التخطيط للمستقبل
يمرُّ الإنسان في حياته بالعديد من المراحل السنية التي يتميّز كلّ منها بمجموعة من الخصائص المختلفة، ويبدأ الإنسان حياته من مرحلة الطفولة التي يكون فيها معتمدًا على أبويه بشكل كامل في تأمين متطلبات الحياة من مأكل ومسكن ومشرب، ثم يبدأ بالنضج تدريجيًا مع بداية تشكيل الوعي والإدراك ليكون قادرًا على التفكير والكلام والتجاوب مع البيئة التي يعيش فيها وإبداء ردّات فعل مختلفة إزاء ما يتعرض له من مواقف في حياته اليومية، وبعد ذلك يصبح لديه القدرة على الاعتماد على نفسه ولو جزئيًا، بالإضافة إلى مساعدة أبويه في تدبير بعض الشؤون المنزلية وقضاء الحاجيّات، كما يصبح لديه نظرة نحو المستقبل من خلال ما يرى في البيئة التي تحيط به من أشخاص ذوي مناصب أو درجات علمية أو مهن وصلوا إلى كل ذلك عن طريق البذل والتضحية والاجتهاد والعمل الدؤوب.
وفي الوقت ذاته يسعى الآباء إلى رسم المستقبل المشرق للأبناء من خلال وضعهم على الطريق الصحيح الذي يؤهلهم إلى تحقيق الذات، ومن أهمّ ما يساعد الآباء على تخطيط مستقبل الأبناء التفوق في التحصيل الأكاديمي، حيث يسعون إلى بذل الغالي والنفيس في سبيل وصول الأبناء إلى أعلى درجات الدراسة الأكاديمية التي تجعلهم مؤهلين للالتحاق بالبيئة المهنية بناءً على التخصصات الأكاديمية التي يدرسونها، ويكون ذلك بتجاوز مرحلة التعليم الأساسي فالمتوسط فالثانوي ليصلوا بعد ذلك إلى مرحلة التعليم المتخصص في الجامعات والكليات والمعاهد العلمية.
ولا بد أن يكون الأبناء جزءًا من منظومةِ التخطيط لمستقبلهم، فلا يصحّ أن تكون عملية التخطيط لمستقبل الأبناء مقتصرة على الآباء وحدهم؛ لأن ذلك يجعل الأبناء على الهامش في عملية صناعة المستقبل الخاص بهم، فقد يكون لهم مواهبهم الخاصة وتوجهاتهم الأكاديمية أو المهنية التي قد لا تتفق مع توجهات الأبوين، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أنْ يسعى بعض الآباء إلى توريث بعض المهن أو الحرف اليدوية إلى أبنائهم، والتي عُرفت بها العائلة جيلًا بعد الجيل، وهذا الأمر قد يتعارضُ مع أحلام الطفولة التي يرسمها الأبناء لأنفسهم، والتي فيها قد تتفجر طاقاتهم الإبداعية، ويُحدثون التغيير في واقعهم الشخصي والأسري والاجتماعي.
ويجبُ أن يكون التخطيط لمستقبل الإنسان مرنًا، فقد تتوافر مجموعة العوامل التي تؤدّي إلى عدم تحقيق بعض ما يسعى الإنسان إليه، وهنا يجب أن يجدَ الإنسان لنفسه طريقًا أخرى يبحث فيها عن ذاته، كما يجب عليه أن يكون غير محدود الطموح، فكلّما حقّق الإنسان إنجازًا محددًا سعى إلى الوصول إلى ما هو أفضل من ذلك، فالتخطيط لمستقبل الإنسان يجب أن يتخذ منحىً تصاعديًا، فالإنسان الطموح لا يعرف المستحيل، والمستقبل المشرق يلزمه الكثير من التخطيط والبذل والتضحية.