تعبير عن الثورة الجزائرية المجيدة

كتابة:
تعبير عن الثورة الجزائرية المجيدة

الثورة الجزائرية: ثورة تحرير مجيدة

الثورة الجزائرية ثورة مجيدة اندلعت على الظلم والجبروت الفرنسي الذي اجتاح الجزائر، والطغيان الذي حاولَ تدميرها ونهب خيراتها واستغلال ثرواتها والعبث بتراثها، ذلك الاحتلال الذي حاول كثيرًا أن يطمس ثقافتها ويستبدل بها ثقافته، حاول الفرنسيون جاهدين أن يمحوا اللغة العربية ويستبدلوا بها اللغة الفرنسية.

كأنَّ هذا البلد بات مستباحًا لهم، يفعلون به ما يشاؤون وما يخطر في نفوسهم دون اكتراثٍ لحُرمته ومكانته واهتمامٍ بشعبه ومشاعرهم وحيواتهم، فكأنّ هذه البلاد حمامة تائهة قد خرجت عن السرب فحاوطتها الطيور الجوارح من كل الجهات تريد الفتك بها وأكل لحمها وهي تعتقد أنّها لقمة سائغة في فمهم.

لكن هيهات! لم تعلم تلك الطيور أنّها ستُحارب الليوث التي استفاقت ونهضت من عرينها، وكشّرت عن أنيابها لتعلن ثورةً لا رجوع عنها، ثورةً بدأت بعددٍ ضئيلٍ مقابل عددٍ كبيرٍ وضخمٍ من الأعداء، ثورةً يحمل أهلُها العتاد الخفيف في وجه المعدات الثقيلة الفرنسية، ولكنّ الحياة لا تقوم دون شجاعة، ولا يثمر الحقل من دون جهد وتعب وعرق، ودماء إن كان لا بدّ منها.

أقلّ ما يمكن قوله عن عزيمة الشعب الجزائري صاحب الثورة إنّها عزيمة الحديد والنار؛ لذلك كانت تلك الثورة ثورة التحرير المجيدة التي لم تبخل بأرواحٍ لا ذنب لها سوى أنَّ عدوًا أراد الاستيلاء على وطنها العزيز، فحملها أصحابها على أيديهم وخرجوا للقتال، والأمل هو الذي يدفعهم ليكملوا الطريق التي قرروا اجتيازها مهما كان الثمن.

ثورة المليون ونصف المليون شهيد

أقول بصدق لم تكُن ثورة الجزائر أمرًا بسيطًا؛ فلم تحصل البلاد على حريتها بمئات أو آلاف الشهداء وحسب، بل كانت صراعاتٍ ممتدةٍ وكثيرةٍ بين الشعب الذي لا يملك من السلاح سوى ما يسد به الرمق وبين عدو يمتلك أحدث الأسلحة وأعدادٍ كبيرةٍ من الجنود ناهيك عن دعم الشياطين الذين يريدون إطفاء جذوة الحق، والحق أكبر منهم.

يشبه هذا الشعب الحُرّ الذي لم يرضخ ولم يستسلم مع كل ما تعرَّض له الأسد الذي تجتمع عليه الضباع تريد صرعه، ولكنّه الأسد الليث الذي لا ينحني سوى أمام الموت، بل ربّما واجه الموت واقفًا على قدميه، ومهما اجتمعت عليه الضباع فلا بدّ أن يخرج من بينهم منتصرًا وإن كثرَت الجراح والخدوش على جسده.

على مدى سنواتٍ طويلة من امتداد المواجهات نرى الجزائرييّن الأبطال يستشهدون ويسقون تُراب بلدهم الحبيب بدمائهم، الواحد منهم تلو الآخر، حتى وصل عدد الشهداء إلى المليون ونصف المليون شهيد، فأصبحت الثورة الجزائرية تحمل لقب عدد شهدائها، فهي ثورة المليون شهيد، بل ثورة المليون أسد من الضراغم الشرسة.

هؤلاء الشهداء كانوا وما زالوا وسيبقون دائمًا اسمًا مشرفًا للجزائر، ورمزًا من أهمّ رموزها لن يتمكن التاريخ من نسيانه مهما مرَّت السنون والعقود والقرون على انتهاء الثورة ونيل الاستقلال، وتكريمًا لهم تذكرهم الجزائر ويذكرهم شعبها، بل تذكرهم بقاع الأرض دائمًا، لأنَّ الشهيد لا يموت أبدًا، وإن غادرت روحه هذا العالم فيبقى اسمه خالدًا.

الثورة الجزائرية: نضال للنهوض بالوطن

يجب أن تعلموا يا أصدقاء أنّ الاحتلال الفرنسي للجزائر استمرّ أكثر من قرن، قرن من القهر والظلم ومحاولاتٍ بائسة للاستعباد، لكنها بقيت محاولات لأنَّ الأبطال الذين ولدوا أحرارًا لا يمكن للضباع أن يجعلوهم عبيدًا بالمطرقة والبندقية والسندان حتى ولو جاؤوا بسلاح العالم أجمع، لأنّ القاعدة معروفة: من ولد حرًّا محال أن يصبح عبدًا يومًا.

إنما كل ما استطاع الاحتلال الفرنسي فعله هو محاولة الذهاب بالجزائر نحو الهاوية من خلال تحويله لمستعمرةٍ فرنسيةٍ، ومن خلال أعمالٍ تخريبيةٍ كثيرةٍ، وقد بذل كل ما في وسعه ليحصل على ما يُريد، وليبقى في الجزائر ويكمل مخططاته ويمد جذوره في أعماق أرضٍ أبَت إلا أن تكون حرَّةً منيعة على المعتدي.

كانت هذه الثورة هي السبيل الوحيد لعودة الجزائر إلى حضن أهلها، كانت نضالًا للنهوض بالوطنِ الحبيب وإعادة المجد له كسابق عهده وتخليصه من براثن الاحتلال والشر الذي سيداوم العدو على بثه في أرض الخير، ويحاول نشره في كلّ مكانٍ يسطو عليه.

حاول الفرنسيون التشبث بماضيهم الإجرامي الذي أتوا به فاتخذوه عقيدةً لهم واجتاحوا البلاد به، ولكن باستطاعتنا أن نرى الإخفاق الذي مُنيوا به في النهاية، والهزيمة التي لا بُدَّ أن يخرجوا بها ورؤوسهم مطأطئة، بينما يستشهد الجزائريون ورؤوسهم شامخة مرفوعة فخرًا بالنصر الذي سيأتي، وفرحًا بتضحيتهم في سبيل نهوض الجزائر واستقلاله.

الثورة الجزائرية طريق الاستقلال

آخر ما يُشار إليه أنَّ الثورة الجزائرية التي استمرت أعوامًا طويلةً هي التي مهّدت الطريق أمام الجزائر الحبيبة إلى الحرية، بعد أن كانت طريقًا وعرةً مليئةً بالعوائق والمصاعب، وهي التي استطاعت أن تحمل للجزائريين الأبطال الاستقلال الذي سعوا إليه بكل طاقاتهم وبكل الأساليب التي يمكنهم اتخاذها، ولا هدف لهم سوى نيل الاستقلال.

الثورة الجزائرية تُلقِّن العالم كاملًا درسًا مهمًا بأنَّ من يؤمن بهدفه ويعمل عليه ويُقاتل من أجله سيحققه مهما بدا صعبًا أو حتى مستحيل الحدوث، وأنَّ صاحب الحق سينتصر لا محالة؛ لأنَّه لا بُدَّ أن يحق الحقُ وأن يزهَقَ الباطلُ، والعدو الغاشم الذي يحاول أن يسطو على بلادٍ ليست له مصيره القتل.

يُحاول أن يستنزفها حتى الرمق الأخير، فلا يُبقي فيها خيرًا إلا ويحاول انتزاعه وجعله يصب في مصالحه الشخصية دون الاكتراث لأمر هذا البلد العريق، بلد الأصالة القائم منذ قديم الزمان بكل تراثه وتاريخه المُشرّف وعظمة شعبه، وثقافته الغنية والثرية المعروفة على مرّ العصور.

هكذا تنتصر الجزائر، وتكون ثمرة الثورة استقلالًا عظيمًا تفخرُ به البلاد بمن فيها وما فيها، وتحصل على حريتها لتنهض مجددًا من العهد الذي شهدته والاستغلال الذي تعرضت له، يستطيع الجزائريون أن يستعيدوا مجدهم وينفضوا عن أرواحهم ثقل الاحتلال الفرنسي، ويحتفلوا فرحًا للنصر الذي حققوه بعد التضحية التي قدموها في سبيله.

3692 مشاهدة
للأعلى للسفل
×