حب الأم والأب
عطاؤهم لا يوازيه عطاء، وتضحياتهم تعجز الألسنة عن عدّها، خيرهم يفوق خير سنابل العالم كلها، هما الأم والأب، خير الأهل وأنقى القلوب وأصدق الناس، يحبون أولادهم وحبهم لا مثيل له، لأنه الحب الصافي الصادق، حب ينبع من القلب ليصب في القلب، فيكون عذبًا كالماء الصفصاف الرقراق يخلب الألباب ويسحر العقول، إن حب الأم والأب تنحني له القامات، وتشعر بالخجل أمامه وأمام نقائه.
تُزرع المحبة للأولاد في قلب الأم والأب من اللحظة الأولى التي يلد فيها المولود، أو حتى منذ وجوده في أحشاء الأم، تبدأ هذه العلاقة العاطفية التي حيرت العالم بغرس البذور الأولى، وتنمو ثمارها وتُسقى بماء العين ومداد القلب ونور الجوارح، ودعاء وتوسّل للأولاد ودوام سعادتهم وراحتهم، فكيف لهذه البذور من المحبة ألا تنمو وتطاول فروعها عنان السماء وقد غُرست في أنبل تربة وأرقى تراب، وهو قلب الأم والأب؟
هو الحب السرمد الأبدي لا ينتهي ولا يقل، إنما يكبر ويزداد، حب فيه عطاء وتضحية، فيه إخلاص وصدق، هو واسطة العقد في العائلة، هو الذي يجمع العائلة ويمتّن أواصراها، ويزيد من قوتها، فيكون كل ولد من الأولاد مفعمًا بالحب والعاطفة، فلا يبحث في العالم الخارجي عمّن يُشبع عنده هذه العاطفة المهمة، وأجمِل بأمّ وأب يجودان على أولادهما كل يوم بأسمى عبارات الحب والشوق والعواطف الجميلة والمدح المحبب اللطيف!
إنّ كلمة حب واحدة تخرج من بين شفتي الأب أو الأم تساوي عند الابن كلّ مفردات الحب ومرادفاتها ومعانيها المجموعة في كتب اللغة ومعاجمها، وتعدل آلافًا مؤلّفة من الكلمات الجميلة التي قد يسمعها الابن أو الابنة من أشخاص كثر غير الأم والأب، وذلك لأن هذه الكلمة تكون صادقة بعيدة عن أي غايات شخصية، وتشعر الأبناء بالطمأنينة والراحة النفسية والاستقرار العاطفي، فطوبى لمن ربّى أولاده بالحب والكلام اللطيف.
الكلمة الطيبة من وصايا الدين الإسلامي للمسلمين، والمحبة ينبغي أن يُعبّر عنها الإنسان بكلام طيب راقٍ، فما أجمل أن يكون الحب هو المعجم اللغوي والقاموس اليومي للعائلة! وعندها سيتبعه كل القيم والأخلاق النبيلة بين أفراد العائلة، مثل التسامح والعفو والتعاون والاحترام، وهذا كله بسبب الحب، والخطوة الأولى لهذا الحب تبدأ من الأهل، فعندما ينشأ الطفل منذ نعومة أظفاره على كلام فيه حب وود ولطف، لا بد أنه سيتأثر به.
عندما يكبر سيكون له الطريقة نفسها بالتعامل مع الأهل والأخوة، إضافة إلى أنه سيكون قادرًا على التمييز بين الحب الصادق الخالص من أي غايات، وبين الحب الذي يُراد منه مصالح شخصية، وذلك لأنه نشأ على حب الأم والأب، وحنان الأم والأب، وهما حب وحنان لا تشوبهما شائبة، ولا تعكر صفوهما ذرة من مصلحة أو غاية أخرى، هو فقط حب لأجل الحب والسعادة والراحة.
دور الأم والأب في حياتنا
الأهل هم الجنود المجهولون وراء نجاحات الأبناء، وهم الذين يمدّون يد الدعاء للأولاد لتكون رفيقة دروبهم في كل خطوة من خطوات الحياة، وهذا كله لأنهم يبنون كل آمالهم وطموحاتهم على فلذات أكبادهم، يفخرون بهم، يباهون بهم الكون كله، يشعرون بالسعادة لنجاحهم، يقفون إلى جانبهم في عثراتهم، يشدون من عضدهم عندما يغرقون في غياهب اليأس والخوف والتردد، يمنحونهم الثقة بأنفسهم وقدراتهم.
إنّ دور الأم والأب في حياتنا كبير عظيم، فالأب هو الذي يخرج من طلوع الشمس إلى غروبها يعمل ويكدح ويتعب ويتحمل مشاق الحياة ومصاعبها، وكله سعادة واطمئنان رغم كل تعبه، لأنه يعمل لهدف سامٍ نبيل وهو تنشئة أولاده وتأمين طعامهم الذي ستكبر به أجسادهم ويصبحون قادرين على مواجهة الحياة، يسعى ليل نهار، لا يوفر أي فرصة عمل كي يكون أولاده الأفضل، وكي يحضر لهم أفضل الطعام.
أخلِق بآباء حرموا أنفسهم أحلى ملذات الحياة وأشهى طيباتها ليضعوا طعامًا لذيذًا وشرابًا مستساغًا في فم أولادهم، ويرون بسمة تملأ وجوههم، فيشعرون كأنّ النور كله والضوء كله يشع من هذه الوجوه البريئة! وما أعظمها من أمّ تلك التي تحاول أن تعمل عملًا يساعد زوجها في تأمين حياة كريمة للأولاد، وتكون قادرة على التوفيق بين عملها وبين تربية أولادها! فوالله إنه لتُرفَع القبعة للأب والأم المعطائين.
كثيرًا ما يسعى الأب والأم أن يكون أولادهما أفضل الأولاد، وإن كانت حالتهم المادية صعبة، إلا أنهم دائمًا ما يعملون أن يقدموا لأولادهم كل ما يحتاجونه، ومن ذلك الاهتمام بملابس الأولاد، وشراء أفضل الملابس ليفتخر الأولاد بما يرتدونه، ولا يشعرون أنهم أقل من غيرهم أو أدنى مرتبة، إذ إنّه من الصعب بمكان أن يفهم الطفل الصغير أن الإنسان لا تعطيه الثياب قيمة، فالطفل يحب الملابس الجديدة التي يتباهى بها بين الأصدقاء.
هنا يأتي دور الأم والأب في التوعية بهذا الأمر، فلا بد من زرع قيم أخلاقية حول هذا الأمر، مثل الابتعاد عن الإسراف والتبذير، إضافة إلى تقدير ظروف الآخرين وعدم الغرور بما لدى الطفل، وعندها ستكون تربية الأم والأب للأولاد تربية أخلاقية تُسقى بالحب والعطاء، وما أجمله من طفل قلبه مملوء بالحب الأبويّ الصادق، وعقله منير مشرق بقيم وأخلاق ومبادئ، وحياته تسير بخطى ثابتة واثقة.
من المهم أيضًا أن يكون للأهل دور في تنزّه الأولاد والخروج معهم في أيام العطل في نزهات ورحلات ترفيهية، فهذا أولًا يشحذ الهمم، ويعيد النشاط، ثانيًا يزيد من معارف الأولاد وخبراتهم واطلاعهم على معالم الحياة الخارجية، فلا يستغربون من أي شيء يرونه في المستقبل، ويكونون قادرين على معرفة الجيد من الرديء في كل شيء، إذ إنّ الأولاد عندما يخرجون مع الأهل سيسألون الأب والأم عن كثير من الأمور، وعندها ستُبنى لديهم معارف عن الحياة الخارجية.
واجبنا نحو الأم والأب
إنّ كل ما يقدمه الأهل للأولاد هو عطاء لا يُراد منه أي مقابل، وفرحتهم الحقيقية تكون عندما يرون الأولاد قد كبروا ونشؤوا نشأة صحيحة سليمة، وصاروا شبابًا يفتخرون بهم، ويُشار إليهم بالبنان، والناس ينظرون إليهم ولسان حالهم يقول: تباركت الأيدي التي ربّت شبابًا صاعدين أمثالكم، فما أعظمها من كلمة يسمعها الأهل بعد تعب سنوات وعراك طويل الأمد مع الحياة! فهنيئًا لمن حصد ثمار تعبه في تربية أولاده، وكانت ثمارًا يانعة نضرة.
مع أنّ الأهل لا ينتظرون شيئًا مقابل عطاءاتهم للأولاد، إلا أن هذا لا يعني أنه من الممكن تناسي واجبنا تجاه الأم والأب، فمدح الأم والأب أمر مطلوب من الأولاد، وما أجمله من ابن وما أعظمها من ابنة تلك التي تفخر بوالديها في كل مكان، وتقول اسمهما ورأسها مرفوع شامخ، تمدح عملها وتعترف بفضلهما، وتدعو لهما بالرحمة والمغفرة وأن يكونا في جنة العليين على جهدهما وتعبهما وتربيتهما.
من الجميل أيضًا أن يتذكّر الأولاد أهلهم ببعض الطعام المفضل الذي يحبونه ويفاجئونهم به، فكم هي لفتة جميلة تفرح قلب الأم والأب وتزرع السعادة في حياتهما عندما يصل إليهم إحساس أن الأولاد يفكرون بهم وبما يحبونه، ولا يمكن للأولاد نسيان تعب الأهل والجهد الذي بذلوه ليحضروا لهم أطايب الطعام كل يوم، فلا يقصّرَن ابن في تقديم طعام لذيذ لأبويه بين الحين والآخر.
يومًا ما سيكبر الأولاد ويصل الأم والأب إلى مرحلة الشيخوخة وهنا يأتي دور الأولاد لتأدية بعض الذي عليهم، فكم هو جميل أن يخرج الأولاد مع الأم والأب في نزهة يستعيدون فيها ذكرياتهم وهم أطفال، ويتذكرون كيف كان الأب يحملهم على ظهره ليلعبوا ويضحكوا ويتحمل أي ألم مقابل أن يرى ابتسامتهم، ويتذكرون تضحيات الأم وصبرها وسهرها على راحتهم، فهذا كفيل أن يُعيد الحياة برونق جميل للأب والأم.
من واجبنا تجاه الأب والأم أيضًا أن نكون ذاكرين لفضلهم دائمًا، ولا يظنَّنَّ ابن أو ابنة أنّ ما وصلوا إليه من نجاح وتفوق وتميز ومرتبة عالية كان بفضل ذكائهما وعقلهما الراجح، بل هو بفضل الله أولًا، وبدعاء الوالدَين وتربيتهما وغرسهما البذور النقية الصافية في عقول أولادهم، فلا يمكن أن ينسى الإنسان فضل الوالدين، ويعزو كل نجاحاته في حياته إلى نفسه وصبره وتميزه.
كل ما يحتاجه الأهل بعد أن يكبر الأولاد أن يسمعوا كلمة طيبة، أن يستمر الأولاد بالاطمئنان عن أهلهم، أن يتفقدوا أحوالهم، ويهتموا لمرضهم وتعبهم، ويشعروا بحزنهم، ويحاولون التخفيف عنهم بأخذهم في نزهات، وتفقد أوضاعهم الصحية باستمرار، وأن يضعوا لقمة سائغة في فمهم، هذه اللقمة من يد الابن وإن كانت علقمًا سيشعر بها الأب والأم كأنها المن والسلوى، لأنها من ابنهم فلذة كبدهم.
لقراءة المزيد، انظر هنا: عبارات عن الأم والأب.