تعبير عن التسول

كتابة:
تعبير عن التسول

برأيك، ما هي أسباب ظاهرة التسول؟

التّسول من الوحوش الفتّاكة التي لا ترحم فريستها صغيرةً كانت أم كبيرة ضعيفة كانت أم قويّة، بل هو من الأمراض المستشرية التي ما إن تنتشر في أحد المجتمعات حتّى تحوِّله لجسدٍ هرمٍ تنهش فيه الأمراض والآلام، هو ذاك المرض الذي لم يُكتشف له عقار يحدُّ من سطوته وأعراضه التي يرزخ كثيرٌ من المجتمعات تحت سطوته.


إنّ للتّسول العديد من الأسباب التي كانت وراء قوّة جذوته واستشراء نيرانه، ولكن قبل الحديث عن أسباب ظاهرة التّسول لا بدّ من إزالة الغموض عن مفهوم التّسول، وهو أن يطلب الإنسان مالًا ومساعدات إنسانية بشكلٍ مستمرٍّ دون أدنى خجل أو حياءٍ يردعه عن هذا الفعل، وهذا الخلق من الأخلاق المذمومة عند الله وعند عبيده، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيمن يطلب مالًا أو يسأل النّاس حاجته متسوِّلًا إياهم: "ما يَزالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حتَّى يَأْتِيَ يَومَ القِيامَةِ وليسَ في وجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ".[١]


تتمثّل تلك الأسباب القابعة وراء ظاهرة التّسول بالكسل والتّواكل المزروع داخل النّفس الضّعيفة، فمن اعتاد سؤال النّاس حاجاته وهو لا يبذل أدنى جهدٍ في سبيل تحصيلها، سيجد مع مرور الزّمن أنّ هذا الأمر سهل ولا يكلفه إلا بضع كلماتٍ يستدرُّ بها عطف النّاس، إضافة إلى فيضٍ من الدّعوات التي يمطر بها من يعطيه شيئًا، ولكنّه من منظور ثانٍ يكون قد قضى على إنسانيته وكرامته التي ميّزه الله به.


قد يكون التّسول في كثير من الأحيان بسبب الاقتصاد المتردي للبلد الذي يقطنه المتسوِّل، وما ذلك إلّا بسبب حالات من الحروب التي مرّت بها تلك الدّول، أو أنّ فئةً من النّاس قد استحوذت على مساعدات كانت من حقِّ هذا الشّعب المكلوم، فما وجد عندها ذاك الفقير طريقًا يحقق فيه حاجاته ويطلب فيه رزقه إلّا التّسول، أو قد يكون المتسول قد أصابته إعاقةٌ فذهبت ببعض أجزاء بدنه مع قوته، فوجد عندها هذه الإعاقة عونًا ومنّةً من الله تعالى ليطرق باب التّسول متحجِّجًا بمرضه الذي أقعده، على الرُّغم من أنّه طريقٌ خاطئٌ لا مبرر له.


من أسباب التّسول التي تعدُّ من أخطر الأسباب هي سوء الثّقافة التي يتربّى عليها الأجيال، فترى الجيل وقد نمى على مسميات الذُّل والهوان، وسفح ماء الوجه كقربانٍ أمام ضريح المال في سبيل بضع وريقات يأخذها من هذا أو ذاك، وبهذا نكون قد أشرنا بالبنان إلى ظاهرة التّسول مع تحديد أسبابها التي تكمن وراء سطوتها.


ما هي آثار ظاهرة التسول؟

التّسول هو أن تطلب ما في أيدي النّاس كي يؤمنوا لك احتياجاتك الأساسيّة، ولكن هناك سؤال يطرح نفسه، ألهذه الظاهرة من آثار تتركها خلفها، نعم إنّ كل صفة وعادة في المجتمع والحياة سواء أكانت سلبيّة أم إيجابيّة سيكون لها آثار وظواهر يكابدها هذا المجتمع وأفراده، ومن تلك العادات والظّواهر هي ظاهرة التّسول، وما تجره على المجتمع من ويلات سيعاني منها بين أقرانه من المجتمعات ليشعر بعدها بالخزي والعار، وينتقل بتصنيفه إلى بلدان العالم الثّالث، فالأفراد المتسولون الاتكاليّون سيقعدون مجتمعاتهم عن التّطور والحضارة واللحاق بركب الدّول المتقدمة، ليس هذا فحسب بل سيكونون عالةً على مجتمعهم لكونهم أشخاصًا اتكاليين ما اعتادوا تقديم شيء لمجتمعهم، كما أنّ التّسول غالبًا ما يكون سببًا في الانحراف الأخلاقي للمتسوِّل فيهرب من واقع حياته، أو من الذُل الذي يعيشه بتعاطي بعض الحبوب المخدرة، علّها تنسيه بعضًا من آلامه.


لا يخفى على أحد أن نسبةً كبيرةً ممن يمتهن هذه المهنة هم من الأطفال الذين تركوا مقاعد الدّراسة، فإحدى تلك الآثار الخطيرة إذًا هي التّسرب الدِّراسيِّ، وبهذا سيصبح المجتمع يقوده جيل متخلف لا يفقه من الحياة شيئًا غير الجلوس على قارعة الطُّرقات يتكففون النّاس حاجاتهم وأشيائهم، وقد تقود هذه الظّاهرة إلى جرائم خطيرة لم تكن في الحسبان، فكم سمعنا عن متسوِّل أو متسولة دخلت إحدى البيوت من أجل بعض لقيماتٍ من الطّعام، أو قطع ثياب تستر بها نفسها كما تزعم، وما هي إلّا دقائق حتّى يخرج ذاك المتسول وقد قضى على صاحبة المنزل وقتلها بغية سرقة بعض الأموال أو مصاغٍ ذهبيّةٍ كانت ترتديها تلك المرآة آمنة مطمئنة في بيتها.


إنّ التّسول من الظواهر السّلبيّة التي تترك أثرًا سلبيًّا في عيون الزُّوار أو السُّياح إلى مدينةٍ أو موقعٍ ما، فترى المتسولين يكثرون في زمن الأعياد والمناسبات الدّينيّة وكأنّها موسم عمل لهم، وبهذا يتركون طابعًا سيئًا عند بلدهم في عيون البلدان الأخرى، كما أنّه من آثارها اضطهاد الأطفال والطُّفولة وانتهاك حقوقهم؛ وذلك من خلال حثِّهم على هذا العمل أو ببيع بعض قطع الشُّوكولا والذي يعدُّ بابًا مباحًا من أبواب التّسول ولكن بحجة العمل، إلى جانب احتمال إصابة هذا الطِّفل بالأمراض المزمنة كمرض السِّل والرّبو؛ وذلك نتيجة تعرضه للأجواء القذرة والالتصاق بمصادر القاذورات، هذا ولن نتحدّث عن نفسيّة هذا الطّفل التي أصبحت مهشّمة أكثر من لوحٍ زجاجيّ حطّمته الصُّخور الثّقيلة، فكم من رجلٍ عنّفه وضربه وآخر شتمه.


هل سنبقى صامتين بعد الحديث عن هذه الظّاهرة الخبيثة؟، يجب على كلِّ شخص غيور على مجتمعه أن يقف سدًا منيعًا في وجه انتشار ها كي نخلّص المجتمع والفرد من هذه الآثار الخطيرة التي تحدّثنا عنها.


لقراءة المزيد، انظر هنا: آثار التسول.


هل التسول فعل حاجة أم ابتزاز؟

كثيرًا ما يقع المارّة في الطُّرقات بشباك الارتياب والشكّ عندما يرون متسولًا على قارعة الطّريق، أتراه ذو حاجةٍ فيعطوه بعض المال الذي لا يؤثر على ما معهم من الأموال ولكنّه يسدُّ حاجة هذا المتسول، أم هو أحد أغنياء المجتمع لكنّه قد ارتدى ثوب المتسوّل لأنّه وجدها تجارة مربحة، وهنا لا بدّ من التّنبيه إلى أنّ التّسول لا يكون فعلًا مبنيًّا على الحاجة؛ وذلك لأنّ الإسلام قد حرص على صون كرامة الإنسان وإبعاده عن مصاف الذُّل والهوان، والتّسول هو طريقٌ واسعٌ فيه كلُّ أشكال الذُّل والهوان وإهدار الكرامة الإنسانيّة.


مهما كان الإنسان بحاجة ماسة فلاغ يجب أن يكون عالة على أحد وعليه أن يعمل ويأكل من كدِّ يمينه، كما وجه النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- الرّجل عندما جاءه يطلب منه المعونة سائلًا إياه بعض المال يسد به رمقه ورمق عائلته، فدلّه -عليه الصلاة والسّلام- على صنعة قطع الأخشاب والأكل من عائدها، ومن ثمّ قال -عليه الصّلاة والسّلام- في النّهي عن طلب النّاس واستطعامهم فقال: "لَأَنْ يَحْتَطِبَ أحَدُكُمْ حُزْمَةً علَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ له مِن أنْ يَسْأَلَ أحَدًا، فيُعْطِيَهُ أوْ يَمْنَعَهُ"،[٢] هذا إن دلّ على شيء فهو يدل على أنّه لا يباح لشخصٍ قادرٍ على العمل أو عنده من يعيله أن يمدّ يده ويتسول.


إن هذا العمل -وهو التسول- ما هو إلا محض ابتزاز واستدرار للرحمة والعطف التي أودعهما الله سبحانه وتعالى في قلب الإنسان، وذلك عن طريق ذرف بعض الدُّموع والإلحاح في الطّلب والمسألة من أجل أن يرموا له بعض الأوراق النّقدية، والتي ستخرجه من مضمار الكرامة البشريّة، وستنتهي به ليقف في طابور أولئك الأشخاص الذين رموا بكرامتهم في أوّل مكب نفاياتٍ، كما أنّ هذه الظّاهرة لا يمكن أن تكون عن حاجة مهما كان وضه الإنسان، وذلك لأنّها ستجرُّ ذاك السّائل في كثيرٍ من الأحيان إلى الإقدام على الحلف بالذّات الإلهيّة بطريقةٍ كاذبةٍ ومهينةٍ لإثبات فقره وعوزه، وبهذا من يتكسّب بهذا العمل لا يمكن أن يُقال عنه أنّه لحاجة مهما بلغت حاجته؛ وذلك لوجود الكثير من الطُّرق الشّريفة من أجل كسب المال.


كيف نكافح ظاهرة التسول؟

التّسول هو من أبشع العادات السّلبيّة التي تسود المجتمع والتي تظهره بمظهر الذّل بين بقية المجتمعات، ويجب أن تُكافح هذه الظّاهرة بشكلٍ سريع وبكل ما أتيت الدّولة من مقدرات، ففي حال أردنا مكافحة هذه الظّاهرة والقضاء عليها، يجب التّوجه في أوّل الأمر إلى رأس هذا الوباء قبل أن نبدأ بمعالجة ظواهره وآثاره، بل يجب أن نذهب إلى المنشأ وهي تلك الأسرة المتفككة، فسبب نشوء هذه الثّقافة الفاسدة وانتشارها بين الأفراد هو غياب الجمعيات والمؤسسات الاجتماعيّة التي كان يجب عليها أن تعتني بالأسرة وتقدم لهم المحاضرات العلميّة والخلقية من أجل توعيتهم حول آثار تلك العادات السّلبية عليهم وعلى المجتمع في آنٍ واحد كظاهرة التّسول.


يجب على الدّولة أن تجنّد وسائل إعلامها من صحافة ومذياع ووسائل التّواصل الاجتماعي الآن من أجل التّشهير بهذه الصّفة السّيئة وإلقاء الضّوء على نتائجها، ويجب توعية المواطنين بأن كل من يعطي المتسوِّل شيئًا فسيكون هو سبب دعم هذه الظّاهرة الخبيثة في المجتمع، ويمكن نشر القصص التي تخدم هذا المضمار كقصة الرّجل اليهوديِّ الذي وجد طفلًا عربيًّا يتسوّل فأعطاه المال وأصبح كلّ يومٍ يغدق عليه العطاء، وعندما رأى طفلًا يهوديًّا يتسوّل ضربه بالعصا ونهاه عن هذا العمل، وحينما عاتبه صديقه عن هذا التّصرف وعن سبب إكرامه للعربي، فقال له بأنّه يريد أن يبني جيلًا عربيًّا اتكاليًّا مهزوز الشّخصية ولا يملك الكرامة في حين لا يرضى هذا لجيلهم اليهودي.


لا يخفى على أحد الدّور الرئيس للأغنياء في بزوغ هذه الظّاهرة المرعبة بين طبقات المجتمع وأفراده، فعندما منع الأغنياءُ الفقراء حقّ الله في أموالهم من الزّكاة أو الصّدقة، فعلى الدّولة أن تعمل على دعوة الأغنياء من أجل إخراج زكاة أموالهم وتوزيعها على الفقراء توزيعًا عادلًا، إضافة إلى إنزال العقاب الشّديد بكلِّ من تسوِّل له نفسه اتّخاذ التّسول مهنةً له من غير أن يبذل أي جهد، ولكن إلى جانب ذلك يجب توفير فرص العمل التي يستطيع من خلالها الفقير أن يؤمن حاجيّاته الضّروريّة، وتوفير مقاعد الدّراسة للأطفال من أجل تنشئتهم تنشئةً سويّةً لرفع المستوى الاجتماعي والثّقافي للمجتمع.


أخيرًا، هناك العجزة الذين لا يجدون مأوىً ولا مسكنًا لهم فهؤلاء على الدّولة أن تهيء لهم مراكز صحيّة لرعايتهم والوقوف على أمرهم كي لا يضطروا إلى اللجوء لحضن التّسول، إلى جانب ذلك الاهتمام بارتفاع أسعار الأغذية وهذا الغلاء المعيشي الكبير، والذي كان سببًا كبيرًا من أسباب انتشار هذه الظّاهرة، وفي حال استطاعت الدّولة أن تحقق هذا الأمور فستنشأ مجتمعًا صالحًا بعيدًا عن ذلِّ السؤال وخاليًا من تلك الأمراض النّفسيّة التي يسببها التّسول.


لقراءة المزيد، انظر هنا: تقرير عن ظااهرة التسول.


المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1040، حديث صحيح.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2074، حديث صحيح.
2683 مشاهدة
للأعلى للسفل
×