التسوق
تقترب أيَّام العيد شيئًا فشيئًا والجميع يشترك في طقوس العيد مهما امتدّت المساحات ولو كانت ما بين شرق الأرض وغربها، وكانت عائلة رائد من بين تلك العوائل التي تهتم بطقوس العيد كاملة، ومن تلك الطقوس هو شراء ملابس جديدة للعائلة بأكملها؛ لأنَّ العيد هو احتفال لا بدَّ للإنسان من أن يتأنّق فيه أشدّ الأناقة ويلبس كلّ ما هو جديد وجميل، كانت العائلة تجلس على العشاء فقد أعدت الأم الطعام والحلوى وجلس الجميع حول المائدة وبدؤوا بتناول الطعام.
ابتدأت أم رائد الحديث وقالت له: يا أبا رائد العيد بعد أيَّام قليلة ولا بدَّ لنا من شراء الملابس، وافق الوالد من فوره واقترح أن تذهب أم رائد مع رائد وأخته الكبرى "زينة" في الغد مساءً إلى سوق المدينة الكبير، فهذه الأيَّام هي أيَّام أعياد ومن المؤكد أنَّ السوق لن يغلق أبوابه فيه حتى ساعة متأخرة من الليل، وبدأ رائد بتحضير نفسه من أجل الذهاب مع والدته وأخته إلى السوق، وفي اليوم التالي تمَّ الأمر وذهب كل من رائد وزينة ووالدتهم إلى السوق، بدأت الأم مع زينة بالتسوّق من أجل شراء ثياب لها، وكانت زينة مرحة النفس طيبةً تسمع كلام والدتها ولا تعصي لها أيّ أمر أو طلب.
كانت الوالدة تحرص على أن تأخذ رأي زينة في جميع مُشترياتها، وفي نهاية الأمر اشترت لها قميصًا أبيضَ مُزركشًا باللّون الورديّ مع شريطة من ذات لون وردي، واشترت لها عليهما بنطالًا من الجينز الأزرق وحذاءً وردي اللون، وحان الآن دور رائد في أن تتسوق له والدته شيئًا من الثياب التي يريد، كان رائد يتخيل شكلًا للثياب التي يريد أن يشتريها ومن المحال أن يقبل بغيرها، وبدأت الوالدة بالبحث عمَّا يريده رائد من الثياب والتنقُّل ما بين المتاجر باحثة عن التصميم الذي يرسمه في مخيلته، ولكنَّ شيئًا من تلك الثياب لم يكن ليعجبه أو يروقه.
وقف رائد في منتصف السوق وبدأ بالصراخ والبكاء والعويل وهو يأبى أن يشتري أي شيء من الثياب التي يجدها في المتاجر، مع أنَّ والدته قد عرضت عليه الكثير من التصميمات التي ما زالت حديثة ويتهافت عليها الأولاد من كل مكان، وبدأتْ بالتفكير في حل لتلك المشكلة العويضة، وما كان من الأم إلا أن تتصل بوالد رائد حتى يأتي إلى السوق علَّه يجد حلًّا مع ابنه، فقد بدأ الناس بالتجمّع حول أم رائد والنظر في مشكلتهم ومحاولة إثناء رائد عن رأيه الذي اتخذه في سبيل إراحة والدته وأخته من العناء الذي يشعرون فيه بعد وقت طويل من التسوق، وها هو الوالد يأتي عله يستطيع أن يجد حلًّا لهذه المعضلة العويصة.
آداب التسوق
أتى الأب بعد وقتٍ طويل من الجدال والمشكلة العويصة التي لم تحل بعد، ونزل الوالد على ركبته وقال له: بُنيّ رائد لقد أوقعت نفسك في مشكلة وعرضت والدتك وأختك إلى موقف محرج في السوق، فهيَّا معي حتى نعيد التسوق مرة أخرى وترى إن كان هناك ما يناسبك وإن لم تجد ما يناسبك فسترجع إلى المنزل دون شراء ملابس جديدة، ونظر إلى رائد نظرة حزم وأخذه من يديه وأوقفه بعد أن كان قد افترش الأرض وجلس عليها.
بينما كان يسير الوالد مُمسكًا بيد رائد استوقفهم بائع مشروبات مثلجة فأصرّ رائد على شراء الشراب وأن يشربه وهو يقوم بجولة التسوق، وافق الوالد على مضض ورضخ لطلب رائد مع أنَّ ذلك ليس من آداب السوق، ولكن قال في نفسه في البيت سأعلّمه معنى الأدب فالطريق ليس مناسبًا لمثل ذلك، واشترى رائد المشروب المثلج الأحمر وأكمل جولته مع والدته ووالده وزينة، ودخلوا إلى أحد المتاجر حتى يعرض عليهم بضاعتهم ويرى رائد ما المناسب منها.
بينما كان يعرض البائع أحد البناطيل على رائد انزلق الكأس من يد رائد على البنطال وحلَّت المصيبة غير المتوقعة، وتبلل البنطال بالشراب الأحمر الذي بدأ يتساقط من البنطال على شكل قطرات ملونة ما بين الأحمر والتوتي الذي هو لون البنطال من أصله، هبَّ البائع على البنطال راكضًا وبدأ يلطم نفسه ولكنَّ والد رائد تدارك الموقف وقال له: مهلًا مهلًا سأعوضك عنه فلا تقلق يا سيدي، وسأل الوالد البائع عن سعره فقال له إنه يبلغ عشرة دنانير، فأخرج الوالد المال من جيبه وأعطاه للبائع وأمسك بيد رائد وجره عه خارجًا من المتجر.
خرج والد رائد من المتجر والغضب ينبعث من عينيه، ولكنَّ ذلك الوالد لم يكن ليعميه الغضب فهو الذي تخصّص بدرسة الطب النفسي للأطفال، ويعلم كيف يجب أن يُعامل ابنه في اللحظات الحرجة، وقال له: رائد!، فارتعد رائد لأنّه يعلم حجم المُصيبة التي فعلها والأخطاء التي ارتكبها، تابع الأب: إنَّ ثمن البنطال ستدفعه من مصروفك اليومي، أنت تأخذ كل يوم نصف دينار وذلك سيُكلفك عشرين يومًا ستكون محرومًا من المصروف، وذلك لأنّك لم تلتزم بآداب التسوق يا رائد، رفع رائد بصره وهو يكسر نظره بين الحين والآخر ويقول لوالده: ما هي آداب التسوق يا أبي؟
قال له الوالد: من آداب التسوق يا بنيّ ألّا تحمل في يديك طعامًا ولا شرابًا وألَّا تدخل إلى المحال التجارية وأنت تأكل أو تشرب، التفت رائد إلى أبيه وقال له: وماذا بعد؟ تنفَّس الوالد الصعداء وقال له: كذلك يا بنيّ فإنَّه لا يصحّ أن تدافع النَّاس في أثناء سيرك بل يجب عليك أن تمشي الهوينا فلا تكون مسرعًا بحيث تدافع النَّاس من حولك، ولا تكن بطيئًا يستعجلك النَّاس من خلفك، ومن المهم يا ولدي أن تكون طيِّب النفس والمعشر فلو طرقت بأحدهم عن طريق الخطأ فيجدر بك يا صغيري أن تعتذر إليه وتقدم له عبارات الأسف على صنيعتك.
كذلك فإنَّه لا بدَّ لك من الابتعاد عن الأواني الزجاجيّة القابلة الكسر، ولا تمد يديك إلى الملابس أو الأشياء أو الأمور التي تراها؛ لأنّ ذلك من شأنه إفساد البضاعة بشكل كامل، كذلك فإنّ فعلك الذي ارتكبته في بداية الأمر عندما صرت تبكي فإنه فعل خطأ، إذ يجب على الإنسان ألا يُحدث الضوضاء في السوق وألَّا يتكلم بصوت عالٍ يزعج الآخرين ومن حولك، ولو أنَّه ترتب عليك الوقوف في دورٍ طويل فيجب عليك ألَّا تحاول تعكير صفو الدور، بل يجب عليك أن تلتزم كل الالتزام في مكانك وأن لا تضايق أحدًا ممن حولك.
من آداب التسوق يا بني أن تحرص على مظهرك الجميل والأنيق واللائق أيضًا، فلا تعمد إلى تزيين نفسك بكثير من الإكسسورات والبهرجات، آداب االتسوق يا بُنيّ هي بمثابة الخطوط الحمراء التي يجب علينا جميعًا ألّا نتخطّاها حتى نأنس بحريّتنا وننعم بالتّعامل مع الآخرين بكلّ ود ومحبة، فعندما تحفظ نفسك عن تلك الخطوط يحفظ الناس أنفسهم عنا وتخف المُضايقات في الأماكن العامة، استطاع رائد بعقله الصغير أن يتفهّم قليلًا تلك المعاني الكبيرة التي تحدّث والده عنها قبل قليل، وفهم لماذا كان والده غير راضٍ عن شرائه المشروبات الملونة في السوق.
أهمية التسوق
نظر رائد إلى والده وقال له: يا أبت ولكن لديّ سؤال لو أجبتني عنه لأرحت قلبي وفؤادي فهلََّا تكرمت عليّ بالإجابة، سُرَّ والد رائد بطريقة السؤال المُؤدّبة التي قدّمها رائد قبل أن يتكلم، وقال له على الرحب والسعة يا بُنيّ، فقال له رائد: ما أهمية التسوق يا أبت؟، ولماذا يخرج الكثير من الناس إلى السوق؟
ابتسم الوالد من سؤال رائد العفوي حتى بانت نواجذه وقال له: التسوق يا بُنيّ يمنح النفس شعورًا لطيفًا، فالنفس يا بُني تمل من كثرة الروتين بل هي تحب التجديد والخروج إلى السوق، ومحاولة اختيار حاجيات المرء بنفسه تبعث في النفس نشاطًا وهدوءًا غير معهودين، عدا عن أنّه في التسوق يا ولدي يستطيع المرء أن يؤمن جميع حاجياته بنفسه فلا يسأل أحدًا ما يريد، وقد تطورت أشكال التسوق يا رائد، اندهش رائد من كلام أبيه وقال له: كيف تطورت يا أبي؟
قال الوالد: لم يعد كلّ الناس يخرجون بأنفسهم إلى السوق، فهناك من يوصي على ما يريد ويذهب رجل يسمّى صاحب الخدمة السريعة فيأتي لهم بجميع الأشياء التي أوصوا عليها، وهناك مَن يشتري من على الإنترنت، فالكثير من المتاجر في هذا العصر الحالي لديها ميزة أن تعرض ما لديها على صفحات التواصل الاجتماعي، فيختار النَّاس ما يريدون ومن ثم يشحنون لهم جميع الأشياء إلى المكان المطلوب، اندهش رائد وأُعجب كثيرًا بكلام والده وعزم على العمل في السوق حينما يكبر، وأن يعمل على تعليم الناس ومن حوله آداب التسوق فلا يتجاوزوا تلك الخطوط الحمراء أبدًا.