محتويات
الجار طريق إلى البر
الجار هو الإنسان الذي يشارك الآخر السكن في نفس شارعه ويُشاركه باسم ذلك أفراحه وأتراحه دون أن تكون بينهما صلة دموية، فلا يجد الإنسان الهناء إلا حين يحسن إلى جاره فيكون سندًا عظيمًا له ويكون جسرًا ما بين بر الله تعالى وبينه هو العبد الضعيف الذي يسعى دائمًا إلى أسباب الجنة، فيكون الإحسان إلى الجار سببًا من تلك الأسباب، إن الجار لا يلتمس الأمان في مسكنه إلا من خلال جاره فيُقال الجار قبل الدار، ولم تأت هذه العبارة عبثًا ولا جزافًا بل هي حقيقية كحقيقة شروق الشمس دبر كل ليل، فكيف للإنسان أن يستقر في بيت دون أن ينطر إلى المحيط الذي حوله، إذ إنّ صلة الجار بجاره أعمق من صلة أخوين فرقهما القدر ليكون كل واحد منهما في مكان ما من هذه الأرض.
إنّ الإحسان إلى الجار هو نوع من أنواع البر، فكيف للإنسان أن يكون بارًا بأحد دون أن يحسن إلى جاره، ولو أراد الإنسان أن ينكشف على نفسه ويتطلع إلى ذاته ليقف مع خفايا أعماقه فلينظر إلى فعله مع جاره تراه هل كان بارًا فيه أم كانت طريقة تعامله معه غير سوية، قد يظن بعض الناس أن لفظة البر لا تكون خاصة إلا بالأبوين ولكن تلك اللفظة أعم وأشمل من ذلك بكثير، فيجب على الأب أن يكون بارًا بابنه والأم بابنتها والجار بجاره والجد بأحفاده، هي ليست مسألة قلب موازين على الإطلاق بل المسألة أن يضع الإنسان الإحسان نصب عينيه فلا يفعل أمرًا دون أن يضعه بموازين الإحسان، ولو أساء أحد الجيران إلى بعضهم فإن ذلك لا يشرع شريعة الغاب على الإطلاق بل يكون الرد بالآية التالية {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
الجار هو مرآة الإنسان في معظم الأحيان شاء ذلك أم أبى، إذ لا أعظم من أن يُحسن الإنسان إلى من حوله ولو أساؤوا بذلك هم، ولو نظر الإنسان إلى اشتقاق لفظة الجار لوجدها مأخوذة من الجير حين كان العرب يجيرون بعضهم أي: يحمي الواحد منهم الآخر كأنه نفسه وروحه، فلو أجار العربي قاتل أبيه فإنه لا يأخذه حتى يخرج من جواره، وكأن الجار يكون في كل حين مجيرًا للآخر فهو يحفظ ستره ويراعي حرمة لبيته فتكون نساء جاره كأنها نساؤه وبيت جاره كأنه بيته، فلا يرى الجار من الثاني إلا ما يحب، فتكون تلك هي الأخلاق الإسلامية التي لمسها الأقربون والبعيدين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الجار وصية النبي
لقد اهتمت الشريعة الإسلامية بتوثيق عرى العلاقات الإنسانية فلا بد للأخ من الإحسان لأخيه والجار لجاره، إذ الشريعة في أصلها مرتبطة بضبط العلاقات ما بين العباد وربهم والعباد بين بعضهم، فهذب الإسلام الأخلاق وجعل خطوطًا عريضة ما بين تعامل الناس بين بعضها، من هنا يأتي الاهتمام بحقوق الجار في الإسلام، فقد قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}.[١]
ثم يذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توصية جبريل عليه السلام من فوق سبع سموات بالجار وقد أعاد التوصية على رسول الله حتى ظن -عليه الصلاة والسلام- أن سيجعله من الوارثين، أي: لكثرة ما أوصى بالإحسان إلى الجار فإنه قد جعله مثل الأخ أو الابن، ثم يذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التفاتة لطيفة إلى إحسان الجار لجاره حيث قال: "ما آمن بي من بات شبعانَ وجارُه جائعٌ بجنبِه وهو يعلمُ به".[٢]
هذه المسألة خطيرة، فقد ينفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان عن المسلم فيخرج من دائرة الإسلام لأنه لم يطعم جاره وهو يعلم أنه جائع، لقد ربط رسول الله بين أخلاق المسلم وإيمانه ولم يحدد له إن كان جاره مسلمًا أم كافرًا، بل لا بد له أن يكون محسنًا بغض النظر عن المسألة الإيمانية، فالإسلام دين الأخلاق وليس دين التفريق، ولا بد للمسلم من الانتباه إلى أوامر الله تعالى وتطبيقها حتى يكون ممن وعدهم الله بجنة لا تعب فيها ولا نصب، جنة عرضها السموات والأرض أعدت لمن أطاع الله ورسوله وأحسن إلى الآخرين.
الجار رفيق السراء والضراء
المسلم هو أخو المسلم يعينه في أمره كله، ولو لم يكن الجار مسلمًا فإن له حق الجوار على صاحبه، ومعنى حق الجوار أن يعين الجار جاره في السراء والضراء ولا يعين عليه، ومعنى ألّا يعين عليه أي يجب عليه أن ينصره ظالمًا كان أو مظلومًا، ولما سأل الصحابة -رضوان الله عليهم- معنى أن ينصروا أخاهم مظلومًا فقال لهم بردّه عن ظلمه، وهذا من المفاهيم الخاطئة التي قد يقع بها الإنسان، إذ قد يظن أن النصرة تكون في الأمور كلها، وهذا هو عين الخطأ وهو ما يؤدي إلى تفكك البنية الاجتماعية التي تقضي بإحقاق الحق ولو كان المخطئ من أقرب الناس.
إن الإنسان لما تضيق به الأحوال ويختاره الله للبلاء فإنه لا بد للجار من الوقوف معه ومساندته فيمد يد العون إليه حتى يستقيم ميزان الحياة، ولا يدع جاره يعاني من صعوبات الحياة دون أن يشق طريق المساعدة نحوه، إن علاقة الجيران بين بعضهم تشبه علاقة النجوم بين بعضها فلا ترى في السماء نجمة واحدة بعيدة عن جيرانها إلا وكانت خافتة الضوء ضعيفة لا يرى لمعانها وحدها، لكن إذا ما اجتمعن بين بعضهن وساندت الأولى في لمعانها الأخرى فيتوهجن كأنهن الشعلة في السماء، فالإحسان إلى الجار يدخل في باب التكافل والتعاون الاجتماعي ذو الأثر العظيم على المجتمع.
لما دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة ورأى ألا بد من فعل يُوطّد العلاقات الإنسانية بين بعضها البعض وكأن المهاجرون جيرانًا للأنصار آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بين المهاجرين والأنصار فكان الواحد منهم أخًا للثاني يعينه في أمره كله ويسانده، حتى أنه يعطيه من ماله ويقاسمه بيوته حتى كانت القاعدة الاجتماعية الصالحة التي انطلقت منها الدعوة السمحة، لذلك فإنه لا بد من قاعدة صحيحة ينطل المجتمع منها وهي قاعدة الجوار والإخاء.
الجار الصالح نعمة
إن الجار لما يلمس من حاره الصلاح فإنه ينام مطمئن البال ولا يكون منغص العيش بحيث يكون منشغل الفكر دائمًا قلقًا على بيته ونسائه وماله وأولاده، بل يغمض عينيه ويستغرق مرتاح البال غير خائف على شيء، أمّا لو كان الجار غير صالح فإنه قد يؤدي بالرجل لأن يخرج من بيته كله ويبيعه ولو بأبخس الأثمان لأنه سيؤثر غلى مسيره أطفاله وسيبقى خائفًا على أهله وماله، ولما مات جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- وشاع الحزن بين أهل بيته التفت رسول الله لمن حوله وأخبرهم أن يصنعوا لهم الطعام فقد جاءهم من الحزن ما يلهيهم عن ذلك، واستمرت تلك العادة بين الناس فيصنع الجار لجاره الطعام إن حل به ما يحزنه ويؤلمه.
لا بد للإنسان قبل أن يبتاع ببتًا لنفسه أن يسأل عنه وعن جيرانه فلو كانوا سيّئي الخلق دائمي السهر يرفعون أصواتهم على بعضهم ويؤرقون جيرانهم فلا يُشترى ذلك البيت ولو عرض على الإنسان بأبخس الأثمان، أما لو كان الجيران غير ذلك ممن يحفظون السر ويبتسمون في وجوه من حولهم ويحفظون الود فإنّهم يكونون خير مَن يُبتاع بيت من حولهم، والعاقل لا يشتري ما يؤذيه ولا يقترب مما يؤذيه لذلك فإنّ الجار صاحب الأخلاق الحسنة يكون سلعة غالية يبحث النّاس عنه في كل مكان، ويسعون دائمًا لأجل أن يكونوا هم أيضًا جيرانًا طيبين.
قديمًا لما كانوا يقولون في أحد الأمثال "الجار قبل الدار" ومن يتأمّل في هذه العبارة يجدها غاية في الدقة لأنّ الدار لا تنفع إن كان يُصاحبها جار ذو أخلاق سيئة، وليس ذلك مختص في الجيران فقط، بل على الإنسان أن يسعى دائمًا ليكون صاحب أخلاق حسنة، وأن يبتعد كلّ البعد عمّا يُذم من الأخلاق مثل إيذاء الآخرين وخير مثال على ذلك سيد الخلق والعالمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمّا كان حسن الخلق مع جيرانه حتى المشركين منهم في مكة، فلم يُبادل إيذاءهم بإيذاء ولم يسع إلى الانتقام منهم لمّا استطاع ذلك.
لتتمكّن أكثر من كتابة تعبير عن الجار، افتح الرابط التالي: موضوع تعبير عن حقوق الجار.