تعبير عن الجدّة

كتابة:
تعبير عن الجدّة

جدتي العطوف

  • جدتي الملجأ الآمن.
  • جدتي هي جدان منيعة تصدُّ عني عواصف الحياة.
  • جدتي هي تلك المرأة المختلفة والمتميّزة.

المقدمة: رائحة جدتي

للأمان والحب عطرٌ لا يمكن أن نشتمه إلّا من كفي حبيبٍ لقلبنا غالٍ على روحنا، بل للبركة في المنازل أسباب لا يمكن إلا أن تطرح من قبل إنسان عشق الذات الإلهية حتّى الهُيام، وكل هذه الأمور لا يمكن استنشاق عبيرها إلا من جدتي، فرائحة جدتي هي كتلك الروائح التي يمكن اختصارها بأنّها عبارة عن حقلٍ مزهرٍ يضم جميع زهور الأقحوان وزهور الياسمين العتيقة التي تذكّرُني بجدتي تلك الأيقونة المقدسة، بل هي طيفٌ خفيفٌ مليء بالطهارةِ والصِّدق والأمن والأمان، بل هي الجمال والنقاءِ وبالجلال بحدِّ ذاته.


رائحة جدتي كذاك العبير المنبعث من بحيرةٍ صافيةٍ هادئةٍ لا انتهاء لأريجها وعطرها، فتترسّخُ صورتُها في عمقِ قلبِي وروحِي وذاكرتي، وكم أحمل حبًّا لجدتي وحضنها الدّافئ الذي يضم فيه المتناقضات فهي بحرٌ قد تلاطمت أمواجه على مرِّ الأيام، وهي في الوقت نفسه الأمان في هذه الحياة، فعندما أبحث عن مآلٍ أستقر فيه لا أجد إياكِ، فأشعر بتلك المياه الهادرة وكأنّها تموجُ في روحي ونفسي الشاردةِ التي اشتاقت أن تشتم رائحة الدفء والحنان من حضن جدتي.


كم أحبك يا جدتي وأقدرك بحنانِك، بل بحكمتك التي تمثلت بجميع أفعالك وهمساتك، أشتاق لطيبتك التي تنافس طيب أوراق الورد الجوري، لا مثيل لجدتي التي عُرفت بصبرِها وسكونِها الذي لفت القلوب قبل أن يلفت العقول، أحبك يا جدتي فكم تملكين ذاك الحضور الباهرِ الذي يضفي الاحترام على كل من وقعت عيناه عليك.


العرض: جدتي قلب من ذهب

أرأيتم يومًا يا أحبابي أنَّ الشيخوخة تجتمع مع براءة الطُّفولة في شخصٍ واحد، أم رأيتم أنَّ الذَّكاء والحنكة مع البساطة كانتا سمةً لشخصٍ بعينه، إن لم تكونوا قد رأيتم تلك المتناقضات قد اجتمعت بشخصٍ فقد رأيتها أنا، إذ إنَّها كانت متجسدة في قلب جدتي وروحها، كانت متجسدة في تلك الإنسانة البسيطة والتي ربما سيطرت عليها الأميَّة في كثيرٍ من مناحي حياتها، ولكن قلبها كان ولا زال قد قضَّ من ذهب، وسنلامس ذرات الذَّهب وشعاع الجواهر الكريمة يضيء زوايا قلبها، بالإضافة لقلبها الذهبي كانت تملك حنجرةً ذهبيَّةً لم تبتذل بها في الأسواق، بل تركتها لننعم بها وحدنا، ونترنم بتلك المقاطع الجميلة التي تصدح بها عاليًا.


جدتي تلك النفحات والأنفاس القديمة العريقة التي أحبت الحياة على الرّغم مما قاسته، فأحبتها الحياة بالمقابل ومنحتها قلبًا ذهبيًّا مفعمًا بالحبِّ، فهي امرأةٌ انحنى التَّاريخ أمام عمرها المديد إجلالًا واحترامًا لما شهده من طيب خلقها وحسن كلامها الذي نبع من قلبها الرَّاقي، وأنا أفتخر بكوني حفيدًا لامرأة لن يكرر التَّاريخ شخصها، فقد عطفت على صغيرنا فبادلناها بالاحترام، ونصحتنا حبًّا بنا فبادرنا للاستماع إلى نصائحها، فلم تكن يومًا كسائر المسنات تضع يدًا على الأخرى، بل كنت أراها دائمًا راكعةً مصليّةً، متوجهةً بقلبها النّقي إلى السَّماء، رافعةً أكفها بالدعاء لنا كي يحفظنا الله في حياتنا.


على الرُّغم من أنّ جدتي قد بلغت ثمانين عامًا وأكثر، إلّا أنَّها لم تفقد روح الدّعابة أو حتّى رغبتها في الحياة، فلم أسمعها يومًا تشكو وتتذمر، بل لم يجد اليأس طريقًا لقلبها أو مكانًا عندها، بل حتّى لم تكن تعلم بوجوده، فلم تكن رائحة جدتي إلا تلك الرائحة التي صُمِّمت لتكون متعشقة في ثنايا ملابسها وأدراجها وغرف دارها كرائحة تلك الزهور الندية التي تبعث السرور في حياتنا، بل شاءت الأقدار أن ترتبط تلك الرائحة بأيّام الماضي مع ما يحمله من ذكرياتٍ جميلةٍ وزمنٍ رائعٍ وبديعٍ، الذي قلّما سيكرره الزمن.


ستبقى الجدة هي المتميزة بحنانها وعطفها وحبها، لأنَّها إنسانة لا يمكن أن تتكرّر في هذا العمرِ مرّتين، فهي رمزٌ للدين والطهر بصلاتها وخشوعِها، بل هي رمزٌ للحكمة بكلامِها الذي يتناثر من بين شفتيها كالدرِّ المنثور وسكوتها الذي يعلو محيَّاها كغيمةٍ وضَّاءةٍ، جدتي التي يتوج الصمت البهيِّ والرائق محيَّاها، أحمد الله على كونك ذاك الكف الحاني في حياتي، جدتي هي تلك النَّظرة الرؤوم التي لا يمكن أن ترمقني إلا وآيات الحفظ والرّعاية تُتَمتمها شفتاها المتجعدتان مخافة أن ترشقني بسهام الحسد حتَّى وإن كان من غير قصد.


الخاتمة: بيت جدتي زوايا للحنين

في أركان بيت جدتي نجد القوة والحنان والثبات والاستمرار مع الديمومة في العطاء، فكم هو مهم وجود الجدة فكم هو مهم وجود الجدة في الأسرة. جدتي لقد أحببتك كما لم أحبّ أحدًا قبلك أو بعدك، بل أحببتك كما أحببت طفولتي، وما ذلك إلّا لأنّ حبك تمثّل برموزٍ لا يمكن أن تعوض، فقد أحببتك جدتي كما أحببت بيتنا القديم بما يضمه من دفءٍ تحت شجرة التّين ودالية العنب المتعرّشة على جدرانه.


أحببتك يا غاليتي كما أحببت النّقاء الذي تمثَّل بقطرات الماء النّقيّة في بحيرتك الصغيرة ونافورة بيتك، فقد استطعت على الرُّغم ممّا في داخلي من غموض وبعثرات أن تفهميني ببساطتك، كتلك البساطة والوضوح المتمثلة بجدران بيتك وتقاسيمه، ولا زلت أحبك وسأبقى أحبك، فزوايا بيتك امتلأت بخفقات القلب العاشق، فجذوري قد نشأت بين جدران منزلٍ أُسس على الحبِّ، وسيبقى ينبض بالحب والحنين.


منزل جدتي قد ملأته بِما تعدهُ يداها، وكثيرًا ما كنت أجلس على مقربةٍ منها لأرمقها بعينيَّ الصغيرتين اللتين تتابعان ما تقوم به، وقلبي ينبض حبًّا وحنينًا بين يديها ويدِ ما تُعِدهْ، فقد كانت جدتي تتفنّن بصنع الوسائد القاسيةِ جدًا كالصخرِ لتحمينا من رطوبة الجدران، أعشقُ مراقبة كل زاوية كانت تقبع بها جدتي وأستمتعُ بعرضِ تلك الذكريات على مخيلتي، وعلى الرغم من أني كبُرت الآن وابتعدتُ عنها، إلّا أنّها قريبةٌ مني أكثر مما كنت أتصور، فجدتي طفولتي معها، وحتّى أحلامي عنها وعن بيتها تبعث السَّعادة في قلبي.

4079 مشاهدة
للأعلى للسفل
×