من الأندلس وشاعر الملك والشاعر الطموح وغادة رشيد.[٧]
- محمد فريد أبو حديد: يُمثّل الروائي محمد فريد نقطة انطلاق جديدة في الرواية التاريخية العربية، إذ أضاف إليها الطابع الوطني والقومي، وذلك من خلال الاعتزاز بتاريخ العرب المشرف والافتخار به، مثل رواية: الملك الضليل، والمهلهل سيد ربيعة، وزنوبيا ملكة تدمر.[٧]
- محمد سعيد العريان: توجه الروائي العريان إلى تاريخ مصر، وكتب روايات عدة عن مصر وتاريخها وأمجادها وشخصياتها التاريخية، مثل: رواية شجرة الدر، وقطر الندى، وعلى باب زويلة، وكان جل تركيزه على عهد الأيوبين والمماليك في مصر.[٧]
- عبد الحميد جودة السحار: اهتم الروائي السحار بالتاريخ الإسلامي اهتمامًا بالغًا، فكتب السيرة النبوية في 20 كتابًا، وحاول أن يقربها من القصة في صياغة أحداثها، ومن وراياته التاريخية رواية أمير قرطبة.[٧]
تحولات الرواية التاريخية في الأدب العربي
ما هي المراحل التي مرت بها الرواية التاريخية في الأدب العربي؟
إنّ تطور الأدب وانتقاله في مراحل مختلفة لا بُدّ أن يؤثر على كلّ مفاصل الأدب وأنواعه، فظهور اتجاهات أدبية ونقدية ومدارس فنية متعددة ومتنوعة؛ كالواقعية والرومانسية والكلاسيكية والرمزية وغيرها من المدارس، لا بُدّ أن يؤثر على أشكال النصوص وأنواعها، وهو بكل تأكيد كان ذا أثر في تحولات الرواية التاريخية في الأدب العربي وتطورها بما يتناسب مع تطور المدارس والاتجاهات.[٩]
مرحلة عرض التاريخ
إنّ بداية ظهور الرواية التاريخية في الأدب العربي كانت عبارة عن عرض للتاريخ والوقائع التاريخية في قالب فني ولغة أدبية تتراوح بين السهولة تارة والتعقيد تارة، والهدف منها هو الإمتاع والتسلية والتشويق، وتقديم التاريخ بقالب فني مميز بعيد عن الجمود والنمطية، حتى أنّ أوائل الروائيين الذين كتبوا الروايات التاريخية كان نهجهم -تقريبًا- واحدًا، فكلهم بنوا الروايات على قصة حب، ومن خلالها يسردون الوقائع التاريخية التي يريدون تسليط الضوء عليها.[٩]
عرض التاريخ والتنظير للواقع
عندما بدأت ملامح المدرسة الواقعية تلوح في الأفق، بدأت الروايات التاريخية تتأثر بها وبمبادئها، فصارت الرواية التاريخية ذات أهداف أسمى وأعمق، إذ انتقلت من مرحلة عرض التاريخ ونقله، إلى مرحلة التنظير الواقعي للتاريخ، وذلك من خلال تسليط الضوء على أحداث واقعية مشابهة لتاريخ معين في فترة محددة وظروف محددة، ومن ثم معالجة هذا الحاضر في ضوء أحداث الماضي، والنظر إلى المستقبل واستشرافه بالطريقة نفسها، وركّزت الرواية التاريخية في هذا التطور على عرض الأسباب والدوافع وراء الصراعات الإنسانية، وحاولت البحث عن الحلول.[١٠]
البناء الهندسي والتحليل المنطقي
ازداد الوعي الروائي حول أهمية الرواية التاريخية ودورها في التأثير في القراء، وهذا ما جعل الروائيين يهتمون أكثر بالبناء الهندسي للرواية، فلم تعد مجرد أحداث تُسرد، إنما صارت ذات حبكة لها بداية ووسط ونهاية، كما اهتمت الروايات التاريخية في هذا التحول بالتحليل المنطقي والتفسير العقلاني لكل الحوادث التي تُعرض، وهذا ما يزيد نسبة الوعي عند القارئ، ويجعله يقرأ التاريخ بعين ناقدة وفكر مبصر واعٍ.[١١]
لم تخلُ الرواية التاريخية من استخدام الرمز التاريخي الذي يكون بمثابة معادلًا موضوعيًا يمزج الماضي بالحاضر ويُحاكي عالم الواقع ويشابهه، وعندها تكون الرواية التاريخية قادرة على الحفاظ على التاريخ، والإفادة منه في تطوير الحاضر وتحقيق الآمال في المستقبل، وكل ذلك مرهون بالصدق والأمانة والموضوعية في نقل الأحداث التاريخية المهمة والبارزة في كل عصر وزمن، والقدرة -من ناحية أخرى- على الربط بينها وبين الحاضر بأسلوب إبداعي مميز.[١١]
المراجع
- ↑ "دراسات أدبية"، المنهل، اطّلع عليه بتاريخ 6/4/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح "مدخل إلى الرواية التاريخية"، رابطة أدباء الشام، اطّلع عليه بتاريخ 6/4/2021. بتصرّف.
- ↑ مريم فريحات، التجليات الملحمية في رواية الأأجيال العربية، الأردن:وزارة الثقافة، صفحة 59. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد طبيل، تحولات الرواية التاريخية في الأدب العربي، صفحة 7-8. بتصرّف.
- ↑ نضال الشمالي (2006)، الرواية والتاريخ، صفحة 211. بتصرّف.
- ^ أ ب ت عبدالرحمن ياغي، الجهود الروائية من سليم البستاني إلى نجيب محفوظ (الطبعة 1)، بيروت:درا العودة، صفحة 69. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح محمد طبيل، تحولات الرواية التاريخية في الأدب العربي، صفحة 20. بتصرّف.
- ↑ سليمة عذاوري، الرواية والتاريخ، صفحة 15-17. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد طبيل، تحولات الرواية التاريخية في الأدب العربي، صفحة 62. بتصرّف.
- ↑ محمد حسن عبدالله (2005)، الواقعية في الرواية العربية، مصر:الهيئة المصرية للكتاب، صفحة 218. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد برادة (2011)، الرواية العربية ورهان التجديد (الطبعة 1)، صفحة 41. بتصرّف.