تخريج الفروع على الأصول

كتابة:
تخريج الفروع على الأصول

تعريف علم تخريج الفروع على الأصول

إنّ علم تخريج الأصول على الفروع علم ممتد مُمَارس في تاريخنا من لدن الصحابة -رضوان لله عليهم- حتى تتابع عليه العلماء وصنف اتباع كل مذهب من المذاهب الأربعة المتبوعة كتبا تُخَرِج على أصول إمامه، فصار علماً ومنهجاً تطبيقياً، لقوله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ).[١]

وقد بينت الآية الكريمة وجود أصل يُستنبط منه الحكم ومستنبِط واستنباط وسائل، فنبهت الآية على أنّ بعض الأمة أعلم بالدين والاستنباط من غيرهم، وهذا علم جليل القدر وهو معنى كون الدين الإسلامي دين شامل كامل وخاتم، ولا بدّ من التعريف بهذا العلم الجليل.

وحتى نتعرف على معنى هذا المصطلح لا بدّ من معرفة مكوناته لغة واصطلاحاً، وذلك فيما يأتي.[٢]

  • خرج لغة: (خَرَجَ) الْخَاءُ وَالرَّاءُ وَالْجِيمُ أَصْلَانِ، فَالْأَوَّلُ: النَّفَاذُ عَنِ الشَّيْءِ وَالثَّانِي: اخْتِلَافُ لَوْنَيْنِ, والأول هو المراد هنا.
  • التخريج في اصطلاح الأصوليين والفقهاء يطلق على: رد الخلافات الفقهية إلى القواعد الأصولية.
  • الفروع لغة جمع فرع: يدل على عدة معان منها التفريق يقال: فرَّع بين القوم إذا فرق بينهم ومنها العلو ويطلق على الكثرة.
  • الفرع اصطلاحاً: أحكام الشريعة المبنية في كتب الفقه والتي لا تعلق لها بالعقائد.
  • الأصل لغة: أساس الشيء.
  • الأصل اصطلاحاً: يطلق على الدليل أو القاعدة أو الراجح وغيرها.
  • تخريج الأصول على الفروع اصطلاحاً: العلم الذي يبين القواعد الأصولية التي بنى عليها الأئمة أو أحدهم الأحكام الشرعية التي أفتوا بها في الفروع مع ربط هذه الفروع بقواعدها أو إلحاق غيرها مما لم يُفْتِ فيه الأئمة بهذه القواعد.

كيفية تخريج الفروع على الأصول

غالباً ما تكون طريقة التخريج تبعاً لمؤلف الكتاب ومذهبه، فيذكر القاعدة الأصولية ثم يذكر تطبيقات فقهية لم تكن على زمن إمامه، أو يخرّج بعض آراء إمامه على قواعد المذهب، وقد يذكر آراء المذاهب الأخرى.[٣]

أمثلة على تخريج الفروع على الأصول

ومن الأمثلة على ذلك:

  • الواو الناسقة

ذهب أَصْحَاب الشَّافِعِي -رضي الله عنه- إِلَى أن حرف الْوَاو الناسقة للتَّرْتِيب لا للجمع وهذا أصل، ومن فروعه: لو قال: سالمٌ جاءَ وغانم، فيدل على مجيء سالم دون غانم لأن الواو للترتيب وليست للجمع فلو كانت للجمع لكان المعنى أن سالم وغانم جاءا.[٤]

  • كلمة من للتَّبْعِيض

عِنْد الشَّافِعِي -رضي الله عنه- كَقَوْل الْقَائِل أكلت من الطَّعَام وَأخذت من المَال وَيُرِيد بِهِ الْبَعْض وهذا أصل، ويتفرع عليه: أَن الْمُتَيَمم يجب عَلَيْهِ نقل الصَّعِيد إِلَى الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ فلابد وأن ينْقل بعض أَجزَاء الصَّعِيد-أي التراب- الذي سيتيمم به.[٥]

  • مطلق الأمر للتكرار

ذهب الشَّافِعِي -رضي الله عنه-إِلَى أَن مُطلق الْأَمر يَقْتَضِي التّكْرَار وهذا أصل، ويتفرع عليه: أن من لم يجد الماء فعليه أن يتيمم للظهر فإذا دخل وقت العصر فعليه أن يتيمم مرة ثانية لأن الأمر في الآية يقتضي التكرار.[٦]

  • الناسي والغافل لا يدخل في التكليف

فعل النَّاسِي والغافل لَا يدْخل تَحت التَّكْلِيف عِنْد الشَّافِعِي وهذا أصل، ويتفرع عنه كَلَام النَّاسِي لَا يبطل الصَّلَاة عند الشافعية؛ لِأَن الْكَلَام إِنَّمَا كَانَ مُفْسِدا للصَّلَاة كَونه مَنْهِيّا عَنهُ وَالنَّاسِي لَيْسَ مَنْهِيّا عَنهُ لتعذر تَكْلِيفه فَلَا تفْسد الصَّلَاة.[٧]

  • الكفار محاطبون بقروع الشرائع

الْكفَّار مخاطبون بِفُرُوع الْإِسْلَام عِنْد الشَّافِعِي -رضي الله عنه-, وهذا أصل

ويتفرع عنه: أن الْمُرْتَد إِذا أسلم لزمَه قَضَاء الصَّلَوَات الْفَائِتَة فِي أَيَّام رِّدَّة وَكَذَا أَيَّام الصّيام الْفَائِت فِي أَيَّام الرِّدَّة.[٨]

كتب متخصصة في تخريج الفروع على الأصول

وقد ذكر الدكتور يعقوب الباحسين عدداً من كتب التخريج من كل مذهب نذكر منها ما يأتي:.[٩]

  • تأسيس النظر

لأبي زيد الدبوسي الحنفي المتوفي 430هـ تضمن كتابه ضوابط وقواعد تسهل حفظ الفروع وميزته كثرة الفروع الفقهية المبنية على القواعد.

  • مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول

لأبي عبد الله محمد بن أحمد المالكي التلمساني, وله منهج فريد حيث فصَّل في الأصول وترتيبها، وكان يُقْرِن تقرير المسائل الأصولية بالفروع الفقهية المختلف فيها، بناءً على الاختلاف في القواعد الأصولية، وقد أكثر من ذكر الفروع الفقهية.

  • التمهيد في تخريج الفروع على الأصول

لأبي محمد عبد الرحيم بن الحسين الأسنوي الشافعي المتوفى سنة 772هـ، رتبه على ترتيب مصادر التشريع وأكثر من الأمثلة التي من القرآن الكريم, ولم يرتبه على أبواب الفقه ولذلك فاته الكثير من القواعد والتفريعات.

  • القواعد والفوائد الأصولية

لأبي الحسن علاء الدين بن محمد البعلي الحنبلي المعروف بابن اللحام المتوفى 803هـ, وقد مزج المؤلف بين القواعد والفروع واهتم بالجانب التطبيقي كثيراً، ولكنه لم يغط كل القضايا الأصولية لكنه تناول عدداّ كبيراً منها ورتبه على طريقة الأصوليين لكون القواعد شاملة وعامة.

المراجع

  1. سورة سورة النساء، آية:83
  2. أسماء آل فاران، تخريج الفروع على الأصول من كتاب الاصطلام، صفحة 22-26. بتصرّف.
  3. روضة الناظر محمد بن قدامة المقدسي تحقيق شعبان إسماعيل، مقدمة محقق روضة الناظر، صفحة 21. بتصرّف.
  4. محمود الزنجاني، تخريج الفروع على الأصول، صفحة 53-54. بتصرّف.
  5. محمود الزنجاني، تخريج الفروع على الأصول، صفحة 71. بتصرّف.
  6. محمود الزنجاني، تخريج الفروع على الأصول، صفحة 75-77. بتصرّف.
  7. محمود الزنجاني، تخريج الفروع على الأصول، صفحة 95. بتصرّف.
  8. محمود الزنجاني، تخريج الفروع على الأصول، صفحة 98-99. بتصرّف.
  9. يعقوب الباحسين، التخريج عند الفقهاء والأصوليين دراسة نظرية تطبيقية تأصيلية، صفحة 108-166. بتصرّف.
4714 مشاهدة
للأعلى للسفل
×