تعامل الرسول مع الكفار

كتابة:
تعامل الرسول مع الكفار


دعوتهم إلى الإسلام

حرص النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على دعوة كفار قريش إلى الإسلام، ولم يكن كفرهم وعنادهم يمنعه -صلى الله عليه وسلم- من تكرار دعوتهم إلى الإسلام دعوةً مباشرةً مع توقُّع الأذى منهم، فقد دعا عشيرته خاصَّةً بعد أن نزل قوله -تعالى-: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾.[١]


وبعد أن نزلت الآية بادر -عليه الصلاة والسلام- إلى دعوتهم فقد ثبت أنَّه -صلى الله عليه وسلم-: (قامَ علَى الصَّفا، فقالَ: يا فاطِمَةُ بنْتَ مُحَمَّدٍ، يا صَفِيَّةُ بنْتَ عبدِ المُطَّلِبِ، يا بَنِي عبدِ المُطَّلِبِ، لا أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شيئًا، سَلُونِي مِن مالِي ما شِئْتُمْ).[٢]


ثمَّ أنزل الله -تعالى- قوله: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾،[٣] ومعنى اصدع أي جهر بدعوته وأعلنها للنَّاس،[٤] وكان -عليه الصلاة والسلام- يدعوهم ويتألَّم لعدم استجابتهم، فنزل قوله -تعالى-: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)،[٥] أي لعلَّ شدّة حرصك على دعوتهم وعلى إيمانهم أن تقتلك.[٦]


وقد كان -عليه الصلاة والسلام- يستخدم معهم أفضل الأساليب الدعويَّة ا لتي تحببهم في دخول الإسلام، قال -تعالى-: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾،[٧] فكان -عليه الصلاة والسلام- يدعو كفار قريش بالحكمة وبالكلمة الطيِّبة وبالصَّبر الطويل والموعظة المؤثِّرة عسى أن تؤثر دعوته بهم فيسلموا.[٨]


الصبر على أذاهم

صبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على أذى الكفار لهم، وقد كان أذى شديد لدرجة أن الله -تعالى- أرسل إليه ملك الجبال ليعذب أهل مكَّة ويطبق عليهم الجبال، حيث يقول -صلى الله عليه وسلم- أن جبريل -عليه السلام- قال له: (إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ)،[٩]


والأخشبين جبلين حول مكة،[١٠] إلَّا أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- على شدَّة ما لقي من الأذى إلَّا أنَّه صبر عليهم؛ طمعاً في هدايتهم لذا ردَّ على ملك الجبال وقال: (بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا).[١١]


وعلى الرغم من رفض قبيلة دوس للدَّعوة إلَّا أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- صبر عليهم ولم يدعو عليهم بل دعا لهم بالهداية فقال: (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بهِمْ)،[١٢] وقد كان -عليه الصلاة والسلام- مستجاب الدَّعوة وكان يرى تعذيب قريش للمسلمين فلم يدعُ على قريش بل كان يُصبِّر المسلمين ويقول: (صبرًا آل ياسرٍ، فإنَّ موعدَكم الجنةُ).[١٣]


وفاءه بالعهود معهم

لقد كانت العرب والعجم تعلم أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لا ينقض العهد ولا يغدر، كما حدث حين سأل هرقل أبا سفيان فقال: (وَسَأَلْتُكَ: هلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أنَّهُ لا يَغْدِرُ، وَكَذلكَ الرُّسُلُ لا تَغْدِرُ)،[١٤] وقد حرص النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على الوفاء بالعهود التي بينه وبين الكفار، ولم يكن إيذاء الكفار للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وللمسلمين مبرراً لأن ينقض العهود معهم.


والتزم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بعهده مع قريش في صلح الحديبية فوراً ولم يؤخِّر، فقد كان العهد مع قريش على إرجاع من أسلم منهم وأن لا يستقبله المسلمون، وما أن انتهى الاتفاق (حتى دَخَلَ أبو جَنْدَلِ بنُ سُهَيْلِ بنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ في قُيُودِهِ، حتَّى رَمَى بنَفْسِهِ بيْنَ أظْهُرِ المُسْلِمِينَ، فَقالَ سُهَيْلٌ: هذا يا مُحَمَّدُ أوَّلُ ما أُقَاضِيكَ عليه أنْ تَرُدَّهُ إلَيَّ).[١٥]


وجاء أبو جَنْدَلِ بنُ سُهَيْلِ بنِ عَمْرٍو هارباً من قريش مؤمناً بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فما كان من النبيِّ -صلى الله عيه وسلم- إلَّا أن التزم بالعهد وردَّ أبا جندل إلى قريش.[١٦]


وقد كان -عليه الصلاة والسلام- وفيَّاً لمن خدم الإسلام ولوكان من المشركين، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- في أسرى بدر: (لو كانَ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي في هَؤُلَاءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ له)،[١٧] وقد كان -عليه الصلاة والسلام- دخل في جوار المطعم بن عدي بعد أن رجع -عليه الصلاة والسلام- من الطائف.[١٨]


قتالهم عند الغدر والخيانة

لقد كان -عليه الصلاة والسلام- حريصاً على إسلام الكفار، لذا تلطَّف معهم في الكلام وفي التَّعامل، إلَّا أنَّ ذلك لا يعني تركهم في حال غدرهم وخيانتهم للمسلمين، بل كان يبادر إلى قتالهم إذا غدروا وخانوا، فقد قاتل -عليه الصلاة والسلام- بني قريظة حين غدرت العهد في غزوة الخندق، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يُصَلِّيَنَّ أحَدٌ العَصْرَ إلَّا في بَنِي قُرَيْظَةَ).[١٩]


وقاتل -صلى الله عليه وسلم- الروم في غزوة مؤته حين نقضوا المواثيق المتعلِّقة بحرمة قتل الأسرى حين قُتِلَ الصَّحابي الحارث بن عمير الأزدي على يد حاكم مؤتة،[٢٠] وقاتل -عليه الصلاة والسلام- يهود بني النضير حين غدروا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فما كان منه -صلى الله عليه وسلم- إلَّا أن حاصرهم ثمَّ أخرجهم لخيانتهم.[٢١]


العفو والصفح عنهم

اختار النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- العفو والمسامحة في تعامله مع الكفار، وقد كان -عليه الصلاة والسلام- في موطن قوَّةٍ، إلَّا أنَّه لم يستخدم قوته للانتقام ممَّن آذاه، أو للانتقام من قريش التي أخرجته، فقد دخل -عليه الصلاة والسلام- مكَّة في يوم الفتح، ومعه الآف من الجنود من الصَّحابة -رضوان الله عليهم-.


ولم يرتكب بحقِّ أهل مكَّة مذبحةً، ولم يسفك لهم دماً، بل قال لهم حين أرادوا أن يطمئنوا على أنفسهم،[٢٢] ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم؟ فلم يصادر منهم مالاً ولم يقتل منهم رجالاً ولم يعتدي على نسائهم، بل قال لهم: أقول لكم كما قال يوسف لإخوته قَالَ: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ ﴾،[٢٣] اذهبوا فأنتم الطلقاء.[٢٤]

المراجع

  1. سورة الشعراء ، آية:214
  2. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عائشة ، الصفحة أو الرقم:205، صحيح.
  3. سورة الحجر ، آية:94
  4. محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، صفحة 4115. بتصرّف.
  5. سورة الكهف ، آية:6
  6. أبو حفص النسفي، التيسير في التفسير، صفحة 254. بتصرّف.
  7. سورة النحل ، آية:125
  8. رؤوف شلبي، الدعوة الإسلامية في عهدها المكي مناهجها وغاياتها، صفحة 342. بتصرّف.
  9. رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن عائشة ، الصفحة أو الرقم:3231، صحيح.
  10. التوربشتي، الميسر في شرح مصابيح السنة، صفحة 267. بتصرّف.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة ، الصفحة أو الرقم:3231، صحيح.
  12. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:2524، صحيح.
  13. رواه الألباني ، في فقه السيرة ، عن جابر بن عبد الله ، الصفحة أو الرقم:103، حسن صحيح.
  14. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي سفيان بن حرب، الصفحة أو الرقم:1773، صحيح.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري ، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، الصفحة أو الرقم:2731، صحيح.
  16. صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 313. بتصرّف.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري ، عن جبير بن مطعم، الصفحة أو الرقم:4024، صحيح.
  18. سعيد بن وهف القحطاني، رحمة للعالمين، صفحة 228. بتصرّف.
  19. رواه البخاري، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمر ، الصفحة أو الرقم:4119، صحيح.
  20. خالد الراشد، دروس خالد الراشد، صفحة 5. بتصرّف.
  21. حسن بن محمد مشاط، إنارة الدجى في مغازي خير الورى صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 333. بتصرّف.
  22. محمد الغزالي، فقه السيرة، صفحة 383. بتصرّف.
  23. سورة يوسف، آية:92
  24. موسى بن راشد العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 63. بتصرّف.
4975 مشاهدة
للأعلى للسفل
×