حفر الخندق وتعاون الصحابة فيه
لقد كانت الأحداث التي سبقت غزوة الخندق واستعداد المسلمين لها مثالاً مشرقاً في تعاون المسلمين وتضافر جهودهم في نصرة الإسلام والدفاع عنه، حيث استقرّ رأي النبي -صلى الله عليه وسلم- على مشورة سلمان الفارسي -رضي الله عنه- بحفر الخندق حمايةً لحدود المدينة.
وقد شارك النبي -صلى الله عليه وسلم- مشاركةً فاعلة في حفر الخندق، وكذا الصحابة -رضوان الله عليهم-، وبذل كل واحدٍ منهم أفضل ما يمكنه من طاقات، وإذا استصعب عليهم الحفر استنجدوا برسول الله، وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعمل وقد غطّى التراب جلدة بطنه من كثرة الاجتهاد، وهو يقول:[١](واللَّهِ لَوْلَا الله ما اهْتَدَيْنَا، ولَا صُمْنَا ولَا صَلَّيْنَا، فأنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، وثَبِّتِ الأقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا، والمُشْرِكُونَ قدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، إذَا أرَادُوا فِتْنَةً أبيْنَا).[٢]
أبعاد الخندق ومدة الحفر
كان حفر الخندق تحدياً كبيراً أمام المسلمين من حيث الوقت المتاح وطبيعة العمل المطلوبة، ولكنّهم بتوفيق الله وتعاونهم استطاعوا إنجاز هذه المهمة الكبيرة وِفق ما هو مخطّط له، حيث استمرّت مدة الحفر ستة أيام،[٣] علماً أنّ الخندق بلغ طوله حوالي خمسة آلاف ذراعٍ، وعمقه كان يتفاوت من سبعة أذرعٍ إلى عشرة أذرع، أما عرضه فكان تسعة أذرعٍ في حدّه الأدنى،[٤]وروى بعض كتّاب السِّيَر أن طول الخندق بلغ اثني عشر ألف ذراع.[٣]
ولإنجاز هذه المهمَّة كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قسّم الصحابة الكرام إلى مجموعات عمل قوام كل وِحْدة منها عشرة رجال، بحيث تتولّى كل مجموعةٍ حفر أربعين ذراعاً بالمواصفات سابقة الذكر.[٤]
قصة غزوة الخندق
غزوة الخندق أو غزوة الأحزاب هي إحدى أهم وأكبر الغزوات التي تَواجَه المسلمون فيها مع مشركي قريش، وقد وقعت في السنة الخامسة للهجرة، حيث اجتمع فيها عشرة آلاف مشرك من قريش وغيرها بتحريض من اليهود ومشاركتهم، وتوجّهوا إلى المدينة المنورة، وكان هدفهم استئصال الإسلام من جذوره.[١]
ولما بلغت الأنباء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- استشار الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-، فأشار عليه سلمان الفارسي -رضي الله عنه- أن يحفروا خندقاً في المناطق التي يمكن الدخول منها إلى المدينة المنورة؛ لأن مواجهة القوات المهاجمة كان أمراً صعباً، وفعلاً تمّ حفر الخندق، ولم يستطع الأعداء اجتيازه.[١]
وقد حاول اليهود أن يجدوا مدخلاً من خلال مناطق بني قريظة، فتم الاتفاق بين الطرفين ونقض العهد مع المسلمين، ولكن الله -سبحانه وتعالى- هدى أحد المشركين إلى الإسلام، وهو نعيم بن مسعود -رضي الله عنه-، فعمل على تفنيد اتفاق اليهود والمشركين بخطّته الذكية، ثم بعث الله -عز وجل- ريحاً شديدة هزمت الأحزاب، وولّوا إلى ديارهم بعد شهرٍ من الحصار.[١]
المراجع
- ^ أ ب ت ث محمد الغزالي (1427)، فقه السيرة النبوية، دمشق:دار القلم، صفحة 297-311. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:6620، صحيح.
- ^ أ ب إبراهيم المدخلي (1424)، مرويات غزوة الخندق (الطبعة 1)، المدينة المنورة:عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 202. بتصرّف.
- ^ أ ب أبو الحسن الندوي (1425)، السيرة النبوية لأبي الحسن الندوي (الطبعة 12)، دمشق:دار ابن كثير، صفحة 348. بتصرّف.