التفاؤل سمة المؤمن
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ*[١] قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}،[٢] التفاؤل من سمات المؤمن التي تجعله يعيش خالي البال، فلا هم ولا حزن؛ لأنّ قلبه متفائل بأن الله سيقدّر له الخير.
وتظهر الآيات السابقة الموقف العصيب الذي مرَّّ به سيدنا موسى عليه السلام وقومه عندما تبعهم فرعون بجنوده، فالبحر من أمام سيدنا موسى عليه السلام وقومه، والعدو من خلفهم، فتسلل اليأس إلى قلوب القوم، ولكن سيدنا موسى عليه السلام ظل قلبه مطمئنًا متفائلًا واثقًا بمدد الله له ولقومه.
وورد في وصف شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنّه كان صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يُعجبُهُ الفَألُ الحسَنُ ويَكْرَهُ الطِّيرةَ، وكما نعلم فقد كان عليه الصلاة والسلام يتعرض للأذى ويحزن كما نحزن، ولكنه لم يتشاءم ولم يقنط، بل كان دائم التفاؤل، وهذا توجيهٌ لأمته بأن تأخذ بنهج التفاؤل في حياتها.
وهذا ما يجب أن يكون عليه قلب كل مؤمن في سرائه وضرائه، فالتشاؤم واليأس لا يفيدان ولا يخرجان من مأزق، وإنما يزيدان القلب همًّا وكمدًا، أما التفاؤل فيزرع حُسن الظن بالله، فالتفاؤل استعداد نفسيّ يهيّئ لرؤية جانب الخير في الأشياء، ويدعو إلى الاطمئنان في الحياة، ويساعد على تحمُّل مصاعبها.
التفاؤل: آثار طيبة
يبعث التفاؤل في نفس الإنسان الطمأنينة والسعادة، كما أنه يجعله مرتاحًا، ويقوي فيه العزيمة، فعندما يدخل التشاؤم من بابٍ ما إلى النفس الإنسانية فإنه ينزع منها أمنها وراحتها، ويجعلها متزعزعة قلقة، فيكون المرء دائم التوتر والخوف، وهذا يؤدي به إلى أمراض لا حصر لها.
يقول الدكتور مصطفى محمود رحمه الله في كتابه (في الحب والحياة): اليأس يؤدي إلى انخفاض الكورتيزون في الدم، والغضب يؤدي إلى ارتفاع الأدرينالين والثيروكسين في الدم بنسب كبيرة، وإذا استسلم الإنسان لزوابع الغضب، والقلق، والأرق، واليأس، أصبح فريسة سهلة لقرحة المعدة، والسكر، وتقلص القولون، وأمراض الغدة الدرقية، و الذبحة الصدرية، وهي أمراض لا علاج لها إلا المحبة، والتفاؤل، والتسامح، وطيبة القلب.
وبهذا يكون التفاؤل دواء تُعالج فيه النفس والجسد، كما يجعل التفاؤل المرء محبوبًا، فالقلب يطمئن برفقة الإنسان المتفائل الذي ينظر إلى الحياة نظرة إيجابية، كما أنّ الحياة تهون في نظر الإنسان المتفائل؛ لأنّ تفكيره سيكون منصبًا في إطار العمل، والبحث في البدائل والوسائل المتاحة له لتحقيق ما يصبو له.
نمط حياة مليء بالتفاؤل
يمكن للمرء الذي يريد أن يعيش حياته دون حزن وعدم رضا أن يعزز في نفسه شعور التفاؤل، ويمكنه أن يجعل حياته مليئة بهذا الشعور باتباع عدة نصائح نستطيع أن نقدمها له في هذا السياق، منها ما يأتي:
- تذكر دائمًا عبارت التفاؤل، والإنجاز، والقدرة على تحقيق الإنجاز، وعزز نفسك بها دائمًا.
- عندما تشعر بالإحباط والحزن تذكر إنجازاتك السابقة، وما فعلته في حياتك من مواقف إيجابية.
- احتفِ بإنجازاتك كلها، ولا تستصغر منها شيئًا.
- لا تخالط المتشائمين فينقلوا لك عدوى التشاؤم وعدم الرضا.
- عليك ألا تجلد ذاتك وتحملها فوق طاقتها، بل تعامل مع حياتك بتعقل وتفاؤل، وحاول إيجاد المزيد من الحلول بدلًا من جلد الذات.
- دوِّن عبارات عن التفاؤل وضعها في الأماكن التي تراها كثيرًا، ودوِّنها أيضًا في مذكرات هاتفك، وعد إليها كلما احتجت جرعة من التفاؤل.
- لا تنظر إلى الأشخاص من حولك فيصيبك اليأس وتتشاءم من حالك، بل ركز في نفسك وفيما تطمح إليه وتفاءل بقدرتك على الإنجاز والوصول.
- اقرأ قصصًا في التفاؤل والنجاح وعدم اليأس.
في التفاؤل الإنجاز
وأخيراً، يقول الاقتباس المنسوب إلى هيلين كيلر:التفاؤل هو الإيمان الذي يؤدي إلى الإنجاز، ولا يمكن فعل أي شيء من دون أمل، فمع التفاؤل والأمل ينزاح قلق الإنسان، فيكون قادرًا على الإنجاز، والعمل بنشاط وكفاءة، ورغبة.
كما يمنحنا التفاؤل القدرة على التعامل مع مواقف الحياة بإيجابية، فبدل التفكير بالخسارة، نفكربالفوز، وبدل التفكير بالرسوب نفكر بالنجاح، وهكذا نستطيع أن نتقدم خطوة بعد خطوة نحو أهدافنا التي طال انتظارها دون يأس أو قنوط، فالتفاؤل من أهم قواعد النجاح، فهو يفجر الطاقات، ويبعث الهمم، ويقوي الإرادة، ويزيد الثقة بالنفس، والثقة بمستقبل مشرق أفضل من الحاضر.
وإذا كان المرء متفائلًا فهذا لا يعني أنه سيتوقع ما هو مستحيل، بل عليه أن ينظر إلى ما في حياته الواقعية من جوانب مشرقة، وينظر إلى الخير فيها، ويركز على ما في يده من بدائل متاحة، كما ينظر إلى المستقبل نظرة خير لا نظرة تشاؤم، فرَبُ الخير لا يأتي إلا بالخير، فإن فشل المرء في شيء فهذا لا يعني نهاية الحياة، وإنما التفاؤل يمنحه الروح ليحاول مرة بعد مرة وينظر إلى الحلول المختلفة من زوايا مختلفة ليصل إلى ما هو أفضل.
مع كل تجربة جديدة تُسجل محاولة جديدة للمرء، ومع كل محاولةٍ جديدة تحقيقٌ لإنجاز جديد في شخصية المرء، فتُؤثر على تفكيره وطرق تعامله مع المواقف الحياتية، كما يزيد التفاؤل من قدرة المرء على التركيز في أمر واحد وهذا يجعل التعامل مع مسائل الحياة والعمل أمرًا منظمًا، ومع التنظيم يرتفع سُلم الإنجاز أكثر وأكثر، وكل هذا نتاج مصدر واحد وهو التفاؤل.